شبهات حول الاحتفال بالمولد النبوي والرد عليها


اللجنة العلمية في الفرقان


اعتاد الناس على الاحتفال باليوم الثاني عشر من ربيع الأول على أنه يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتواتر كلام العلماء على أن ذلك بدعة في الدين، ولا يخفى على كل ذي لبٍّ وعقل الشبهات التي يثيرها هؤلاء ويخدعون بها عوام المسلمين، ونذكر في هذه المقالة بعضًا من هذه الشبه والرد عليها.

الشبهة الأولى

- زعمهم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة وإنما هو سنة حسنة.

وللرد على ذلك نقول: إن السنة الحسنة لا تكون إلا لما له أصل في الدين كالصدقة التي كانت سبباً لورود الحديث، وكقول عمر - رضي الله عنه - عندما جمع الناس لصلاة التراويح فقال: «نَعِمَتِ البدعة»، بخلاف البدع؛ فإن كلها مذمومة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، فلفظ «كل» هو من ألفاظ العموم، و«بدعة» نكرة دلت على العموم، فدل على أن البدع جميعها ضلالة، ثم قال: «وكل ضلالة في النار» فيشمل أنواع البدع جميعها ؛ إذ ليس في الدين بدعة حسنة، ولو كان في الدين بدعة حسنة لأخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبرنا بأن البدع جميعها ضلالة، فكان سيستثني منها.

الشبهة الثانية

- قولهم: إن الاحتفال بالمولد هو إحياء لذكرى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا مشروع في الإسلام.

لا شك أن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوع في كل زمان قال الله - تبارك وتعالى -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك} قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: «قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، ولم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - أن واحداً منهم احتفل بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم من هم في الحب له والاتباع.

الشبهة الثالثة

- زعمهم أن شعراء الصحابة كانوا يقولون القصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - كحسان بن ثابت، وكعب بن زهير وغيرهما - رضي الله عنهم -، فكان يرضى بذلك، ويكافئهم عليه.

لم ينقل عنهم أنهم كانوا يلقون القصائد في مدحه في يوم مولده، فنقول لمن فعل ذلك «ثبِّتْ عرشَكَ ثم انْقُش»، هات الدليل على صحة ما تقولون، فإنما كانت القصائد التي يلقيها شعراء الصحابة - رضي الله عنهم - في مدحه - صلى الله عليه وسلم - بعيدة كل البعد عن الغلو، بخلاف ما يفعله هؤلاء المبتدعة؛ فإنهم يلقون القصائد في هذا الاحتفال المحدث وفيها الغلو مع وصفه ببعض صفات الرب - تبارك وتعالى-، ويستغيثون به ويدعونه، ويزعمون أنه يحضر في هذا الاحتفال المبتدع.

الشبهة الرابعة

- يقولون: نحن قَصَدْنَا الخير، فنحن نذكر الله - تبارك وتعالى - ونسبحه، ونذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونصلي عليه، فأي إشكال في ذكر الله - تبارك وتعالى -، وفي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم ؟

في الرد على ذلك نقول: إن العبادات مبناها على التوقيف، فكل عبادة لم يرد عليها دليل فهي بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة كما تقدم، أما قولكم «نحن قَصَدْنَا الخير» فنقول كما قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «وكم من مريد للخير لم يصبه»، وإنما الخير كله في الاتباع لا في الابتداع، فهل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، أو الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم؟ فإن قالوا: نعم قلنا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وإن قالوا: لا، قلنا: أفلا يسعكم ما وسعهم؟ وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن ذكر الله - تبارك وتعالى - عبادة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عبادة، ولكن لا بد لقبول العبادة من شرطين أساسيين هما: الإخلاص والاتباع، فالإخلاص إن وُجِدَ عندكم كما تقولون؛ فقد غاب الشرط الآخر وهو الاتباع، فوقعتم بذلك في الابتداع، وقد سبق حديث عائشة - رضي الله عنها - في أن العمل إذا لم يكن على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود.

الشبهة الخامسة

- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم .

والجواب عن ذلك أن نقول: إنما تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته - صلى الله عليه وسلم -، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية، وأشد الناس تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة -رضي الله عنهم- ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.

الشبهة السادسة

- الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.

والجواب عن ذلك أن نقول: الحجة بما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - النهي عن البدع عموماً، وهذا منها، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (الأنعام/116)، مع أنه لا يزال -بحمد الله في كل عصر- من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق.

الشبهة السابعة

- يقولون: إن في إحياء ذكرى المولد وقراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه المناسبة حثا على الاقتداء والتأسي به!

نقول لهم: إن قراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به مطلوبان من المسلم دائماً طوال السنة وطوال الحياة، أما تخصيص يوم معين لذلك دونما دليل على التخصيص فإنه يكون بدعة «وكل بدعة ضلالة» أخرجه أحمد (4/164)، والترمذي( 2676)، والبدعة لا تثمر إلا شرا وبعداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

خلاصة القول

- الاحتفال بالمولد الشريف بدعة حادثة ليس لها أصل في الدين بأي صورة من صوره، قرنت بالسماع وبغيره من المحرمات كالاختلاط أم خلت منه، والذين يحتفلون بمولده الشريف - صلى الله عليه وسلم - نحسب أن دافعهم إلى ذلك حبه، ولكن الحب وحده لا يكفي، فلابد من متابعة السنة وموافقة الشرع، فكم طالبٍ أمراً لم يصبه وراجٍ رجاءً فأخطأه، ومؤمل أملاً لم يدركه.

- إن الدين تم وكمُل بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما لم يكن آنذاك ديناً وشرعاً فلن يكون اليوم ديناً أو شرعاً.

- إن مجرد الخلاف ليس دليلاً مسوِّغاً للتشبث به مهما كانت درجة قائله ومنزلته، ما لم يكن قائماً على دليل، فكما قيل: فليس كل خلافٍ جاء معتبراً، إلا خلافاً له حظٌ من النظر.

- إن مرجع المسلمين عند الخلاف والنزاع إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، لا إلى قول فلان وعلان.

- إن الدين ليس بالرأي والعقل، وإلا لكان باطن الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، كما قال الخليفة الراشد علي - رضي الله عنه -، ولهذا فإن التحسين والتقبيح العقليين لا قيمة لهما البتة في أمور الشرع، فما تراه أنت حسناً يستقبحه غيرك.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

- وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- بإن في المولد النبوي الشريف يجتمع الناس على الأخوّة والتقوى، وقراءة شيء من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقراءة شيء من الشعر الذي قيل قديمًا إما يمدح الإسلام أو الرسول العظيم، وهذا كل ما يحدث، وليس فيه ذلك ما يعارض الشريعة الإسلامية، أرجو توضيح ذلك ولكم كل تقديري واحترامي، ورعاكم الله وسدد خطاكم وجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين.

وقد أجاب -رحمه الله- قائلاً: لا ريب أن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قد يقع فيه شيء مما ذكره السائل بالنسبة إلى أهل العلم وأهل البصائر، ولكن ينبغي أن يعلم أننا عبيد مأمورون لا مشرعون، علينا أن نمتثل أمر الله وعلينا أن ننفذ شريعة الله، وليس لنا أن نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله، يجب أن نعلم هذا جيداً، الله -سبحانه- يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى:21).

ويقول المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها-: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، يعني: فهو مردود على من أحدثه، وفي لفظ آخر عند مسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة تدل على تحريم البدع، وأن البدع هي المحدثات في الدين، وكان النبي يقول في خطبته -عليه الصلاة والسلام-: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ولقد عاش الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد النبوة ثلاث وعشرين سنة ولم يحتفل بمولده -عليه الصلاة السلام-، ولم يقل للناس: احتفلوا بالمولد، بدراسة السيرة أو بغير ذلك، ولاسيما بعد الهجرة فإنها وقت التشريع وكمال التشريع، فمات - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئاً من ذلك.

صوم يوم الاثنين

وأما حديث: أنه سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه هذا لا يدل على الاحتفال بالموالد كما يظن بعض الناس، وإنما يدل على فضل يوم الاثنين وأنه يوم شريف؛ لأنه أوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولأنه ولد فيه -عليه الصلاة والسلام-، ولأنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله -تعالى-، فإذا صامه الإنسان لما فيه من المزايا هذا حسن، أما أن يزيد شيئاً غير ذلك، فهذا ما شرعه الله، إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه يوم ولدت فيه لبيان فضل صومه، ولما سئل في حديث آخر عن صوم الاثنين والخميس -أعرض عن الولادة- وقال في يوم الخميس والاثنين: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، وسكت عما يتعلق بالمولد، فعلم بذلك أن كونه يوم المولد جزء من أسباب استحباب صومه مع كونه تعرض فيه الأعمال على الله، وكونه أنزل عليه الوحي فيه، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد ولكن يدل على فضل صيام يوم الاثنين، وأنه يصام لهذه الأمور؛ لكونه ولد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكونه أنزل عليه الوحي فيه، ولأنه تعرض فيه الأعمال على الله -عز وجل.

لو كان خيرًا لما سكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم

ولو كان الاحتفال بالموالد أو بمولده -عليه الصلاة والسلام- أمراً مشروعاً أو مرغوباً فيه لما سكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن الله، وهو أنصح الناس، ولا يجوز أن يظن به أنه يسكت عن أمر ينفع الأمة وينفعه -عليه الصلاة والسلام- ويرضي الله -عز وجل-، وهو أنصح الناس، هو ليس بغاش للأمة وليس بخائن ولا كاتم، فقد بلغ البلاغ المبين -عليه الصلاة والسلام-، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكل شيء لمن يكن في وقته مشروعاً، فلا يكون بعد وقته مشروعاً، فالتشريع من جهة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيما أوحى الله إليه -جل وعلا-، وصحابته مبلغون عنه، ويحملون عنه ما بلغهم به، فهو لم يبلغ الناس أن الاحتفال بمولده مطلوب، لا فعلاً ولا قولا، وصحابته ما فعلوا ذلك، ولا أرشدوا إليه لا بأفعالهم ولا بأقوالهم، وهم أحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم أعلم الناس بالسنة، وهم أفقه الناس، وهم أحرص الناس على كل خير فلم يفعلوه، ثم التابعون لهم كذلك، ثم أتباع التابعين حتى مضت القرون المفضلة، فكيف يجوز لنا أن نحدث شيئاً ما فعله هؤلاء الأخيار؟

بدعة مطلقة

والحاصل: أنه بدعة مطلقة حتى ولو كان على أحسن حالة، لو كان ما فيه إلا مجرد قراءة السيرة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو بدعة بهذه الطريقة، أن يحتفل به في أيام مولده في ربيع الأول على طريقة خاصة كل سنة، أو في يوم يتكرر يعتاد باسم الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا يكون بدعة، لأن: ليس في ديننا هذا الشيء، وأعيادنا عيدان: عيد النحر، وعيد الفطر، وأيام النحر ويوم عرفة، هذه أعياد المسلمين، فليس لنا أن نحدث شيئاً ما شرعه الله -عز وجل-، وإذا أراد الناس أن يدرسوا سيرته فيدرسونها بغير هذه الطريقة، يدرسونها في المساجد وفي المدارس، سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلوبة، تجب دراستها والتفقه فيها، تدرس في المدارس، في المعاهد، في الكليات، في البيوت، في كل مكان لكن بغير هذه الطريقة، بغير طريقة الاحتفال بالمولد، هذا شيء وهذا شيء، فيجب على أهل العلم التنبه لهذا الأمر، وعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا الأمر، وعلى محب الخير أن يتنبه لهذا الأمر، هذه السنة خير وسلامة، والبدعة كلها شر وبلاء، رزق الله الجميع العافية والهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.