قال الصفدي عن ابن تيمية :
"وضيّع الزمان في ردّه على النصارى والرافضة، ومَن عاند الدين أو ناقضه.
ولو تصدّى لشرح البخاريّ أو لتفسير القرآن العظيم، لقلّد أعناق أهل العلوم بِدُرِّ كلامه النظيم".
أقول والله ما ضيع الزمان بل قام بالفرض الواجب ونصر الملة فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وقد بين أبو العباس بن تيمية نفسه سبب انشغاله بالتصنيف في الأصول وبيان العقيدة الصحيحة والرد على أهل البدع والضلال فيما حكاه عنه تلميذه البزار.
قال البزار : ولَقَد أكثر رضي الله عنه التصنيف فِي الأصول فضلًا عَن غَيره من بَقِيَّة العُلُوم، فَسَألته عَن سَبَب ذَلِك والتمست مِنهُ تأليف نَص فِي الفِقْه يجمع اختياراته وترجيحاته ليَكُون عُمْدَة فِي الافتاء.
*فَقالَ لي ما مَعْناهُ* : الفُرُوع أمرها قريب فإذا قلد المُسلم فِيها اُحْدُ العلماء المقلَّدين جازَ لَهُ العَمَل بقوله ما لم يتَيَقَّن خطأه، وأما الأصول فَإنِّي رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوُجُود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة والراوندية والكلابية والسلمية وغَيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فِيها بأزمة الضلال وبان لي أن كثيرًا مِنهُم إنما قصد إبطال الشَّرِيعَة المقدسة المحمدية الظّاهِرَة على كل دين العلية، وأن جمهورهم أوقع النّاس فِي التشكيك فِي أصول دينهم، ولِهَذا قل أن سَمِعت أَوْ رَأيْت معرضًا عَن الكتاب والسّنة مُقبلا على مقالاتهم إلا وقد تزندق أَوْ صار على غير يَقِين فِي دينه واعتقاده
فَلَمّا رَأيْت الامر على ذَلِك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبْذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذبا عَن الملة الحنيفية والسّنة الصَّحِيحَة الجلية.
ولا والله ما رَأيْت فيهم أحدًا مِمَّن صنف فِي هَذا الشَّأْن وادّعى عُلُو المقام إلا وقد ساعد بمضمون كَلامه فِي هدم قَواعِد دين الاسلام، وسبب ذَلِك إعراضه عَن الحق الواضِح المُبين، وعَن ما جاءَت بِهِ الرُّسُل الكِرام عَن رب العالمين واتباعه طرق الفلسفة فِي الاصطلاحات الَّتِي سَموها بزعمهم حكميات وعقليات وانما هِيَ جهالات وضلالات وكَونه التزمها معرضًا عَن غَيرها أصلا ورأسا فَغلبَتْ عَلَيْهِ حَتّى غطت على عقله السَّلِيم فتخبط حَتّى خبط فِيها خبط عشواء، ولم يفرق بَين الحق والباطِل وإلا فالله أعظم لطفا بعباده أن لا يَجْعَل لَهُم عقلا يقبل الحق ويثبته ويبْطل الباطِل وينفيه، لَكِن عدم التَّوْفِيق وغَلَبَة الهوى أوقع من أوقع فِي الضلال، وقد جعل الله تَعالى العقل السَّلِيم من الشوائب ميزانا يزن بِهِ العَبْد الواردات فَيُفَرق بِهِ بَين ما هُوَ من قبيل الحق وما هُوَ من قبيل الباطِل، ولم يبْعَث الله الرُّسُل إلا إلى ذَوي العقل ولم يَقع التَّكْلِيف إلا مع وجوده، فَكيف يُقال إنه مُخالف لبَعض ما جاءَت بِهِ الرُّسُل الكِرام عَن الله تَعالى هَذا باطِل قطعا يشْهد لَهُ كل عقل سليم لَكِن ﴿ومن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَما لَهُ من نور﴾
*قالَ الشَّيْخ الامام قدس الله روحه :* فَهَذا ونَحْوه هُوَ الَّذِي أوجب أني صرفت جلّ همي إلى الأصول وألزمني أن أوردت مقالاتهم وأجبت عَنْها بِما أنعم الله تَعالى بِهِ من الأجوبة النقلية والعقلية.
[الأعلام العلية ص ٣٣ ]