هل صحيح أن الطبع يغلب التطبع؟!



هيام الجاسم







وهل صحيح أن «بو طبيع ما يترك طبعه»!00 أبدا أبدا غير صحيح هذا التصور السائد في الأذهان ، قناعة تناقلناها أباً عن جد، نهائيا لا تسمح لنفسك أن تحدثك بتلك الفكرة غير الصحيحة التي ليس فيها ذرة من منطق العقل والدين والقانون، وإلا كيف ينزل ربنا علينا الآية: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وكيف يقول لنا عز وجل: { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}، وكيف أيضا يخاطبنا بقوله وعز من قائل: {كل نفس بما كسبت رهينة}، والذي نكسبه بأفعالنا أليس هو نتاج لطبائعنا التي هي جوهر أخلاقنا؟!



الطبع والخلق مترادفان لمعنى واحد عند علمائنا في الشريعة، فخلقك هو طبعك وطبعك هو خلقك، لا مناص من أن تغير طبعك إن كان لا يرضي الله تعالى، ولا تحاول أن تسوّغ السوء في نفسك لنفسك فتدّعي "بعد شسوي! غصبن علي! هذا طبعي! ما أقدر أغيره!!" لو كان ما تدّعيه حقا وصدقا وعدلا إذاً لمن الجنة والنار ؟! وعلى من ينزل رضا رب الناس؟ وعلى من ينزل غضبه؟! إذا كان كل ما نتصرفه قلبا وقالبا هو "غصبن علي، الله حطه فيني، ولا تلوموني"!! والسيمفونية إياها إذاً لمن الجزاء والعقاب في الدنيا والآخرة؟! في كل يوم نصبح ونمسي نتعامل مع أناس قربوا أم بعدوا ديدن مشاربهم ومسالكهم تلك المسوغات لسلوكيات خاطئة في كثير من الأحيان يتعمدونها ويتقصدونك فيها تقصدا ثم يدّعون أنها "غصبن عليهم!" رغما عنهم!

عزيزي القارئ إذاً لمن وجه نبينا[ أحاديثه التي يقول فيها: «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم»، «ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعف يعفه الله»، «وأقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» وغيرها كثير حتى إن علماؤنا عدوا كمال الدين للعبد المسلم في صحة توحيده وحسن خلقه، والخطب كبير إن اعتقدنا أن طباعنا السيئة ليس لنا خيار في تغييرها ولا نقدر على استبدالها، دوما ندعي عجزنا ونبينا يحثنا على «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»، فنحن نشطاء في العبادات التي بيننا وبين ربنا، (شطّار وممتازون) في الانضباط باللباس الشرعي والهيئة الشكلية أقصد الشرعية، وسهل جدا على نفوسنا إطلاق اللحى وتقصير (الدشاديش)، وسهل جدا ارتداء العباءة الساترة، وأيضا خفيف على النفس تغطية وجوهنا، وأول ما نبادئ أنفسنا حينما نتديّن في حياتنا ضبط الهيئة الخارجية.

لا حظ معي - عزيزي القارئ - ثم نحمل أنفسنا حملا على ترويض أوقاتنا عبادة لله تعالى بين قيام وصيام وصدقات ، ولكن أين هو حبس النفس على الرقي في التعامل مع الشرسين المزعجين من الناس في دنيانا؟! بصراحة نحن (شطّار) وماهرون في كيفية إدارة حسن الأخلاق مع من نحبهم ويحبوننا، مع من نحن مقبولون عندهم ولكننا منخفضو الذكاءين: الاجتماعي والانفعالي في التعامل من المستأسدين علينا في حياتنا!

عزيزي القارئ مشكلتنا مع أنفسنا تحكي قصة كفاح طويل لنحافظ على الالتزام في أدبيات العبادات، ولكن ينقصنا الشيء الكثير في أدبيات حسن التطبع بطباع ليس لنا خيار في أن نتلبسها تلبسا لنستبدل بها طباعاً أخرى سلبية لو استطالت حياتنا بها لعشنا دنيا خطأ في خطأ ، بلا شك طباعنا التي أهدانا إياها ربنا إن كانت حلوة طيبة هي أفضل في ميزان خالقنا من تلك التي اجتهدنا و تكلفنا لتغييرها، صحيح أنت مأجور على جهدك في التغيير، ولكن لأن الله قد تفضل عليك بأن أسدى لك طبعا نافعا أنت لم تستجلبه لنفسك حتما هذا أفضل من جهد بني الإنسان لاستجلاب طبع محبوب لذاته؛ لذا الصحابي أشج عبد قيس حينما أخبره النبي[ بقوله: «إن فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والأناة»، أجابه الأشج: أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما أجابه النبي[: «بل جبلك الله عليهما» فقال أشج: الحمدلله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله. انتهى الحوار النبوي مع الصحابي الجليل، ويقول الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - معقبا على الحديث: فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعا وتكون تطبعا، ولكن الطبع بلاشك أحسن من التطبع؛ لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعيا صار سجية للإنسان وطبيعة له، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن حرم هذا أي من حرم الخلق عن سبيل الطبع فإنه يمكنه أن يناله عن سبيل التطبع ، وذلك بالمرونة والممارسة.

وفي فقرة أخرى قال - رحمه الله تعالى: فإذا رزق الإنسان الخلقين جميعا طبعا وتطبعا كان ذلك أكمل.


عزيزي القارئ، حري بنا أن نمنح نفوسنا فرصا واحدة تلو الأخرى لتتغير نحو الصحة والأفضل، ولا تقل: «آنا جذي، كيفي! تبوني آنا جذي! تعاملوا معاي على ما آنا عليه، موأنتوا اللي تامروني وتجبروني أتغير، آنا كيفي محد عليه مني!!»، ويصفق أخونا الباب وراه وكأن الأمر لا يعنيه مطلقا والناس من حوله هم الذين ينبغي أن يتغيروا من أجل مرضاته هو، فهو يرى نفسه أهم شيء في الكون وأصح شيء في الحياة، وعلى الدنيا السلام!!