الدعوة إلى التوحيد




محمد الراشد




خلقنا الله جل وعلا لتوحيده وإفراده بجميع أنواع العبادة التي يحبها ويرضاها قولاً، وفعلا، واعتقاداً؛ قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات: 56 -58).

ولذلك أرسل الله سبحانه الرسل وأنزل الكتب السماوية. فلما مات آدم عليه السلام بقي بنوه على عقيدة التوحيد عشرة قرون، ثم دب إليهم الشرك، فأرسل الله عز وجل إليهم نوحاً عليه السلام ليصحح معتقدهم، وليزيل الشبهات التي لصقت بأذهانهم في قضية إفراد الله بالعبادة. ثم بعد حين فشا الشرك وانتشر كما كان سابقاً فأرسل الله رسلاً للقضاء عليه منهم إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، وحينما أرسله الله بدعوة التوحيد لم يكن يومئذ على ظهر الأرض مسلم، ودعا إلى التوحيد وبيّنه وقرره، ومنذ دعوة إبراهيم إلى قيام نبينا محمد [ والتوحيد باقٍ لم ينقطع؛ كما قال الله جل وعلا: {وجعلها}: أي: كلمة الإخلاص {كلمة باقية في عقبه} (الزخرف:28) أي: في عَقِب إبراهيم ـ عليه السلام.

فتوفي نبينا ـ[ وقد تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وأخبرنا [ أن الشرك سوف يفشو في هذه الأمة وينتشر انتشاراً عظيماً؛ ففي الصحيحين أن النبي ـ[ قال: «لا تقوم الساعةُ حتى تضطرب (كناية عن طوافهن وتزاحمهن على ذلك الصنم) ألياتُ نساء دوسٍ (جماعة أبي هريرة) حول ذي الخَلَصَة (ذو الخلصة صنم قبيلة دوس)». وفي مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ[ قال: «لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى»، وإن مما يعاب على أكثر الجماعات الإسلامية في هذا العصر، أنهم أمنوا وقوع الناس وأنفسهم في الإشراك بالله، فبعضهم يظن توحيده كاملاً، وتوحيده سوف يمنعه من الإشراك بالله؛ فلا يولي الشرك اهتماماً، وبعضهم جاهل لا يعرفُ خطورة الإشراك بالله، وإن من الأمور والوسائل التي تُولِجُ الشرك على الأمة الإسلامية الأمن من وقوع الشرك؛ ولذلك يقول الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ في النفاق: «ما أمِنَه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن» إن إبراهيم إمام الحنفاء قال: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} (إبراهيم:35)، فإن كان إمام الحنفاء يخشاه على نفسه فما بالكم أنتم ؟! قال إبراهيم التيمي: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام)؟!».

ففي هذه الأزمان تخرج دعوات بعدم الاهتمام بالتوحيد، أو بتقليل شأنه، فيقولون: إن الزمن زمن اعتناء بأحوال المسلمين، المسلمون يقتلون يميناً وشمالاً وأنتم تهتمون بمسائل العقيدة والتوحيد، وليس هذا أوانه، إنما هو أوان الوحدة الكاملة للمسلمين عموماً دون التفريق بينهم فهذا خطأ محض وباطل مبين. إن الاهتمام بالعقيدة أمر مهم وضروري؛ لأن الناس إذا صلحت عقائدهم، أمنوا الدخول في جنة الله مهما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم. وإن كان التوحيد مختلاً، فإن صاحبه على خطر عظيم، وعلى ضلال كبير مبين.

نصيحة: فعلى الناس أن يحفظوا ويعلموا من تحت رعايتهم «الأصول الثلاثة» وكشف الشبهات وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب فتعلمها وفهمها كفيلان بحفظ معتقد المسلم وجعله سالماً من الإشراك بالله. والوصية بهذه الكتب لا لذاتها ولا لمؤلفها، وإنما لما قامت عليه من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على الفهم الصحيح السليم.

إن لتحقيق التوحيد فضلاً عظيماً وأجراً كبيراً يعود على الفرد والمجتمع بالأمن والاطمئنان؛ قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82) والظلم في هذه الآية هو الشرك كما فسره النبي ـ[ في حديث ابن مسعود ].

فإذا وقعت على العباد فتنة وبلية، وابتلوا بحرب وهرج ومرج، فإنما ذلك بسبب الإخلال بالتوحيد والوقوع في البدع والمعاصي التي تنقص التوحيد.

فصاحب التوحيد يدخل الجنة لا محالة مهما كثرت ذنوبه ومعاصيه؛ كما في حديث صاحب البطاقة، الذي جاء ببطاقة فيها شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» وأخُرج له تسعة وتسعون سجلاً مملوءة بالمعاصي والذنوب، فلما رأها انبهر وفَرِقَ، فقال الله تعالى: إنك لا تُظْلَمُ اليوم شيئاً. فأخرجت هذه البطاقة فوضعت في كفة، ووضعت سجلاته في كفة، فطاشت السجلات وتلاشت أمام التوحيد.

وأصحاب التوحيد كذلك هم أحقُّ الناس بشفاعة المصطفى ـ[ كما في حديث أبي هريرة ]: «أحق الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه». {فمالكم كيف تحكمون}؟! تقرون بالتوحيد وفضله ثم لا تدعون إليه؟!