هل أنت قادر على تأديب أبنائك دون أن تخسرهم ؟!


هيام الجاسم



تأديبك لابنك معناه أن تدفعه إلى المحامد وتمنعه عن المقابح.. ليس التأديب هو الضرب والشد على الأبناء بعدما يخطئون.. هذا هو المعنى الدارج والمشهور بين الناس.. هل أنت قادر على الاستمرار في تقويم سلوكيات أطفالك وكبارهم من المراهقين دون أن تخسرهم؟ دون أن يتمردوا عليك؟ دون أن يتفلّتوا منك؟! كثيرون يعجزون عن هذه الموازنة، فالتأديب للعيال لا نمارسه انتقاما ولا تخفيضا لغيظنا منهم، ولا هو رد فعل آنيّ لحظي لتصرف خاطئ سلكه العيال، وإنما هو تصرف نبديه ونمارسه بعد دراسة متأنية صبغتها سرعة البديهة في اتخاذ أفضل الوسائل وأقلها خسارة في توازن علاقتنا مع ولدنا، قد تبدو ترجمة هذا المفهوم التربوي صعبة لأول وهلة ولكن مع الدربة وضبط الأعصاب والتأني ستأتي النتائج صادقة نافعة لا محالة.

عزيزي القارئ، اقرأ وخذ مني تفصيلا يريحك، إذا أردت أن تنجي ابنك من سلوك خاطئ سواء وقع به أم أنت تريد أن تحميه من الوقوع به؛ اتبع أولا مبدأ المثوبة المعنوية في التعامل معه، أعني بذلك أنه يلزمك أن تثني عليه وتمدحه وتشجعه على حسن تجاوبه معك في أمور أخرى الفت انتباهه إلى أنك معجب بصنائعه الأخرى: "ماشاء عليك إنت خوش ولد، أنا معجب في حرصك على كذا وكذا.. إلخ"، وابدأ بتعداد مناقبه ومحامده الأخرى، وارفع من قدره و«شيّمه»، وأظهر له اهتماما وتفقدا لمشاعره، وبادره إلى اهتمامك بذاته، يعني “سولف معاه بوصفه صديقاً”، واقترب منه أكثر فأكثر، ثم إن كان واقعا في الخطأ تأكد أنه لأول مرة يرتكبه، وإن كان مكررا له، ولكنه قد نسي تعليماتك أو هو غير مستوعب لها ويحتاج إلى تكرار توجيه، تأكد منه هل هو متعمد ومتقصد لعصيانك؟! كل ذلك نضعه في حسباننا قبل أن نعاقب، وما ينبغي أن نركض ركضا للمعاقبة؛ لأن أول أساليب التأديب لخطأ غير متعمد ارتكبه الأبناء - حتى لو تكرر - هو «تشييمهم» والثناء عليهم بما هم فيه من محامد أخرى. ثم لك أيها الأب أن تكرر التوجيه ولكن انتبه، نوّع وبدّل وغيّر من أساليبك وقاموس كلماتك" كي لا يملّك ابنك، ولك أن تعاتبه عندها وأن تفصل في حديثك معه بين الفعل والفاعل "ولدي حبيبي أنا أحبك وأعزك وأفرح فيك، هذا التصرف اللي سويته ما يعجبني ولا أرضى فيه".
امسك العصا من الوسط، وافصل أرجوك بين حبك لولدك وبين غضبك على فعلته!، ثم لك أن تستخدم معه في المرحلة الثانية المثوبة المادية، كافئه على الصنيع اللطيف الذي سلكه مع استمرارك على الثناء والتشجيع له بإضفاء مسرتك وحبك له دوما، ولو كرر الخطأ دوما ابدأ بالعقوبة المعنوية، فكف عن التشجيع وخفّف من مديحك له واترك مسافة بينك وبينك، وعامله معاملة الرسمية مؤقتا بينك وبينه لعله يدرك خطأه مع ملامتك له في حوار هادئ ولكنه حازم تظهر فيه مهابتك بثباتك على قناعتك، وافسح له المجال كثيرا ليحادثك وليعبر عن وجهة نظره، لربما كان ناسيا، أو جاهلا، أو مجبرا تحت تهديد إخوته أو أصدقائه، لربما لم يفهمك، ولم يظن أن الأمر بهذه الخطورة، وربما وربما؛ لذا لا تعاجله بالصراخ ولا بالتأنيب، ولا تضرب... أرجوك لا تضرب، واصبر اصبر لا تبادئه بشيء حتى تفهم منه أولا، فقد خلق الصبر لنا نحن البشر لا لكائنات أخرى وأنتما أيها الأب والأم الصبر في حقكما آكد من غيركما، احتمل على نفسك إلى أن يتبين لك أسباب تكراره لخطئه المشين، وحافظ على قدر كبير من التواصل ولا تبادئه بالهجران ولا تتسرع في قرارك؛ فإنك إن قطعت سهل على ابنك مماثلتك القطع، وتذكر أن حبك له غريزي فأنت تتألم إن هو تجاهلك ولسان حاله يقول لك: “طاف! طاف! كيفه أبوي! كيفها أمي! ما يبوني، ما شر، عندي ربع، عندي عيال عمي، مو مشكلة، اليوم يزعلون مني أمي وأبوي باجر أكسر خاطرهم و يرضون، آنا أدري ما راح تتحمل أمي ما تكلمني لأنها قلبها طيب!!!” انتهى كلام الصبي، وأنت أيها الأب في المقابل وكذلك أمه تحترقان لعدم المبالاة التي يظهرها تجاهكما ولدكما؛ لذا كن على يقين أن حبك لولدك غريزي، ولكن اعلم أن حب ولدك لك بحسب جهدك التربوي معه، فأنت تحت المجهر عنده ولكن لا يجرؤ أن يخبرك بذلك، إن أحسنت في جهدك كله المعنوي والعطائي معه أعطاك مقابله أضعافا من العطاءات غير المحدودة من العطف والحنان والبر لك، وإن أنت اجتهدت ولكن أخطأت وأخطأت وغلبت عليك القسوة والغلظة وسوء إدارة تربيته، أو حتى لو سلكت مسلك التدليع والتدليل، ففي المقابل هو سيقدم لك فروض الولاء والطاعة في صغره، ولكنه سيتحامل عليك لاحقا، وسينتظر اللحظة التي يبتعد عنك، ويؤسفنا أنه قد يفكر في الانتقام منك، فإذا خاف الله فيك سيبرك بالحد الأدنى من البر والإحسان، وهذا هو حد استطاعته في البر؛ لذا يحسن بنا فهم آلية التأديب وفقهها التي كتب بها علماؤنا كثيرا كما أسهب بها علماء الغرب أيضا كثيرا!!