السنة حجة بذاتها في العقائد والأحكام.. والمشككون هم الخاسرون


مصطفى صلاح خلف


قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}.

تتعالى بين الحين والآخر صيحات المغرضين والمخرفين ممن سولت لهم أنفسهم أمر التشكيك والعبث بعقول المسلمين، وذلك بالطعن والخوض في جدال عقيم حول بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي الحبيب [ .

وقد وصل السفه والتطاول بهؤلاء إلى حد الطعن في المضمون وليس في السند، فقد يختلف العلماء في سند الحديث وهذا أمر وارد وطبيعي ولكنهم يصلون إلى السند الصحيح في نهاية الأمر، وهذه عادة كبار العلماء والباحثين في علم الحديث، أما الطعن في أحكام الأحاديث وصحتها من ناحية المضمون فهذا خروج على السنة النبوية المطهرة، وعدم طاعة النبي[ هو الهلاك بعينه.

وما من شك أن هناك العديد من الأصابع العابثة في هذا الأمر والمغرضة؛ لأن هدف هؤلاء المخرفين ليس الطعن في حديث بعينه ولكن هدفهم زرع الشك، ودخول الشك في الجزء سرعان ما يتسرب إلى الكل، ومن هنا يتحقق هدفهم الخائب في النيل من السنة عموماً، ومن الواضح لكل عاقل يبحث عن جواب شاف لمعرفة المحركين لتلك الفتن أن يعرف أولاً من مصلحة من النيل من السنة؟

والإجابة واضحة جداً؛ فلا شك أن هناك أيادي طائفية عابثة مع من يدعون أنهم القرآنيون، بالاشتراك مع البهائين وبعض من يدعون أنهم أديان أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، وتأييد نصراني ومباركة وتشجيع صهيوني! أي إن الأمر منظومة متكاملة ينقصها العقل والإنصاف، سواء اتفقوا أم لم يتفقوا؛ فالهدف يوحد السبيل وهو النيل من المسلمين، وللأسف هناك بعض من غفلوا وانساقوا وراء تلك التخاريف دون التدبر في حجة أو منطق أو التعقل في إدراك الشرعية الإسلامية القائمة من جذورها على الكتاب والسنة، فهل تحتاج أحاديث الرسول[ إلى دليل تصديق أو حجة تطبيق؟!، وأذكر قول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني: «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام»؛ فالطاعن في اتباع الأحاديث الشريفه مطعون في إسلامة وعقيدته.

وأكد فضيلة الشيخ راشد سعد العليمي الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف في حواره مع «الفرقان» أن من الأفكار الغريبة الشاذة التي يتفاقم أمرها ويتعلق بها بعض الناس: قضية الأخذ بالقرآن ونبذ السنة النبوية المطهرة، سواء من يقال لهم «قرآنيون» أم غيرهم تحت أي مسمى، وهذا الفكر الغريب له آثاره الخطيرة على المعتقد والمنهج الإسلامي، بل على ديننا بأكمله، ولكن العلماء واقفون للتصدي لهذا الفكر الشاذ بما فتح الله عليهم من العلم.

> هل هذا الأمر له جذور تاريخية في الإسلام؟

< لعل أول علامات ظهور هذا الفكر ما حذر منه النبي[ بقوله: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» رواه أبو داود.

ووقع أمره أيضاً مع الصحابي ابن مسعود حين تعلقت إحدى النساء بما ورد في القرآن دون الالتفات إلى أحكام السنة، فعن علقمة عن عبدالله قال: قال [ «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله» فبلغ ذلك امرأة من بني أسد فقالت لعبدالله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال - رضي الله تعالى عنه -: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله [ هو في كتاب الله؟! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت ما تقول؟ قال - رضي الله عنه - لئن كنت قرأتِه لقد وجدتِه أما قرأت: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟! قالت المرأة: بلى، قال - رضي الله عنه - فإنه [ قد نهى عنه. رواه البخاري.

وكذلك الخوارج، فسبب مروقهم عن جماعة المسلمين ولاسيما في زمن الخيفة الراشد الإمام علي - رضي الله تعالى عنه - هو قصور نظرهم على القرآن واقتصارهم عليه بعيداً عن الهدي النبوي المبارك.

> هناك العديد من الآيات القرآنية الدالة على وجوب طاعة النبي[ وآله وصحبه وسلم واتباعه والسير على منهجه، نريد توضيحها؟

< من الآيات الدالة على وجوب التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية معا دون التفريط في أحدهما، قوله جل وعلا: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، وقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}، وقوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين}، وقوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}، وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.

وهناك الكثير من الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول[، واتباع سنته ومنهجه، كذلك تبين الآيات سوء العقاب لمن يخالف أمر رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

> نريد توضيح دلائل الآيات الكريمة على وجوب الاتباع؟

< النصوص القرآنية تبين العديد من الأمور التي لا لبس فيها، منها أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله وأن كلا منهما ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفه، وأن عصيان الرسول[ كعصيان الله تعالى، وأنه ضلال مبين، وأن المطيع للرسول[ مطيع لله جل وعلا، وأن التولي عن طاعة الرسول[ إنما هو شأن الكافرين، كذلك وجوب الرجوع عند التنازع والاختلاف في أي أمر إلى الله وإلى الرسول[.

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله[ وأعاد الفعل - يعني قوله {وأطيعوا الرسول} - إعلاما بأن طاعته تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أم لم يكن فيه؛ فإنه أوتي الكتاب[ ومثله معه».

> ما الذي دعا إلى تجدد هذا الفكر الخاطئ في الزمن المعاصر؟

< كان السلف - رحمهم الله - يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله[ برأي أو قياس أو استحسان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له[ والتلقي بالسمع والطاعة.

أما ذلك الفكر الخاطئ فلم يندثر وها نحن أولاء نسمع من يتعلق بالقرآن وحده مع نبذ السنة المطهرة خلف ظهره في الاستدلال والاتباع في زماننا هذا من أناس كنا نظنهم على مستوى من الثقافة الإسلامية، لكن التوفيق إلى الهدى فضل ونعمة من الله يختص بها من يشاء؛ فوجدناهم في أقوالهم أو كتاباتهم في الصحف أو في رسائل يقال عنها «علمية» يجهرون بهجر السنة النبوية الشريفة والتشكيك في أحاديث صحيحة، وهذا يرجع إلى تعلقهم بأصول تبناها بعض أهل الكلام وقواعد كان من نتائجها إهمال التعلق بالسنة النبوية.

وفي زماننا المعاصر أيضاً نبتت علينا نابتة ترد أحاديث النبي[ حتى ولو كان هذا الحديث مما اتفقت الأمة على صحته وثبوته في البخاري ومسلم، وهذا مرجعه إلى أمور عدة، إما إلى جهلهم بعلم الحديث مثل أن تقول لأحدهم: إنه ثبت عن النبي[ كذا وكذا، فيقول: من قال بهذا؟ دفعا بالصدر، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به.

وبعضهم الآخر يتطاول على سنة النبي[ والخشية أن يكون هذا الدفع محركا بهدف هدم أصل من أصول الدين وهي السنة النبوية المشرفة؛ فيلجأ إلى الطعن في سند الحديث أو في متنه من باب عدم موافقة النص للعقل؛ ليكون هذا سبيلا لهدم الشريعة المباركة.

> ما خطورة إثارة هذه الأفكار الهدامة في وقتنا المعاصر؟

< تظهر فداحة هذا الفكر في جوانب كثيرة في حياتنا، منها أنها هدم لأصل في الدين الإسلامي؛ لأن الله تعالى قد بعث نبيه[ معلما ومشرعا وهاديا ومبشرا ونذيرا، ولن يكتمل الفهم للشرع إلا بما ورد في القرآن الكريم ومعه السنة النبوية المطهرة وفق فهم خير جيل سكن البرية وهم الآل الأطهار والصحب الأخيار - رضي الله عنهم أجمعين - وقال[: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه لا يوشك رجل أن ينثني شبعانَ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه...» رواه أحمد.

فالقرآن جاء مجملا وجاءت السنة النبوية المطهرة مشرعة لأحكام غير موجودة في القرآن.

> أليس من يتمسك بالقرآن فقط قد خالف إجماع الأئمة؟

< من يتمسك بالقرآن فقط فقد خالف إجماع الأئمة بمن فيهم آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار - رضي الله عنهم جميعا- ثم من جاء بعدهم من السلف الصالح؛ فهم ساروا على أرض واضحة المعالم في النهج المبارك، وعلموا أن القرآن والسنة هما النوران اللذان يوصلان إلى الجنة.

> هل هناك من تناقض في فكر هؤلاء المدعين المخربين؟

< من يؤمن بهذا الفكر تجده متناقضا في فكره ومضطربا في قوله ورأيه؛ لأنه سيؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض؛ فحينما يقرأ قول الله جل وعلا: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}، فهل سيكون قد حقق أمر الله تعالى بوجوب اتباع هدي النبي[ أم إنه كفر به؟!

> هل هذا خروج عن أصول الإيمان والعقيدة؟

< نعلم أن من أصول الإيمان وثوابته الإيمان برسل الله وأعظم الرسل وخير خلق الله كلهم هو النبي - صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه أجمعين - فحين يغض ذلك المشكك طرفه عن السنة النبوية المطهرة ويعرض عن التمسك بها؛ فحتما يكون قد أنكر قوله وابتعد عن منهجه ولم يتبع قوله[، فهل هذا علامة الإيمان به[ والحب له؟ أم دلالة على بغض أمره وهديه ونهجه والأحكام التي جاء بها لأمته ليكرمها ويرفع شأنها؟!

> كيف تكون عاقبة أمر أصحاب هذا الفكر العقيم؟

< من يتعلق بهذا الفكر الغريب وهو التمسك بالقرآن فقط حتما ستكون عقولهم قاصرة في بيان أوجه التشريع ولن يتبينوا القول الراجح في أحكام الشرع؛ لأن العقل أداة ترجيح بين الأمور والنصوص، وليس أداة تشريع يستغني بها المسلم عن الأصلين وهما القرآن والسنة المطهرة، ومثال ذلك: هل سيعلم الآخذ بالقرآن وحده كيف يعبد الله تعالى حق عبادته بالقول والفعل عبادة يحبها الله تعالى ويرضاها؟! كيف يعلم عدد ركعات الصلوات الخمس ومناسك الحج الصحيحة وأحكام الزكاة؟! وحتى التعاملات التجارية بين الناس؟! فلم يغادر رسول الله[ شيئا إلا بينه وأكده ووضحه؛ حرصا على أمته وطاعة لربه جل وعلا القائل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.

أخي القارئ، لقد جاءنا من الله رحمة سماها محمدا[ ، عزيز عليه ما عنتنا، حريص علينا رؤوف رحيم، أفنترك الرحمة إلى النقمة والنور إلى الظلام؟! وقد قال [: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى». صدقت يا حبيبي يا رسول الله، يا من أحب أمته فأحبته، وأحبه الله فجعل طاعته طاعة له سبحانه وتعالى.