حق الله على عباده


محمود همام


أحبتي في الله، تعالوا جميعاً نستشعر بقلوبنا هذا الحديث النبوي الشريف لنقف على بعض معانية وما فيه من حكم جليلة ومنح كريمة، فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت رديف النبي[ على حمار فقال: «يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم؟ قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً» قلت: يا رسول الله، أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» أخرجه الشيخان. ومعنى «فيتكلوا»: أي يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس في الأعمال. وفي رواية: «فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً» أي تحرجا من الإثم.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت يارسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل الله نداً وهو خلقك».

ويقول الله تعالي: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة)، يوجه الله هذا النداء إلى الناس كافة: مسلمين وكافرين ومنافقين؛ ليضع القاعدة العريضة للإسلام، فيأمرهم بعبادته وحده لأنه المستحق للعباده؛ فهو الخالق وغيره مخلوق، وهو الرازق وغيره مرزوق، وهو القادر على كل شيء وغيره عاجز لا يقدر على شيء. ولو تأمل الإنسان في هذا الكون وما فيه من آيات باهرات لوصل إلى هذه الحقيقة بنفسه.

لو تأمل السماء التي خلقها الله بلا عمد وزينها بالكواكب، ولو تأمل الأرض وما فيها من جبال وفضاء وأنهار وبحار وأشجار وثمار ونبات وحيوان، ولو تأمل في كل أولئك لعرف الحق وعرف أن الله هو الحق.

ومن العجيب أن الله هو الخالق ولكن أكثر الناس يعبدون غيره؛ قال الله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف).

فمنهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد البقر، ومنهم من يعبد الناس.

والله هو الرزاق، يفيض على عباده بنعمه ويتولاهم ويحفظهم ويرزقهم من الطيبات، ولكن أكثر الناس لا يشكرون، والقصة بين الخالق والمخلوق عجيبة يخلق ويعبد غيره، ويرزق ويشكر سواه، خيره إلى العباد نازل، وشرهم إليه صاعد، يتحبب إليهم بطاعته وهو الغني عنهم، ويتبغضون إليه بالمعاصي وهم أحوج شيء إليه، ومع ذلك يمنحهم ويعطيهم ويحفظهم ويؤويهم ويراهم يجاهرون بالمعاصي ولا يستحيون، ويأكلون خيره ولا يبالون: {أفأمنوا أن تأيتهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتهة وهم لا يشعرون} (يوسف).

ومع قدرة الله على خلقه لم يعذبنا بما عذب به الأمم السابقة، ولكنه لا يزال أرحم بنا من أمهاتنا يعطي ويمنح، ويجود ويسمح، ويرزقنا من حيث لا نحتسب، ويسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، ويفتح لنا أبواب رحمته، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ ويأمرنا أن نسأله ويقول: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم». ويقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}.

لم كل هذا؟ هل الله تعالى في حاجة إلينا؟ كلا: {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز} (فاطر).

من هنا يجب على الإنسان أن يعرف حجمه، مطلوب منه أن يعرف قدره، مطلوب منه أن يعرف قدر ربه: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} (الزمر).

مطلوب من الإنسان أن يقف عند حده وأن يذكر دائماً أنه مخلوق، الله خالق، وأنه مرزوق والله رزاق؟ وأنه الإنسان الذي خلق من طين والله تعالى هو الله: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الحشر).