إن أعظم المسائل والأبواب التي تستحق العناية العظيمة من طالب العلم أبواب ومسائل التوحيد الذي هو حق الله -جل وعلا- على العبيد،
وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه سأل معاذًا -رضي الله عنه-:
« أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم.
قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا،
وحق العباد على الله ألا يعذب من مات لا يشرك بالله شيئا » وهذا يبين لك عظم شأن التوحيد، وأنه هو الحق الأعظم،
وهو أولى وأوجب ما توجه إليه الهمم من عناية بالدرس والحفظ والتأمل والدعوة والأمر والنهي،
ولا شك أن الكتب إنما أنزلت من الله -جل وعلا- لبيان هذا الفصل العظيم
، والأنبياء اتفقوا على الدين، واختلفوا في الشرائع
كما قال -جل وعلا-: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾
التوحيد واحد عند جميع الأنبياء؛ لأنه حق الله -جل وعلا-
وأما الشرائع فمختلفة في قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ .

وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
أنه قال: « الأنبياء إخوة لعلات، الدين واحد، والشرائع شتى »

فإذًا كل الأنبياء والمرسلين دعوا إلى هذا الأصل العظيم وهو توحيد الله -جل وعلا-
وألا يعبد إلا الله وحده، وأن يكفر بالطاغوت،
وألا يشرك بالله -جل وعلا- شيء، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح ولا حجر ولا شجر،
ولا يتعلق القلب تعلق العبادة إلا بالله -جل وعلا- وحده دون ما سواه؛
ولهذا كان ورثة الأنبياء على الحقيقة، هم الذين ورثوا الدعوة إلى التوحيد؛
لأن أعظم ما ورث الأنبياء الأصل الجامع الذي هو توحيد الله -جل وعلا- وغيره بعده في المرتبة،
فالذي يرث ميراث الأنبياء هو الذي يعلم التوحيد ويدعوا إليه؛
ولهذا كان من الواجب على كل طالب علم أن يجعل اهتمامه بتوحيد الله -جل وعلا- فوق كل اهتمام،
تعلما وحفظا وتعليما ودعوة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.

بل إن الله -جل وعلا- جعل عباده وأولياءه هم الذين يأمرون بالتوحيد وينهون عن الشرك
، فقال -سبحانه- مثنيا على من استجاب له من عباده:
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾

قال العلماء: "أمروا بالمعروف": أمروا بالتوحيد وبلوازمه، "ونهوا عن المنكر": نهوا عن الشرك وطرائقه
، ولا شك أن الطاعات جميعا من لوازم التوحيد ومن آثاره،
وأن المعاصي والذنوب بأنواعها من آثار التشريك بأي نوع من أنواعه.

والدعوة إلى التوحيد لما كانت من أهم المهمات، بل هي أهم المهمات في كل زمان وفي كل مكان،
فينبغي أن يعلم أن التوحيد يترك ويجهل وينسى إذا لم يدع إليه،
ويترك الناس الدعوة إليه إذا لم يعلموا منزلته إذا لم يعلموا حقه،
إذا لم يعلموا فضله،
إذا لم يعلم محبة الله -جل وعلا- له ولأهله؛
ولهذا قال طائفة من العلماء منهم ابن القيم -رحمه الله-: "ما من آية في القرآن إلا وهي في التوحيد".
وهذا صحيح.

لهذا ينبغي التواصي بهذا دائما، والتوحيد لا يترك حتى يتركه العباد تعلما، ثم يتركونه تعليما، ثم يفشوا المنكر والشرك وأنواع ذلك، وهم لا ينتبهون،
وقد رأينا في زماننا هذا طائفة ممن حصل طرفا من العلم، وتجد عندهم مباحث كثيرة، وربما حسن كلام عرض،
لكنهم نسوا مسائل التوحيد لعدم مراجعتها
، يعلمون الأمر المجمل، منه وجوب التوحيد ومعناه، ويعلمون النهي عن الشرك والشرك الأكبر إلى آخره.

لكن إذا تأملت كتاب التوحيد الذي فيه أكثر أنواع التوحيد ومفرداته،
وأكثر أنواع الشرك ومفرداته، إذا تأملت ذلك وجدت أن ثمة أبوابا كثيرة مما غشيه الناس في هذا الزمان وفي غيره ووقع فيه،
فهذا ينسب الأفعال إلى البشر دون نظر إلى فعل الله -جل وعلا- وهذا ينكر الأسباب، وهذا يفعل كذا إلى آخره. من الأقوال والأعمال التي تنتشر وتسمعها تارة من الخاصة فضلا عن الجهلة والعامة.
[طالب العلم و الاعتناء بالتوحيد والدعوة إليه للشيخ صالح آل الشيخ ]