أصل الإسلام الذي لا يتحقق إلا بمعرفته والإيمان به قولا وعملا،
ومعنى لا إله إلا الله متضمنة للنفى والاثبات وهذا متوقف على العلم بالنفى والاثبات
و المراد من كلمة التوحيد قولها والعمل بها ظاهرا وباطنا وليس مجرد التلفظ بحروفها،
و لا إسلام لمن لم يخلص جميع أنواع العبادة لله
من المعلوم أن الجهل هو نقيض العلم،
فالجهل بالتوحيد هو عدم العلم به.
فالجاهل الذي الذي لايعرف ما هو التوحيد وما هي لوازمه و لا يعرف ما يميز الإسلام عن الكفر، ولا يفرق بين التوحيد ونقيضه، وما يعتقد أنه توحيد ليس هو التوحيد الذي تدل عليه كلمة الإخلاص والذي لا يتحقق الإسلام بدونه.
هذا الجاهل لم يرفع رأسا لما خلق له

ولو تأملنا حال من يجهل التوحيد لوجدناه لا يخلو عن هذه الأمور أو إحداها على الأقل:
لايمكنه أن يميز بين التوحيد الذى هو عبادة الله وحده وبين الشرك الذى هو عبادة غير الله، وبالتالي لايمكن أن يميز بين دين المرسلين ودين المشركين.

لا يعتقد صحة التوحيد وأن العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا يشاركه فيها أحد من خلقه، وأن عبادة غير الله باطلة وشرك وكفر بالله.

مادام لا يفرق بين التوحيد وضده فهو ليس ممن يحب التوحيد، ويقبله وينقاد له، ولا يبغض الشرك ولا ينكره ويرفضه لأنه لا يعرفه.

ومادام اعتقاد صحة التوحيد ومحبته وقبوله، واعتقاد بطلان الشرك وبغضه وإنكاره ورفضه
متوقف على معرفة التوحيد وضده؛
فجاهل التوحيد انتفى عنه اعتقاد القلب وعمله فليس بمسلم؛
لأن التوحيد يكون بالقلب واللسان والجوارح
فإن انتفى شيء من ذلك انتفى الإسلام.

لا يمكن لجاهل التوحيد أن يكون محققاً لأي شرطٍ من شروط كلمة الإخلاص،
ومجرد التلفظ بحروفها من غير معرفة ويقين ومحبة وإخلاص وصدق وقبول وانقياد وكفر بما يعبد من دون الله
لا يفيد شيئا،
فلا يكون قوله بلسانه توحيداً، ولا يُعَدُّ تعبيراً منه عن إيمانه وإقراره بالتوحيد فهو لا يعرفه ولا يعتقده.

لا يخلص العبادة لله ولا يتبرأ من الشرك، فهو لايعرف أن عبادته لغير الله شرك من دعاء أو ذبح أو استغاثة او غيرها من العبادات التى هى حق خالص لله لا يعرف انها شرك وان صرفها لغير الله ينافى اصل التوحيد ويظن أنه إذا قال لا إله إلا الله فقد وحَّد الله وكفى.

الجاهل بالتوحيد لم يكفر بالطاغوت وما يُعبد من دون الله،
فلم يعتقد بطلان عبادته ولم يجتنبها ولم يكفِّر من عبد غير الله ويتبرأ منهم فهو لا يعرف الفارق الصحيح بين الموحدين وغيرهم.

فلا يمكن - وهذه حاله - أن يكون ممن أتى بالتوحيد لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله، بل هو ممن دان بالشرك بقلبه ولسانه وجوارحه، ولم يتبع ملة إبراهيم فليس منه ولا على ملته، ومن لم يكن على ملة إبراهيم إمام الموحدين فليس هو على دين جميع المرسلين.


هل يمكن من كان هذا حاله أن يكون مسلما؟

هل هذا الذي وصفنا هو حال جاهل التوحيد أم أنَّا قد ظلمناه ووصفناه بما هو منه بريء؟

فإن أجاب اللبيب العاقل بنعم، هذه حالة لا يتعدَّاها.
فنقول: أين هذا الجاهل من دين الله؟
هل أتى بالأصل الذي لا يكون مسلماً إلا به؟
وإن لم يأتِ به فما حكمه في دين الله؟
ما حكم من لم يوحد الله، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله؟

إجابة هذا السؤال يعرفها كل من عرف الإسلام،
فمن خلال معرفة الإسلام الذي أمر الله به يمكن معرفة حكم هذا الجاهل بكل يسر وسهولة.


فإذا عرفنا أنه لا إسلام لمن لم يؤمن بأنه لا إله إلا الله، وأن الإيمان بها يكون بتحقيق ثلاثة أمور:

ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به شيئا
ونكفر ونخلع ما يعبد من دونه من وثن أو شجر أو حجر أو إنس أو جن.
فهل جاهل التوحيد حقق شيئا من هذا؟
هل عبد الله وحده ولم يعبد غيره؟
هل تبرأ من الشرك فلم يشرك بالله شيئا؟
هل اعتقد بطلان كل ما يعبد من دون الله؟
هل رفض وأنكر واجتنب الأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دون الله؟
هل تبرأ من الكفار والمشركين وكفَّرهم وأبغضهم؟
فإذا لم يحقق جاهل التوحيد شيئا من هذا، فهل يصح أن نقول أنه مؤمن بلا إله إلا الله مادام يقولها بلسانه ولا ينكرها؟!
هل يصح أن نسميه مسلما ونحن نعلم أنه يردد كلمة لا يفقه معناها؟!

هل يصح أن نسميه موحدا وهو يعبد غير الله؟!
هل يصح أن نسميه مؤمنا وهو لم يكفر بالطاغوت؟!
هذه أسئلة لن تصعب إجابتها على من عرف الإسلام الذي أمر الله به وعرف الفرق بينه وبين ما سواه من الأديان الباطلة. ويقول الحق تبارك وتعالى:
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف : 29 - 30]

ويقول عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف : 103 - 104]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (صحيح مسلم)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن: أجمع العلماء سلفاً وخلفاً من الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم حسب الطاقة والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله. انتهى
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شىء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند
فإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يفهمه أو لا يعتقده بقلبه فهو منافق. انتهى
ويقول بن حزم رحمه الله: وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه اعتقاداً لا يشك فيه، وقال بلسانه( لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأن كل ما جاء به حق، وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه مسلم مؤمن. انتهى
ويقول ابن القيم رحمه الله:
والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. انتهى

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأيضاً فإن التوحيد أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصح إسلام أحدٍ إلا به.
ويقول: وإنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد أن لا إله إلا الله، فعبد الله وحده، بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه ومحبته له، وعبوديته وإنابته إليه، وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه، وموالاته فيه ومعادته فيه، ومحبته ما يحب، وبغضه ما يبغض، ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك.
ويقول: ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو: الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهاً آخر لم يكن مسلماً. انتهى
وقال الشيخان حسين وعبد الله أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
إن الرجل لا يكون مسلماً إلا إذا عرف التوحيد، ودان به، وعمل بموجبه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به، وآمن به وبما جاء به.انتهى


المسلم لا يشرك بالله
لا يوجد مسلم لا يعرف التوحيد،
ولا يوجد مسلم يعبد غير الله،
ومن جهل التوحيد ولم يكفر بما يعبد من دون الله فليس بمسلم وإن كان جاهلا يظن أنه أتى بالإسلام الواجب عليه.

ولفظ المسلم والموحد والحنيف تشترك في معنى واحد هو:
عبادة الله وحده، وترك الشرك به، والكفر بما يُعبد من دونه.
وجاهل التوحيد لم يأتِ بالوصف الذي يستحق أن يسمى به مسلماً ولا موحدا ولا حنيفا ولا مؤمنا.

يقول الحق تبارك وتعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون : 1 - 6] .

هذه السورة براءة من الشرك وأهله.
فكل مسلم يبرأ من عبادة غير الله ومن اهل الشرك وما يعبدونه من دون الله،
ولا يتحقق الإسلام بدون هذه البراءة، ومن المعلوم أن جاهل التوحيد لم يحقق هذه البراءة فلم يبرأ من عبادة غير الله ولا مناهل الشرك ولا مما يعبدونه من دون الله، ومن كان هذه حاله يستحيل أن يكون مسلما وإن زعم أنه مسلم؛

يقول ابن القيم وهو يتكلم عن فوائدها:
فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طَيِّها أنه لا يوصف بأنه عابد لله وعبده المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلاً، ولم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحداً في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابداً لله، ولا عبداً له وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة. انتهى
فإيمان المسلم يمنعه ويحجزه عن الشرك بالله، وهو يعرف جيدا أنه لو أشرك بالله لخرج عن الإسلام وحبط عمله وصار من الكافرين، فهو لا يشرك بعبادة ربه أحدا ولا يدين بغير الإسلام، ويتبرأ من عبادة غير الله ومن كل دين يخالف الإسلام، وأما من لم يمنعه إسلامه الذي يدعيه من الوقوع في الشرك وتأليه غير الله فإسلامه غير صحيح، بل هو مجرد انتسابٍ وادعاءٍ كاذب.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده، فلابد أن يكون عابداً لغيره، يعبد غيره فيكون مشركاً. وليس في بني آدم قسم ثالث، بل إما موحدٌ أو مشرك، أو من خلط هذا بهذا كالمبدِّلين من أهل الملل: النصارى ومن أشبههم من الضُّلَّال المنتسبين إلى الإسلام . قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل : 99 - 100]..... فإبليس لا يغوي المخلصين ولا سلطان له عليهم. إنما سلطانه على الغاوين وهم الذين يتولونه وهم الذين به مشركون. وقوله (الذين يتولونه والذين هم به مشركون) صفتان لموصوف واحد فكل من تولاه فهو به مشرك وكل من أشرك به فقد تولاه.

قال تعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم). وكل من عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء....
فكل من لم يعبد الله مخلصاً له الدين، فلابد أن يكون مشركاً عابداً لغير الله،
وهو في الحقيقة عابدٌ للشيطان. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} [الزخرف : 36 - 37].انتهى

وقال رحمه الله:
والإيمان أمر وجودي، فلا يكون الرجل مؤمناً ظاهراً حتى يظهر أصل الإيمان،
وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله،
ولا يكون مؤمناً باطناً حتى يقر بقلبه بذلك،
فينتفي عنه الشك ظاهراً وباطناً مع وجود العمل الصالح.....

إلى أن قال:
والكفر: عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئا ولم يتكلم به...انتهى

فالتوحيد هو أصل الإيمان فمن دان به كان مؤمناً،
ومن فقد هذا الأصل فهو كافر مشرك،

يقول ابن القيم رحمه الله:
والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به.

فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم،
وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل.

فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله، إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد،
فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد،
وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار....
إلى أن قال:

بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر،
وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول....

ثم قال: هذا في أحكام الثواب والعقاب( يعنى مسألة قيام الحجة)
وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر. انتهى



ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله:
فمن قال هذه الكلمة( لا إله إلا الله) عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاهاً، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك، والعمل به
فهذا هو المسلم حقاً.

فإن عمل به ظاهراً من غير اعتقاد فهو منافق.
وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها.
ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهراً وهم في الدرك الأسفل من النار،
واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر فلم تنفعهم،
وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه،
ولو قالها مائة ألف.

فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله كعباد القبور والأصنام،
فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها،
وما أشبهه من الأحاديث،....
إلى أن قال:
وعباد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها،
وأبوا عن الإتيان به
فتجد أحدهم يقولها وهو يُألِّه غير الله بالحب والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب..........

ثم قال:
فكيف يظن عاقل ـ
فضلا عن عالم ـ أن التلفظ بـ( لا إله إلا الله) مع هذه الأمور تنفعهم،
وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم.انتهى

ويقول رحمه الله:
اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من الدعاء لغير الله فهو مشرك
ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصام وصلى،
إذ شرط الإسلام مع التلفظ أن لا يعبد إلا الله،
فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله، فما أتى بها حقيقةً وإن تلفظ بها،
كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون،
ومجرد التلفظ لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها واعتقاده إجماعاً.
انتهى

فمن لم يوحد الله وأشرك به جهلاً لا يمكن أن يوصف بالإسلام لا ظاهراً ولا باطنا،
ولا حكما ولا حقيقة،
ولا يمكن أن يوصف بغير الشرك الذي يشهد له ظاهره وحاله ومقاله،
ولم يخالف في هذا أحد من المسلمين.

وأنا لا أتصور كيف أن جهل الناس ابتداء بحقيقة هذا الدين بجعلهم في دائرة هذا الدين.

إن الاعتقاد بحقيقةٍ فرعٌ عن معرفتها.
فإذا جهل الناس حقيقة عقيدة
، فكيف يكونون معتنقين لها؟
وكيف يُحسبون من أهلها وهم لا يعرفون ابتداءً مدلولها؟

إن هذا الجهل[الجهل مع عدم قيام الحجة] يختبرهم الله فى عرصات القيامة،
، ..
ولكن هذه مسألة غيبية متروك أمرها إلى الله .....
إلى أن قال:

والذين يجهلون مدلول الدين لا يمكن أن يكونوا معتقدين بهذا الدين ؛
لأن الجهل هنا وارد على أصل حقيقة الدين الأساسية،
والجاهل بحقيقة هذا الدين الأساسية لا يمكن عقلا وواقعاً أن يكون معتقداً به.
إذ الاعتقاد فرع عن الإدراك والمعرفة.
وهذه بديهية.

وخيرٌ لنا من أن ندافع عن الناس ـ وهم في غير دين الله ـ ونتلمس لهم المعاذير....
خير لنا من هذا كله أن نشرع في تعريف الناس حقيقة مدلول( دين الله)
ليدخلوا فيه أو يرفضوه.انتهى

فالجاهل لايعرف الإسلام ولا يدين به ، ومن لم يعرف بأنّه يعبد غير الله فهو مشرك وإن لم يسمِّ معبوده إلها، فهذا لا ينفعه ولا يغني عنه شيئا
فأهل الكتاب الذين قال الله عنهم : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَربَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (التوبة : 31) لم يكونوا يعتبرونهم أربابا، ولم يعتقدوا أنهم يعبدونهم، ولم يغن عنهم ذلك شيئا، لأنهم اتخذوهم كذلك في الحقيقة، فوصفهم الله بالشرك وهو حقيقة حالهم ولم يجعل جهلهم عذرا لهم في نفي الشرك عنهم، ولم يفرق بين من عبد المسيح وعزير وبين من أطاع الأحبار والرهبان في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله.ولم يكن كفر مشركي العرب لاعترافهم بعبادة غير الله وتسمية معبوداتهم آلهة، وإنما كفروا بمجرد عبادتهم لهم، وهو الشرك الذي سموا به مشركين، وحكم من يشرك من هذه الأمة كحكم سائر الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، فالكفر واحد وإن تسمى صاحبه بالمسلم، ولا يعفى منه لمجرد قول لا إله إلا الله.


لا إسلام إلا بمعرفة التوحيد والعمل به
يجب علينا أن ندرك جيداً أن هناك جانباً من الدين لا يكون الإنسان مسلما إلا بمعرفته والإعتقاد والعمل به، فمن لم يعتقد به أو لم يعمل به أو لم يعرفه أصلا فهو كافر جاهل، وهذا الجانب هو أصل الإسلام وهو التوحيد ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن جاهله لا يمكن أن يكون مسلما، وهو من جملة الكافرين، وإن ظل يردّد الشهادة طول حياته، وظن أنه يفهمها ويؤمن بها. فإن الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به ولا بد.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله، مستدلا على أن العلم شرط في الشهادة:
وفي الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: (( مَنْ شَهِدَ)) إذ كيف يشهد وهو لا يعلم، ومجرد النطق بالشيء لا يسمى شهادة به. انتهى
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: والشهادة لابد فيها من علم الشاهد، وصدقه، وبيانه، لا يحصل مقصود الشهادة إلا بهذه الأمور. انتهى

فشرط العلم في الشهادة شرط ضروري لاينفك عنها، ومن لم يعرف ما يشهد به فشهادته باطلة، فالجاهل بالتوحيد لم يشهد بما شهد به الله وملائكته ورسله، فلا يُحسب قوله شهادة وهو غير نافع باتفاق المسلمين.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين:
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا،
متصفا بموجبها،
قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته،
فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد،
أصلها ثابت راسخ في قلبه
وفروعها متصلة بالسماء
وهي مخرجة لثمرتها كل وقت.
انتهى

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه فتح المجيد:
قوله: " من شهد أن لا إله إلا الله "
أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا وظاهرا،
فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها؛
كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}،
وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه:
من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل:
قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع.
انتهى

ويقول الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد:
أما قول الإنسان:
" لا إله إلا اللّه "
من غير معرفة لمعناها، ولا عمل به،
أو دعواه أنه من أهل التوحيد، وهو لا يعرف التوحيد،
بل ربما يخلص لغير اللّه من عبادته من الدعاء والخوف والذبح والنذر والتوبة والإنابة وغير ذلك من أنواع العبادات،
فلا يكفي في التوحيد،
بل لا يكون إلا مشركًا والحالة هذه،
كما هو شأن عباد القبور.
انتهى

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في رسائله (الرسائل والمسائل النجدية ج2):
وأصل دين الإسلام معرفة الشرك،
والبراءة منه وإنكاره، ومعاداة أهله،
ومعرفة التوحيد على الحقيقة، وقبوله ومحبته، وموالاة أهله،
ومن لم يكن كذلك فليس له في الإسلام نصيب؛
لأن من لم يعرف الشرك لم يعرف التوحيد،
ومن لم يعرفه كيف يعمل به.
انتهى


الجهل بالتوحيد ليس كالجهل بما بعده من أحكام الشريعة
إن الذين يؤمنون بأن جاهل التوحيد مسلم
لا يفرقون بين جهل أصل الدين
وجهل ما دونه من أحكام الشريعة ويحسبون الأعمال كلها سواء،
من جهل تحريم الخمر وأمثاله كمن جهل أحكام التوحيد من تحريم دعاء غير الله وأمثاله، ويعتقدون أن جهل الأمرين سواء، وكلا الجاهلَيْنِ مسلم في نظرهم.

والحق أن أصل الدين ليس كغيره من العبادات وفروع الشريعة الأخرى،
فما يترتب على الجهل به وتركه ليس كمثل ما يترتب على الجهل والترك لغيره،
فمن أتى بأصل الدين ولكنه جهل تحريم الخمر مثلا لا يقدح جهله هذا في إسلامه وتوحيده، وشارب الخمر مسلم عاصٍ مادام لا يشرك بالله،
فإنصرف العبادة لغير الله صار مشركا غير مسلم لأنه عبد غير الله،
والذي يجهل التوحيد لم يسلم لله أصلاً فهو مشرك جاهل.
فشتان بين الفعلين وشتان بين الجهلين،
فهناك فرق شاسع بين جهل معنى التوحيد وجهل ما دونه من أمور الدين.

فالجهل بالإسلام يعني عدم الإسلام،
فيكون هذا الجاهل كافرا لعدم علمه بالتوحيد،
ويكون هذا الجهل سبباً لفعل الكفر والشرك بشتى صوره،
فهو لا يفرق بين التوحيد ونقيضه.

فالشرك بالله وما يتعلق بفعله من الرضى أو المحبة أو اعتقاد صحته أو عدم الكفر به وبأهله هو الذي ينفي الإسلام، ولا يستقيم معه إسلام،
لأن جهله يعني انتفاء الإسلام كله. فالذي يشرك لا يسمى موحدا، ؟!

إن الكفر والشرك بالله يكون بالاعتقاد أو القول أو العمل، والتوحيد والإسلام لا يكون إلا بالأركان الثلاثة مجتمعة،
فإذا اختل شيء منها صار مشركا،
والجهل بالتوحيد يعني انتفاء الأركان الثلاثة،
فهل يمكن أن يكون مع جهله هذا مسلما؟!


كل مسلم يعرف ما هو أصل الدين الذي يفرق بين الكافر والمسلم، ويعرف أنه اعتقاد وقول وعمل، وأن من جهله فقد جهل الإسلام ومن تركه فقد ترك الإسلام، معرفة ذلك يستلزم تكفير فاعل الشرك
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر(8/119):- ((وما أحسن ما قاله واحد من البوادي ، لما قدم علينا وسمع شيئا من الإسلام
قال : أشهد أننا كفار - يعني هو وجميع البوادي - وأشهد أن المطوع الذي يسمّينا إسلاما أنه كافر )).

فالإيمان ببطلان الشرك وتكفير اهل الشرك والبراءة منهم لا يصح الإسلام بدونه، والجهل به هو جهل بأصل ومقتضيات التوحيد ولوازمه