قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه على "ثلاثة الأصول":(.. معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد دينه، ومعرفة العبد نبيه، هذا واجب فمثل هذا العلم لا ينفع فيه التقليد، واجب فيه أن يحصله العبدُ بدليله، والعبارة المشهورة عند أهل العلم: أن التقليد لا ينفع في العقائد, بل لابد من معرفة المسائل التي يجب اعتقادها بدليلها, هذا الدليل أعم من أن يكون نصا من القرآن, أو من سنة, أو من قول صاحب, أو من إجماع, أو قياس, وسيأتي تفصيل الدليل إن شاء الله تعالى في موضعه. التقليد هذا لا يجوز في العقائد عند أهل السنة والجماعة, وكذلك لا يجوز عند المبتدعة من الأشاعرة والماتريدية والمتكلمة، لكن ننتبه إلى أن الوجوب عند أهل السنة يختلف عن الوجوب عند أولئك في هذه المسألة، والتقليد عند أهل السنة يختلف عن التقليد عند أولئك, فأولئك يرون أن أول واجب هو النظر, فلا يصح الإيمان إلا إذا نظر، ويقصدون بالنظر؛ النظر في الآيات المرئية؛ في الآيات الكونية، ينظر إلى السماء، يستدل على وجود الله جل وعلا بنظره، أما أهل السنة فيقولون يجب أن يأخذ الحق بالدليل, وهذا الدليل يكون بالآيات المتلوّة, أولئك يحيلون على الآيات الكونية المرئية بنظرهم, بنظر البالغ، وأما أهل السنة فيقولون لابد من النظر في الدليل، لا لأجل الاستنباط، ولكن لأجل معرفة أن هذا قد جاء عليه دليل، في أي المسائل؟ في المسائل التي لا يصح إسلام المرء إلا به؛ مثل معرفة المسلم أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة دون ما سواه، هذا لابد أن يكون عنده برهان عليه، يعلمه في حياته, ولو مرة، يكون قد دخل في هذا الدين بعد معرفةٍ الدليل, ولهذا كان علماؤنا يعلمون العامة في المساجد)
الى ان قال-----( هذه الرسالة صنفت لبيان الأصول الثلاثة؛ ألا وهي مسائل القبر؛ من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ والجواب عليها في هذه الرسالة، بل إن هذه الرسالة من هذا الموضع إلى آخرها جواب على هذه الأسئلة الثلاث، فمن كان عالما بما في هذه الرسالة من بيان تلك الأصول العظام، كان حَرِيًّا أن يُثبت عند السؤال، ذلك لأنها قُرنت بأدلتها، وقد جاء في الحديث الذي في الصحيح أن من المسؤولين في القبر من يقول: ها, ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. استدل العلماء بقول هذا المفتون في قبره (سمعت الناس يقولون شيئا فقلته) على أن التقليد لا يصلح في جواب هذه المسائل الثلاث؛ جواب (من ربك؟) يعني من معبودك؟ جواب (ما دينك؟), جواب (من نبيك؟) ولهذا يذكر الشيخ الإمام رحمه الله تعالى بعد كل مسألة مما سيأتي، يذكر الدليل من القرآن، وقد بينا في أول هذا الشرح؛ أن المؤمن يخرج من التقليد، ويكون مستدلا بما يعلمه، ويعتقده من هذه المسائل بالحق، إذا علم الدليل عليها مرة في عمره، ثم اعتقد ما دل عليه الدليل، فإن استقام على ذلك حتى موته، فإنه يكون مؤمنا؛ يعني مات على الإيمان؛ لأن استمرار استحضار الدليل والاستدلال لا يُشترط، لكن الذي هو واجب أن يكون العبد في معرفته للحق في جواب هذه المسائل الثلاث، أن يكون عن دليل واستدلال ولو لِمرّة في عمره)
قول المصنف الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-
في رسالة " ثلاثة الأصول" :
[ الأولى: العلم: وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ]
" قوله -رحمه الله-: "بالأدلة" يرجع إلى الثلاث المعارف: إلى معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام، فيجب أن تكون معرفتك لله بالأدلة لا بالتقليد المحض الَّذي لا ينتج اعتقادا، وهنا - مسألتان يجب فقههما حتى لا تزل القدم في هذا الباب:
المسألة الأولى: هي مسألة وجوب أن يتعلم المكلف هذه الأمور بالأدلة وعدم جواز التقليد فيها، وهذه المسألة عند علمائنا تعرف بمسألة الطريق.
والمسألة الثانية: مسألة حكم من قلد في هذه الأمور هل يصح اعتقاده أو لا يصح؟ وهذه تعرف عند علمائنا بمسألة الغاية، فالإعتقاد له طريق والإعتقاد هو الغاية.
المسألة الأولى وهي: هل يجوز للمسلم أن يأخذ هذه الأمور بالتقليد؟
فأقول: الذي عليه جمهور العلماء وجمهور أهل الحديث أنه لا يجوز تعلم المسائل الكبار بطريق التقليد بل تعلمها بالأدلة فرض عين، فيجب على كل مسلم أن يطلب علمها بالأدلة.
وأما المسألة الثانية وهي: ما الحكم لو أن مسلما قلد في هذه الأمور ولم يتعلم ؟ أخذ ذلك عن العلماء بالتقليد أو أخذ ذلك عن أهله بالتقليد ولم يتعلم. نقول: التقليد هنا -كما ذكر العلماء- له حالتان:
الحالة الأولى: أن لا يُنتج اعتقادا، ولكن الإنسان يردد ما يردده الناس من غير اعتقاد، وهذا لا ينفع كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
والحالة الثانية:أن يُنتج اعتقادا،[صحيحا] فيعتقد ذلك اعتقادا جازما، وهذا عند أهل السنة والجماعة يصح اعتقاده وهو مسلم خلافا للمعتزلة، المعتزلة يقولون لا يصح اعتقاده إلَّا إذا كان عن طريق الأدلة العقلية، أما أهل السنة والجماعة فيقولون:
من اعتقد اعتقادا صحيحا جازما صح اعتقاده ولو كان ذلك بطريق التقليد.
إذن هما مسألتان لا نخلط بينهما، مسألة التعلم شيء ومسألة الاعتقاد شيء آخر، ولذلك الإمام السفّاريني في منظومته ذكر المسألتين فقال:وكل ما يطلب فيه الجزمُ ... فمنع تقليد بذاك حتمُ
يعني لا يجوز أن يُطلب بالتقليد، ثم قال في المسألة الثانية:فالجازمون من عوام البشرْ .... فمسلمون عند أهل الأثرْ
يعني: العوام الذين أخذوا ذلك بالتقليد وجزموا فهم مسلمون عند أهل السنة والجماعة، يجب أن نعلم هذا حتى لا نخطئ في فهم المسائل.
شيخ الإسلام عمّ يتكلم الآن؟ يتكلم عن العلم، عن التعلم، إذن هو يتكلم عن المسألة الأولى ولم يتكلم عن مسألة الاعتقاد، فيجب على كل مسلم أن يعرف ربه بالأدلة فإن لم يفعل ذلك أثم، فإن اعتقد بالتقليد وصح اعتقاده فهو مسلم عند أهل السنة والجماعة " اهـ. من شرح الاصول الثلاثة للرحيلى
قال العلامة أبا بطين -رحمه الله-: فرضٌ على كل أحدٍ معرفة التوحيد، وأركان الإسلام بالدليل، ولا يجوز التقليد في ذلك؛ لكن العامي الذي لا يعرف الأدلة، إذا كان يعتقد وحدانية الرب سبحانه، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بالبعث بعد الموت، والجنة والنار، ويعتقد أن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند هذه المشاهد باطلة وضلال، فإذا كان يعتقد ذلك اعتقاداً جازماً لا شك فيه، فهو مسلم، وإن لم يترجم بالدَّليل، لأن عامة المسلمين ولو لقنوا الدليل فإنهم لا يفهمون المعنى غالباً ". [الدرر السنية 5/347]
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه للعقيدة الواسطية ج2/117 مانصه :
( وتأمل قوله :" هاه ! هاه ! " كأن شيئا غاب عنه ؛ يريد أن يتذكره ، وهذا أشد في التحسر ؛ أن يتخيل أنه يعرف هذا الجواب ، ولكن يحال بينه وبينه ، ويقول : هاه! هاه! ، ثم يقول : سمعت الناس يقولون شيئا فقلته . ولا يقول : ربي الله ! ولا ديني الإسلام ! ولا نبيي محمد ! لإنه في الدنيا مرتاب شاك ! ) أ.هـ