جريمة الاستهزاء بالله أو برسوله أو بشرائع الإسلام جريمة عظمى وردة كبرى


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر





إنَّ ديننا الإسلام دينٌ عظيم مبني على التعظيم؛ التعظيم لله -عزَّ وجل-، والتعظيم لشرعه، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32)، وكلما قويَ التعظيم في القلب أذعن وانقاد واستسلم وأطاع، وإذا انحلَّ القلب من التعظيم تمرَّد على هذا الدين، بل وتحوَّل عبداً ساخراً مستهزئاً متهكما؛ وهذا - عباد الله - يكشف لنا سرَّ الانحلال الذي يبتلى به بعض الناس، ويصاب به بعض العباد.

إننا لا نتصور وجود شخص في ديار الإسلام يكتب كلاماً فيه استهزاءٌ بالله -جلَّ وعلا- أو استهزاءٌ برسوله - صلى الله عليه وسلم - أو استهزاءٌ بشيءٍ من شرع الله -عز وجل-، لكن ذلك القلب إذا انحلَّ منه التعظيم لله -عز وجل- أتى بالعجائب والغرائب، فمدار صلاح الإنسان وفلاحه على صلاح قلبه وزكائه، «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ».

ردةٌ عن الإسلام

إن الاستهزاء بالله أو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بشيءٍ من شرائع الإسلام وأحكام الدين ردةٌ عن الإسلام وجريمةٌ عظمى ومصيبةٌ كبرى لا تصدُر من قلبٍ مؤمن، فوجود هذا الاستهزاء دليلٌ على الكفر وذهاب الإيمان؛ ولهذا قال الله -تعالى- في سورة التوبة - التي تسمى الفاضحة؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- فضح فيها المنافقين، وهتك أستارهم، وكشف عن مخازيهم، يقول الله -عز وجل-: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}؛ إنَّه الإجرام الفظيع والتعدي الشنيع أن يتطاول إنسان خَلَقه الله -عز وجل- ومنَّ عليه بالسمع والبصر والفؤاد والحواس فيتلفظ لسانه تطاولاً على الله رب العباد، أو تطاولاً على شرع الله -عزَّ وجل-، أو تهكماً واستهزاءً برسوله ومصطفاه - صلى الله عليه وسلم -، أو تعدِّياً على شيءٍ من شرع الله وأحكام الله، أين عقل هذا الإنسان؟! أين فكره؟! أين وعيه؟! أين معرفته؟! إذا كان سمح للسانه أن يتلفظ بتلك الألفاظ وأن يتعدى ويتجاوز بتلك التعديات والتجاوزات.

الكفر بعد الإيمان

لما قَفَل النبي -عليه الصلاة والسلام- من غزوة تبوك وقد أبلى هو والصحابة معه بلاءً عظيماً قال أحد المنافقين في مجلس من المجالس: «ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء «، فقال رجل في المجلس: «كذبتَ؛ ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «، فبلغ ذلكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل بذلكم القرآن، فجاء ذلك الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتذر مما قال، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينظر ولا يلتفت إليه، ولا يزيد على أن يقول له: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، وقول الله -جل وعلا-: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فيه دليلٌ أن قائل هذه المقالة كان قبلها من أهل الإيمان فتحوَّل بمقالته تلك إلى مرتدٍّ كافر بالله -سبحانه وتعالى-، وهذا مما يوضح لنا قول النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري وغيره: «وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

عظم الواجب

وفي ظل وجود مثل هذه الآفة وصدور مثل هذه الأقاويل في كلماتٍ تُكتب وألفاظٍ تسطَّر من أناسٍ هم من بني جلدتنا ومن أبناء المسلمين وفي ديار المسلمين تتأكد المسؤولية، ويعظم الواجب في صيانة الأبناء وحفظ النشء، وقد قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (التحريم:6).

خطرٌ عظيم

إنه خطرٌ عظيم يداهم أبناء المسلمين من هنا وهناك من خلال وسائل انفتحت على الناس فجرَّت بلاءً عظيما وشراً مستطيرا؛ يجلس الواحد من أبناء المسلمين مع ضعفٍ في العلم وقلةٍ في الفهم وعدم بصيرةٍ بالاعتقاد يجلس أمام قنوات فضائية مسمومة ومواقع في الشبكة العنكبوتية موبوءة يسمع لهذا ويقرأ لذاك، ثم مع الاستماع والقراءة يحصل مثل هذا التمرد والانحلال؛ مما يتطلب - عباد الله - منَّا أجمعين أن نحرص على صيانة أنفسنا وأبنائنا وبناتنا بتسليحهم بالاعتقاد الصحيح والإيمان الراسخ والصلة العظيمة بالله -تبارك وتعالى-، وأن نحذِّرهم أشد الحذر من تلك المواقع وتلك القنوات التي تبثُّ السموم، وتنشر المجون والكفر والإلحاد، يجب علينا -عباد الله - أن نتقي الله -عزَّ وجل- في أنفسنا وأهلينا وأولادنا، وأن نحرص على رعايتهم وصيانتهم من تلك الآفات العظيمة والبلايا الجسيمة.

الوقوف بين يدي الله -تعالى

يقول الله -سبحانه-: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36)؛ فمن تذكر وقوفه بين يدي الله وأنَّ الله -عزّ َوجل- سائله في ذلك اليوم العظيم عن سمعه وبصره وفؤاده فإن هذا التذكر ينفع العبد نفعاً عظيماً في صيانة هذه الحواس وإبعادِها عن كلِّ ما يُسخط الله -جل وعلا- ويُغضبه؛ فالسمع والبصر وغيرهما من الحواس لها آفات ولها شرور، والسلامة من ذلك بالفزع إلى الله وحُسن اللجوء إليه -سبحانه-، وبالأخذ بالأسباب النافعات التي يكون بها صيانة هذه الحواس من كل أمرٍ يُغضب الله -جل وعلا- ويُسخطه.

الكيِّس من دان نفسه

والكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.




حكم الاستهزاء بالدين وأهله


سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- عن حكم أناسٍ يستهزئون بالدِّين وبأهل الدِّين، ويستهزئون بالمُتبعين للسنة من ترك اللّحى وعدم إطالة الملابس؟

فقال -رحمه الله-: الاستهزاء بالدين كفرٌ أكبر، الاستهزاء بالله أو برسوله أو بكتابه أو بالمؤمنين لأنَّهم اتبعوا الدِّين كفرٌ أكبر، قال الله -جلَّ وعلا-: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة:66).

أما الاستهزاء بواحدٍ معينٍ فهذا يختلف: إن كان الاستهزاء به لأنه متساهلٌ في لباسه، في مشيته، في أشياء مُستغربة؛ فهذا معصية، وإن كان الاستهزاء به في دِينه؛ لأنَّه مُتدين؛ لأنه مؤمن، يستهزئ بالدِّين لأجل الدِّين، أو باللِّحية لأجل أن الله شرعها؛ فهذا كفرٌ أكبر -نعوذ بالله، ونسأل الله العافية.

فالاستهزاء بدين الله أو بشيءٍ منه حتى اللِّحية الاستهزاء بأهلها من أجل إرخائها، ويرى أن إرخاءها نقصٌ وعيبٌ؛ فهذا كفرٌ أكبر -نعوذ بالله- لأنه استهزأ بدين الله، والله الذي شرع إرخاءها، سواء قلنا إنها مُستحبَّة أو واجبة.

فالذي عليه أهلُ العلم أنَّ إرخاءها وتوفيرها واجبٌ، وأنَّ قصَّها وحلقها منكرٌ وحرامٌ؛ فالاستهزاء بهذا الأمر جريمةٌ عظيمةٌ -نعوذ بالله من ذلك، وهكذا الاستهزاء بالجنة، أو بالنار، أو الاستهزاء بنعيم أهل الجنة، أو ما يُذكر عن نعيمهم، أو عن عذاب أهل النار، فالاستهزاء بهذه الأمور من الكفر الأكبر، ومن نواقض الإسلام عند أهل السنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول -صلى الله عليه وسلم


سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الدين‏؟‏

فأجاب -رحمه الله ‏:‏ هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق، وهو الذي وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه في الذين قالوا ‏:‏ ‏«‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء‏»‏‏.‏ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء فنزلت فيهم ‏{و‏َلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}‏ (سورة التوبة)؛ لأنهم جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون‏:‏ إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم ما أمره الله به‏:‏ {قل‏ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ‏(سورة التوبة).‏


فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله -عز وجل- ورسله وكتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله -عز وجل- مما صنع؛ لأن هذا من النفاق؛ فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، ويصلح عمله، ويجعل في قلبه خشية الله -عز وجل- وتعظيمه وخوفه ومحبته‏.‏ والله ولي التوفيق.‏