قال الزبير بن العوام : « سمعت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه- يقول: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها، فإنها تأتيه بأحدهما».
ماصحة هذا الأثر؟
قال الزبير بن العوام : « سمعت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه- يقول: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها، فإنها تأتيه بأحدهما».
ماصحة هذا الأثر؟
قلتُ: وهذا فهم خطأ أنه من كلام أبي بكر، إنما هو من كلام الزبير بن العوام يشبه ابنه عبد الله بأبي بكر.
وهذا الفهم لعله أخذ مما أخرجه ابن الجوزي في المنتظم [4 : 343] من طريق الطُّوسِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: غَزَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَفْرِيقِيَّةَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ،
فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فذكر حديثا طويلا وفي آخره قال:
فَقَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ، وَوَصَفْتُ لَهُ أَمْرَنَا كَيْفَ كَانَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤَدِّيَ هَذَا إِلَى النَّاسِ؟ قُلْتُ: وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ،
قَالَ: فَاخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَأَخْبِرْهُمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ الْمِنْبَرَ، فَاسْتَقْبَلْتُ النَّاسَ، فَتَلَقَّانِي وَجْهُ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ،
فَدَخَلَتْنِي مِنْهُ هَيْبَةٌ، فَعَرَفَهَا أَبِي فِيَّ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ حَصًى، وَجَمَعَ وَجْهَهُ فِي وَجْهِي، وَهَمَّ أَنْ يَحْصِبَنِي، فَاعْتَزَمْتُ فَتَكَلَّمْتُ،
فَزَعَمُوا أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي سَمِعْتُ كَلامَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِيهَا وَأَخِيهَا، فَإِنَّمَا تَأْتِيهِ بِأَحَدِهِمَا". اهـ.
وزاد في الإسناد عبد الله بن مصعب ما خرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق [28 : 181] من طريق الْمُخَلِّص، قال:
أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: غَزَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِفْرِيقِيَةَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ،
فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خُبَيْبٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فذكره.
وهذا منقطع، وتوبع فيما خرجه ابن أبي الدنيا في الإشراف في منازل الأشراف [277 ]، فقال:
وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ:
تَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّبَيْرُ يَسْمَعُ، فَقَالَ لَهُ: " أَيْ بُنَيَّ مَا زِلْتَ تَكَلَّمُ بِكَلامِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَائِمٌ، فَانْظُرْ إِلَى مَنْ تَزَوَّجُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَخِيهَا مِنْ أَبِيهَا ". اهـ.
وهذا منقطع أيضا، وتوبع فيما خرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق [28 : 180]، من طريق يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِين، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ وَهْب، قَالَ:
سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يُحَدَّثُ: أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ شَهِدَ فَتْحَ إِفْرِيقِيَةَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَنَّهُ قَدِمَ بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُ عُثْمَانُ أَنْ يَقُومَ فَيَتَكَلَّمَ، فَكَأَنَّ الزُّبَيْرَ كَرِهَ ذَلِكَ،
فَلَمَّا خَطَبَ أَعْجَبَهُ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ الزُّبَيْرُ: كَأَنَّهُ كَلامُ أَبِيهِ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، قَالَ مَالِكٌ: لأَنَّ أُمَّهُ أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ. اهـ.
وهذا منقطع أيضا، وتوبع فيما خرج ابن عساكر [28 : 180] من طريق مُحَمَّد بْن عَائِذٍ صاحب المغازي، قال:
أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي حَبِيب:
أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بِفَتْحِ إِفْرِيقِيَةَ، وَكَانَ فِي الْجَيْش مَعَهُمْ، فَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبَاهُ، فَخَرَجَ مَعَهُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَسْجِدِ،
فَرَقِى الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَحَدَّثَ النَّاسَ،
فَقَالَ: فَوَجَدْتُ عَلَى عُثْمَانَ حِينَ يَأْمُرُ غُلامًا مِنَ الْغِلْمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَتَكَلَّمَ فَأَبْلَغَ وَأَصَابَ، فَمَا فَرَغَ حَتَّى مَلأَهُمْ عَجَبًا، فَنَزَلَ عُثْمَانُ،
وَذَهَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَانْظُرْ إِلَى أَبِيهَا، وَأَخِيهَا، قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا، كَأَنَّهُ يُشَبِّهُ، يعني: بَلاغَتَهُ، بِبَلاغَةِ جَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ. اهـ.
قلتُ: مع انقطاعه ففي الإسناد رشدين بن سعد وهو متكلم فيه، ولكن توبع فيما خرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (1/213)، فقال:
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، قال: فذكره.
قال [يعني عبد الملك بن مسلمة]: وحدثنيه ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب.
وعبد الملك بن مسلمة متكلم في روايته عن أهل المدينة وروايته هنا عن المصريين.
وتوبع فيما خرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (1/213)، فقال:
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنى المنذر بن عبد الله الحزامى، عن هشام بن عروة، فذكره، وفي آخره:
"فكان الزبير يقول: إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة، فلينظر إلى أبيها وأخيها، فلن يلبث أن يرى ربيطة منها ببابه، لما كان يرى من شبه عبد الله بن الزبير بأبى بكر". اهـ.
وهذا أحسنهم إسنادا، ولعل هذه الطرق الكثيرة بمجموعها تحدث قوة في ثبوت الأثر.
والله أعلم.
جزاكم الله خيرا .
يرفع للفائدة