الاستغفار سمة الأبرار


عبد الله صالح حامد



الاستغفار يعد من أجلّ العبادات ، وأفضل الطاعات؛ فهو الطريق الأمثل للسمو الحقيقي والارتقاء الفعلي، فبدونه لا يسمو الإنسان أبداً، وقد كان أشرف الخلق[ دائب الاستغفار، ودائم التذكر له والذكر به ليعلمنا الطريق الحقيقي للسمو الفعّال؛ يقول[: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" (البخاري)، وفي رواية مسلم: «مائة مرة»، وكان الصحابة يتعلمون منه الاستغفار عملياً في مجالسهم فلا يتخذونها للتسلية الفارغة أو اللغو الباطل، يقول ابن عمر - رضي الله عنهما: إن كنا لنعد لرسول الله[ في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" (أبوداود والحاكم)، ولم يكتف بهذا[ بل بيّن لأمته أسمى أنواع الاستغفار الذي لو تأمله المسلم وطبقه تطبيقاً صحيحاً لنال خيري الدنيا والآخرة، يقول[: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة». (البخاري).

ومن المهم أن نوضح أن الاستغفار الذي يؤدي إلى السمو الحقيقي ليس كلمات تقال باللسان دون تأثير في القلب والوجدان، وإلا فإننا نجد ملايين المسلمين يدندنون بهذه الكلمات ليل نهار، وواقع الحال ما نرى ونشاهد من انحدار الأمة وتدهورها ووقوع العذاب بها – إلا من رحم ربي – وقد قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (الأنفال: 33)، فالاستغفار هو المخرج من حالة العذاب الذي تعانيه الأمة، وهو في الوقت نفسه يحقق لها الأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي... إلخ، ونجد مصداق ذلك في قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10 – 12). وهذا كله تستفيد منه الأمة في حالة تحقيقها لشرائط الاستغفار الإيمانية من استقامة والتزام ووعي وفهم واتباع للمنهج السليم الصحيح.

إذاً فالاستغفار الحقيقي هو الذي يلامس شغاف قلوبنا، ويؤدي إلى تغير في سلوكنا، والتغير هنا في اتجاه واحد إلى أعلى ونعني به الابتعاد عن كل ما يخالف الكتاب والسنة، والاستغفار الذي نقصده ينبغي أن يشمل كل مجال من مجالات الحياة، الإعلام والاقتصاد والقانون.. إلخ، فاستغفار الإعلام يكون بتسخيره لخدمة قضايا الأمة وبث القيم الإسلامية فيها وترسيخ ركائز النصر الإيمانية في بنيانها، والابتعاد بها عن مواطن الفتنة وتحذيرها من الغلو والتطرف، ومحاصرة كل أنواع الفكر المنحرف الذي يحاول اتخاذ الإسلام ذريعة والإسلام منه براء. وكذلك استغفار الاقتصاد يكون بتحرره من ربقة الربا والمعاملات المخالفة للشريعة، وهكذا شتى مجالات الحياة. وقد قال بعض السلف: استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، والإقلاع معناه التغيير والاستجابة للمنهج الإسلامي والتسامي عن شهوات الدنيا وزخرفها والبعد عن وساوس الشيطان واتباع آيات الرحمن والعمل بها والدعوة لها واتخاذها منهج حياة، والقرآن الكريم قد أمر بالاستغفار في آيات كثيرة، وما ذاك إلا لأهميته القصوى وضرورته لحياة الأمة؛ يقول تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} (هود: 61)، ويقول تعالى: {فاستقيموا إليه واستغفروه} (فصلت: 6)، وقوله تعالى: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} (هود: 3).

والاستغفار من أبرز صفات المتقين كما جاء في كتاب رب العالمين؛ يقول تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات: 15 – 19). ومدحهم المولى عز وجل؛ فقال تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران: 17)، وقد جاء في الصحيحين أهمية وقت السحر وفضيلته الكبرى، يقول[: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟»، وفي رواية لمسلم: "فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"؛ ولهذا نريد أن يكون الاستغفار هو البرنامج اليومي الملازم لكل مسلم ومسلمة، لا نغفل عنه أبداً، نسأل الله أن يكشف الغمة ويضاعف الهمة وينصر الأمة، ويرزقنا الاستغفار مدرارا، قولاً وعملاً، سيرة وسلوكا، إنه سميع مجيب.