التميز والمفاصلة
انظر كيف ميز الله بين المسلمين والمشركين وجعل كلمة الفصل هى الفاصل بين الناس ،
ميز الله هذه الامة فى توحيد القبلة و توحيد العبادة وهذه كتلك فيها من التميز والاختصاص.
الجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك معنى هذا الاتجاه.
إن القبلة ليست مجرد مكان، أو جهة تتجه إليها الجماعة في الصلاة، فالمكان أو الجهة ليس سوى وجهه .. ولكن من المعانى انها رمز للتميز والاختصاص: تميز الشخصية وتميز الهدف، وتميز الاهتمامات وتميز الكيان وتميز التصورات..
بعكس التصورات الجاهلية التي تعج بها أكثر الأرض ، وبين شتى الأهداف الجاهلية. وبين شتى الاهتمامات الجاهلية التي تشغل بال الناس جميعا وبين التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة.
والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وهذا التصور والتميز براية خاصة
تحمل اسم العبودية لله وحده فهذا اهم المهمات وأول الواجبات وأولى الاولويات
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ..
هذه سبيلي واحدة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة .. وأدعو إلى الله على بصيرة ..
فنحن على هدى من الله ونور، نعرف طريقنا جيداً،
ونسير فيها على بصيرة وإدراك ومعرفة ..
هذه طريقي فمن شاء فليتابع ومن لم يشأ فأنا سائر في الطريق المستقيم .
. وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التمييز.
لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم،
ولا يسلك مسلكهم ، ويتميزون ولا يختلطون .
. ولا يكفي أن يدعو أصحاب هذا الدين إلى دينهم وهم متميعون في المجتمع الجاهلي.
فهذه دعوة لا تؤدي شيئاً ذا قيمة.
إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية.
وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته تحقيق التوحيد، وعنوانه القيادة الإسلامية،
لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي،
وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضاً.. إن اندماجهم وتمييعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم،
وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين ..
إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس .. والجاهليات التى ظهرت فى القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصلية، وفي ملامحها المميزة عن كل جاهلية أخرى واجهتها الدعوة الإسلامية على مدار التاريخ،
والذي يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمعات والأوضاع الجاهلية المعاصرة ..
والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات. وعدم الوضوح بالضوابط العقدية .. هؤلاء لا يدركون طبيعة هذا العقيدة،
ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب ..
إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم.
أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟ وطريقهم الخاص؟
وسبيلهم التي تفترق تماما عن سبيل الجاهلية؟
ووضوح الرايات راية الحق وراية الباطل. فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق، وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل ..
وهما صنفان متميزان لا يختلطان ولا يتميعان ..
لا نسب ولا صهر. ولا أهل ولا قرابة. ولا وطن ولا جنس ولا عصبية ولا قومة ..
إنما هي العقيدة والعقيدة وحدها.
فمن انحاز إلى حزب الله ووقف تحت راية الحق فهو وجميع الواقفين تحت هذه الراية أخوة في الله،
تختلف ألوانهم وتختلف أوطانهم،
وتختلف عشائرهم، وتختلف أسرهم
ولكنهم يلتقون في الرابطة التي تؤلف حزب الله رابطة التوحيد والعقيدة
. فتذوب الفوارق كلها تحت راية التوحيد والايمان الصحيح .
ومن استحوذ عليها الشيطان فوقف تحت راية الباطل فلن تربطه بأحد من حزب الله رابطة ..
إنها المفاصلة بين حزب الله وحزب الشيطان، والانحياز النهائي للصف المتميز، والتجرد من كل عائق وكل جاذب.
وهذه هي القاعدة الثابتة التي يقف عليها المؤمنون أو الميزان الدقيق للإيمان في النفوس
(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ..
فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وما يجمع إنسان في قلب واحد وُدَّينان فاما قلب موحد او قلب مشرك - والكلام هنا دائر على اصل الدين: وأصل الايمان -الكلام على زبدة رسالة الانبياء.-الكلام هنا على توحيد العبادة- وفى المقابل الكلام فيما ينقض اصل واساس الاسلام والايمان - ولا دخل فى كلامنا على المسلم المتلبس بالكبائر والعصيان
فهذا فى اعتقاد اهل السنة لا يسلب عنه اسم الاسلام ولا يخرج عن رابطة الجماعة المسلمة ..
المسلم له نسب عريق وماض طويل وأسوة وسلف متمثل فى الانبياء والصحابة وسلف الامة . (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .. إن هذه القافلة الممتدة في شعاب الزمان من المؤمنين بدين الله. الواقفين تحت راية التوحيد والايمان الصحيح .. وإن هذه البراءة من العابدين لغير الله ومعبوداتهم وعباداتهم. هو الكفر بهم والإيمان بالله. و العداوة والبغضاء لا تنقطع حتى يؤمن هؤلاء بالله وحده،
وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستبقي شيئاً من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة وآصرة الإيمان ..
هذا وإن المنهج الإلهي ليحدد بوضوح كامل أن يهمل المسلم شأن الذين يتخذون دينهم سخرية.
والإهمال يجب أن يتبع بالقول كما يتبع بالفعل.
فالذي لا يجعل لدينه وقاره واحترامه باتخاذه قاعدة حياته اعتقادا وعبادة وخلًقاً وسلوكا وشريعة
. إنما يتخذ دينه هُزواً ولعباً .. (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) .
والذي يتحدث عن مبادئ هذا الدين وشرائعه فيصفها أوصافاً تدعو إلى الهزء والسخرية كالذين يتحدثون عن الغيب –وهو أصل من أصول العقيدة- حديث الاستهزاء.
والذين يتحدثون عن الزكاة وهي ركن من أركان هذا الدين حديث الاستصغار،
والذين يتحدثون عن الحياء والخلق والعفة- وهي من مبادئ هذا الدين-
بوصفها من أخلاق المجتمعات الزراعية أو الإقطاعية أو البورجوازية الزائلة.
والذين يتحدثون عن قواعد الحياة الزوجية المقررة في الإسلام حديث إنكار واستنكار.
والذين يصفون الضمانات التي جعلها الله للمرأة لتحفظ عفتها بأنها (أغلال) ..
وقبل كل شيء وبعد كل شيء ..
الذين ينكرون حكم الله وشرعته وتحكيمهما في حياة الناس الواقعية:
السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية ..
ويقولون: إن للبشر أن يُزاولوا هذا الاختصاص دون التقيد بشريعة الله –
أولئك جميعاً يتخذون دينهم هزوا ولعبا.
يأمره ربه بمفاصلتهم ومقاطعتهم إلا للذكرى.
.. .. ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر
ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم ..
ومع ذلك تعود فنفتح لهم صدورنا، ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق، وتبلغ بنا المجاملة. أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا، فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام. وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين.
ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله
ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي، ومن هنا نلقي العنت الذي يوده أعداؤنا لنا،
وها هو ذا كتاب الله يعلمنا كما علم الجماعة المسلمة الأولى، كي نتقي كيدهم وندفع أذاهم، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَالُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) ..
فلنصبر ولنصمد أمام قوتهم إن كانوا ٌأقوياء.
وأما مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع.
الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل،
ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع،
أو كسبا لودهم المدخول ...ثم هو التقوى .. الخوف من الله وحده .. ومراقبته وحده. هو تقوى الله
فلا نلتقي مع أحد إلا في المنهج الربانى، ولا نعتصم بحبل إلى حبله. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته، وستشد هذه الرابطة من عزيمته فلا يستسلم من قريب، ولا يُوادّ من حادّ الله ورسوله طلباً للنجاة أو كسبا للعزة أو مجاملة للناس .. هذا هو الطريق - الصبر والتقوى، التماسك والاعتصام بحبل الله، وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها إلا عزوا وانتصروا،
ووقاهم الله كيد أعدائهم وكانت كلمتهم هي العليا.
وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعداء الدين واستمعوا إلى مشورتهم، واتخذوا من دونهم بطانة، وأصدقاء وأعوان ومستشارين
إلا كتب الله عليهم الهزيمة،
وأذلّ رقابهم
فمن عَمي عن سنة الله المشهودة في الأرض،
فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والإنكسار والهوان ..
وأخيراً لا بد أن ندرك أن تدخل القوة الكبرى، إنما يكون دائماً بعد المفاصلة.
بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملة أبى جهل بعد إذ أنجاهم الله منها. وبعد يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي الخاص بقيادته الخاصة .. وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة
. فينقسم القوم الواحد إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا ..
عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة،
وتزيل الشرك والطواغيت من الارض،ويتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين
(فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّ كُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)
ولا يكون هذا التدخل أبداً والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي،
عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته، غير منفصلين عنه ولا مُتميزين باستقلالية
إن الفتنة الكبرى في الأرض هي أن يقوم من بين العباد من يدعي حق الألوهية عليهم، ثم يزاول هذا الحق فعلاً. إنها الفتنة التي تحمل الناس شيعاً ملتبسة، لأنهم من ناحية المظهر يبدون أمة واحدة أو مجتمعاً واحداً.
ولكن من ناحية الحقيقة يكون بعضهم عبيداً لبعض.
ويكون بعضهم في يده السلطة والتشريع يضل بها الناس –لأنها غير مقيدة بشريعة من الله-
والأرض كلها تعيش اليوم في هذا العذاب البطيء المديد! وهذا يقودنا إلى موقف العصبة المسلمة في الأرض وضرورة مسارعتها بالتميز من الجاهلية المحيطة بها والجاهلية كل وضع وكل حكم وكل مجتمع لا تحكمه شريعة الله وحدها ولا يفرد الله سبحانه بالألوهية والحكم- وضرورة مفاصلتها للجاهلية من حولها
إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب
: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَاسَ بَعْضٍ) ..
إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدة ومنهجا –حتى يأذن الله بقيام (دار إسلام)
وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينها وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين.
فإذا لم تفاصل هذه المفاصلة ولم تتميز هذا التميز،
حق عليها وعيد الله هذا: وهو أن تظل شيعة من الشيع في المجتمع. شيعة تتلبس بغيرها من الشيع،
ولا تتبين نفسها، ولا يتبينها الناس مما حولها.
وعندئذ يصيبها ذلك العذاب المقيم المديد،
دون أن يدركها فتح الله الموعود!
إن موقف التميز والمفاصلة قد يكلف العصبة السلمة تضحيات ومشقات.
غير أن هذه التضحيات والمشقات لن تكون أشد ولا أكبر من الآلام والعذاب الذي يصيبها نتيجة التباس موقفها وعدم تميزه. ونتيجة اندغامها وتميعها في المجتمع الجاهلي من حولها ..
ومراجعة تاريخ الدعوة إلى الله على أيدي جميع رسل الله، ي
عطينا اليقين الجازم بأن فتح الله ونصره.
وتحقيق وعده بغلبة رسله والذين آمنوا معهم ..
لم يقع في مرة واحدة قبل تميز العصبة المسلمة ومفاصلتها لقومها على العقيدة وعلى منهج الحياة –أي الدين-
وانفصالها بعقيدته ودينها عن عقيدة الجاهلية ودينها –أي نظام حياتها-
وإن هذه كانت هي نقطة الفصل ومفرق الطريق في الدعوات جميعاً.
وطريق هذه الدعوة واحد.
ولن يكون في شأنها إلا ما كان على عهود رسل الله جميعاً صلوات الله عليهم وسلامه