دور الأسرة في بناء المجتمع


د. إبراهيم بن ناصر الحمود


الأسرة المسلمة لها دور فاعل في بناء المجتمع السوي المتكامل البعيد عن مواطن الاستفزاز الفكري والإثارة، وذلك ينطلق ابتداء من الأبوين في تربيتهما للأبناء وشعورهما بعظم المسؤولية، فالأبوان مرآة يرى فيها الأبناء أنواع السلوكيات التي تنعكس آثارها على الأبناء بعامل القدوة، ولاسيما إذا كان الأبناء في مرحلة الطفولة؛ فهم أكثر تقليدا لمن حولهم؛ فانحراف الآباء يعطي مؤشراً كبيراً على تأثر الأبناء بهذا الانحراف؛ لذا فإنه متى ابتلي الآباء بشيء من السلوكيات غير السليمة؛ فيجب أن يكون ذلك بعيداً عن مرأى الأبناء، وفي المقابل فإن صلاح الأبوين يعين إلى حد كبير على صلاح الأبناء بعامل التأثر سلباً أو إيجاباً، وحتى تكون الأسرة فاعلة في بناء المجتمع؛ لابد من سلامتها مما يهدد كيانها الخلقي والاجتماعي بالانهيار، وقد قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوَّده أبوه

مما يدل دلالة واضحة على قوة تأثر الأبناء بالآباء والأمهات، ولا نغفل دور الأمهات في التأثير على البنات في مجال التربية الصحيحة السليمة البعيدة عن السلوكيات الخطأ، بل إن الفتيات أسرع تأثراً، وأرهف إحساساً؛ مما يتطلب نوعاً خاصاً من التربية.
ولاشك أن للأضرار والمنافع دوراً كبيراً في تحديد مفهوم التربية الصحيحة، وهذا الدور يتلخص في جلب المنفعة ودفع المفسدة، وهذا يحتاج إلى وسائل ذات قدرة عالية لتحقيق هذا الهدف، ومن أهم تلك الوسائل تميز ثقافة الأبناء وسعة اطلاعهم ومعرفتهم لما يدور حولهم، حتى يكون لديهم حصانة من تلك التيارات الفكرية التي تعصف بعقول الشباب؛ فإن علو الهمة في منهجية التربية والتعليم خير دافع لتوقي مضار الانحرافات الفكرية، وهذا إنما يتحقق في اختيار الأسلوب الأمثل في التربية، والبعد عن منهج التقليد الذي أصبح مخيماً على طرق ووسائل التربية منذ زمن طويل.
ومتى وصل الشاب إلى معرفة الضار من النافع، فهو دليل على نضج عقله وتمام رشده، ولكن هذا لا يؤتي ثماره إلا بالتطبيق الفعلي في مناحي الحياة؛ بحيث يستفيد من النافع في سلوكه وتعامله وشؤون حياته كلها، ويعرف ما يضره من أجل أن يجتنبه.
هذا من الأمور المهمة جداً؛ فإن اختيار الجليس الصالح له دور كبير في تربية الأبناء والمحافظة على سلوكياتهم من الانحراف؛ فالمرء من جليسه، وفي الحديث: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
ودور الوالدين في هذا العامل المهم هو حسن الاختيار؛ لأن الأبناء لا غنى لهم عن الرفقة الطيبة والصحبة الطاهرة، التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه، فليس من الصحيح أن يعيش الأبناء في عزلة عن الآخرين؛ فإن ذلك يسبب كبتاً وضيقاً يولد ما لا تحمد عقباه فيما بعد.
كما أن على الأبوين الاستمرار في متابعة الأبناء ومعرفة من يصاحبون؛ خوفاً من دخول شخصيات غريبة تفسد أكثر مما تصلح، ومتى رأى الأبوان جليساً غير صالح وجب التحذير منه وإبعاده عن محيط الأبناء؛ ففي حسن الاختيار والمتابعة والمناصحة خير معين على الجليس الصالح الذي ينعكس أثر صلاحه على الأبناء علماً وخلقاً وسلامة معتقد.
ولاشك أن انشغال الأبوين يعني إهمال الأبناء، وهذا الإهمال له أثر على سلوكيات الأبناء، فمتى أفرط الأبوان في ترك الحبل على الغارب فسيجد الأبناء فراغاً، وهذا الفراغ يؤدي إلى ضياع الأبناء إذا لم يستغل في صالحهم.
فأوجه نصيحتي لكل أب وأم أن يعوا المسؤولية العظمى الملقاة على عاتقهم كما جاء في الحديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وأن يخصصوا من وقتهم وقتاً لأبنائهم وبناتهم يقفون فيه على واقعهم وما يلاقونه من مشكلات وصعوبات في حياتهم ويعينوهم على إيجاد الحلول المناسبة لها، ويكون هذا الوقت المخصص لهم ملزماً في برنامجهم اليومي.
ومن أهم الأساليب النافعة في تربية الأبناء وحفظهم من الانحرافات الفكرية: تقوية الإيمان في قلوبهم، ومراقبة الله في السر والعلن؛ امتثالاً لقول النبي[ في وصيته: «احفظ الله يحفظك»، وحفظ الله لا يكون إلا بالإيمان الصادق وامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وهذا هو حقيقة التقوى؛ فمن يتق الله يجعل له من أمره يسرا، ومن كل كرب فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.
وكذلك توفير الحصانة الكاملة لهم من الآفات التي تصل إلى عقولهم فتغير سيرتهم في الحياة، ولاسيما في هذا العصر المليء بالمغريات والشهوات من كل جانب.