حيل اليهود في القرآن الكريم


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر




إنّ القرآن الكريم كتاب هداية وبيان ونصح وإرشاد، فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، من عمل به أُجر، ومن حكَم به عدَل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، وإن من دلالات القرآن القويمة وهداياته الكريمة كشفه لسبيل المجرمين وبيانه لحال المغضوب عليهم والضالين؛ ليعرفها المؤمنون فيجتنبوها، ولتنكشف لهم حالهم فيتقوها، وليستبين لهم عدوهم فيحذروه، يقول الله -عز وجل- {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام:55) أي ليتضح طريقهم وينكشف أمرهم وتستبين حالهم فيحذرهم المؤمنون.

أشد الناس كيداً للمؤمنين

وقد جاء في دلالات القرآن الكريم وهداياته أنَّ أشدَّ الناس كيداً للمؤمنين وأعظمهم عداوة لهم وأخبثهم سوءاً ومكراً وتربصاً وكرهاً هم اليهود، تلك الأمة التي نالت غضب الله ولعنه ومقته وسخطه؛ فهم أمة فيهم من الشر المتأصل والخبث المتراكم والفساد الكبير، يقول الله -تعالى- {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (المائدة:60)، ويقول -تعالى-: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة:80)، ويقول -تعالى-: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِين َ عَذَابٌ مُهِينٌ} (البقرة:90] وقد وصفهم الله في القرآن الكريم بأن قلوبهم قاسية {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة:74).

رفضهم للتوراة

لما عرضت عليهم التوراة -وهي كلام الله ووحيه وتنزيله- رفضوها وامتنعوا من أن يقبلوها، فأمر الله جبريل -عليه السلام- أن يقلع جبلاً من أصله من الأرض على قدرهم ثم رفعه فوق رؤوسهم وقيل لهم: إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم، فقبلوها كرهاً، قال الله -تعالى-: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأعراف:171)، وقال -تعالى- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (البقرة:63-64).

تعاملهم مع موسى -عليه السلام

ولما دعاهم موسى -عليه السلام- إلى الإيمان بالله ووحيه امتنعوا من ذلك وقالوا: لا نؤمن حتى نرى الله جهرة بأعيننا؛ فأنزل الله ناراً من السماء فقتلهم بها؛ بسبب ذنوبهم، ثم أحياهم من بعد موتهم لعلهم يشكرون، قال الله -تعالى- {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:55-56).

اتخاذهم العجل معبودًا

ومن مخازيهم أنهم اتخذوا العجل معبوداً لهم من دون الله، مع أنهم قد شاهدوا ما أحلَّ الله بالمشركين من العقوبة الأليمة والأخذة الرابية، ونبيهم حي بينهم لم يمت، وقد شاهدوا بأعينهم صانع العجل يصنعه ويصوغه ويصليه النار ويدقه بالمطرقة ويسطو عليه بالمبرد ويقلبه بيديه ظهراً لبطن، ومع ذلك كله عبدوه من دون الله، ولم يكتفوا بذلك حتى جعلوه إلهاً لموسى عليه السلام زوراً وبهتاناً {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} (طه:88)، يقول الله -تعالى-: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:51-52).

امتناعهم عن القتال

فهم مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله لديهم، مرةً يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله، ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون لا نصدِّقك حتى نرى الله جهرة، ولما أنجاهم الله من فرعون وسلطانه وظلمه وفرَق بهم البحر وأراهم الآيات والعجائب ونصرهم وآواهم؛ فلما دعاهم نبيهم إلى القتال امتنعوا من ذلك وقالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24).

عنادهم وكبرهم

ومن شنائعهم أنهم قيل لهم وهم مع نبيهم والوحي ينزل عليه من الله {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:58) -القرية: بيت المقدس - فأمروا أن يدخلوا على هذه الهيئة من التذلل والخضوع لله فأبوا إلا العناد والكبر فدخلوا مع الباب على أدبارهم يرجعون إليه القهقرى وقالوا: حنطة أي حبة من شعير، قال الله -تعالى-: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (البقرة:59).

قتلهم للأنبياء

ومن مخازيهم أنهم كانوا يقتلون الأنبياء الذين لا تُنال الهداية إلا على أيديهم، ويتخذون أحبارهم أرباباً من دون الله، ورموا نبي الله عيسى وأمه بالعظائم، وادَّعوا أنهم قتلوه {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء:155-158).

نسبوا إلى الله ما لا يليق

ومن مخازيهم أنهم نسبوا إلى الله ما لا يليق ووصفوه بما يتنزه عنه سبحانه، ومن ذلك قولهم: إن الله تعب واستراح لما خلق السماوات والأرض فأنزل الله في تكذيبهم قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (ق:38) أي من تعب. ومن ذلك قولهم: إن الله فقير ونحن أغنياء فأنزل الله قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (آل عمران:181)، وقالوا أيضاً {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة:64).

يدَّعون لأنفسهم الجنة

ثم هم مع هذا الكفر العظيم والبهتان المبين يدَّعون لأنفسهم الجنة، ويدَّعون أنهم أفضل خلق الله وأنهم شعبه المختار {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:111)، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} (المائدة:18).

سفال ونقص


ومما ينبغي أن نعلمه هنا أن اليهود من بعد محاولتهم قتل المسيح عيسى -عليه السلام- وصيانة الله له من ذلك وأمْرهم لا يزال في سفال ونقص إلى أن قطَّعهم الله في الأرض أمماً، ومزَّقهم كل ممزق، وسلبهم عزَّهم وملكهم، فلم يقم لهم بعد ذلك ملك إلى أن بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - فكفروا به وكذبوه، فأتمَّ الله عليهم غضبه ودمَّرهم غاية التدمير، وألزمهم ذلاًّ وصغاراً لا يُرفع عنهم إلى أن ينزل عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان فيستأصل شأفتهم، ويقتل بقيتهم، ويطهِّر الأرض منهم ومن عبَّاد الصليب.

لا تؤمَنُ بوائقهم

فهذا بعض ما جاء في القرآن الكريم من حال هذه الأمة، ليعرف المسلمون شيئاً من تاريخ هذه الأمة وأنهم لا تؤمَنُ بوائقهم، ولا تنتهي جرائمهم، ولا يسلمون في كل وقت وحين من البغي والعدوان، وليعرف المسلم قدر نعمة الله عليه بهذا الدين الحنيف وما منَّ الله عليه من نعمة العلم والإيمان. فلله الحمد أولاً وآخرا.