تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس

    قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس (1)

    الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر


    كلُّنا يعلم خطورة النفس وعظمَ شأنها، ويكفي إدراكًا لعظم هذا الأمر ما جاء في سورة الشمس؛ حيث أقسم الله -جل وعلا- بآياتٍ عظيمات ومخلوقاتٍ متنوعات أقسامًا متعددات على النفس؛ مفلِحها وغير مفلحها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس : 9-10)، يكفي هذا إدراكًا لعظم هذا الأمر، وأن الواجب على كل إنسان أن تعظم عنايته بنفسه تزكيةً لها، ومباعدةً لها عن التدسية؛ إذ النفوس نفسان:

    نفسٌ شريفة، همُّها المطالب العالية، والمنازل الرفيعة، والأعمال الفاضلة .

    ونفسٌ دنيئة تحوم حول الدناءات، وحقير الأشياء وخسيسها.

    ومن زكى نفسه؛ فقد أفلح، ومن دساها خاب وخسر، والحياة الدنيا معترك لهذا الأمر العظيم، والناس بين مفلح وخاسر؛ ولهذا كان متأكدًا على كل ناصحٍ لنفسه أن يعمل جاهدًا على تزكيتها، وزمِّها بزمام الشرع العظيم، وأطرها على الحق أطرا، حتى تصبح نفسًا زكية شريفة، وأن يحذر أشد الحذر من إهمالها، والتفريط في شأنها، لئلا يبوء بالخيبة والخسران، وهذا الباب -باب تزكية النفس- تكلم فيه أهل العلم كثيرًا وبيَّنوا فيه بيانًا شافيا، وما سأذكره -بإذن الله عز وجل- يُعد خلاصات مهمة في هذا الباب العظيم؛ حيث سأذكر عشر قواعد في تزكية النفوس مع مراعاة الاختصار؛ لأن كل قاعدة منها موضع تفصيل والحديث فيها يطول .

    توحيد الله -جل في علاه

    - القاعدة الأولى: إن أصل ما تزكو به النفوس توحيد الله -جل في علاه-؛ فهو أصل الأصول وأساس التزكية، ولا زكاة لنفسٍ دونه، وهو الغاية التي خلق الله -جل وعلا- الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها، قال -عز وجل-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(ا لذاريات:56)، وقال -سبحانه-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(الن حل:36)، وقال -تبارك وتعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(البينة :5)، وقال -جل وعلا-: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}(الزم ر:3) ، وقال -جل وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(ال أنبياء:25)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

    الوعيد الشديد

    ولقد توعَّد الله -جل وعلا- من لا يزكي نفسه بتوحيد الله الوعيد الشديد، قال -جل وعلا-:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}(فصلت : 6-7)، ومعنى {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} في قول أكثر المفسرين كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- أي: لا يوحدون الله؛ فالزكاة هنا التوحيد؛ وبهذا يُعلم أن التوحيد أصل زكاة العباد، وأنه لا زكاة لهم دونه، فإذا وُجد في العبد -عياذًا بالله- ضده وهو الشرك، بطل كل شيء عند العبد، وفسد وفارق الزكاة جملةً وتفصيلا، حتى لو قُدِّر أن عنده شيئا من الأعمال الصالحة، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(ا لمائدة:5)، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(الزمر:65)، وقال -تعالى-: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}(ا لتوبة:54) .

    فتوحيد الله -عز وجل- أصل التزكية وأساسها الذي عليه تقوم، ومثل التوحيد في تزكيته للنفس كالشجرة التي لا قيام لها ولا نماء إلا على أصلها؛ فإن فسد أصلها فسدت، وإن طاب طابت، قال الله -تبارك وتعالى-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم: 24-25)؛ فأصل تزكية النفوس توحيد الله -عز وجل- وضده أصل التدسية والخسران التام في الدنيا والآخرة .

    الدعاء مفتاح تزكية النفوس

    - القاعدة الثانية: الدعاء مفتاح تزكية النفوس؛ لأن زكاة النفوس بيد الله -جل في علاه-، {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}(النساء:4 9)، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}(النور:21) ، وقال -تعالى-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(الحجرات :7-8)، وقال -تبارك وتعالى-: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}(النساء :83)، وقال -تعالى-: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الحجرات:17)؛ فالأمر بيده، يهدي من يشاء، ويزكي من يشاء، ويضل من يشاء، الأمر أمره والخلق خلقه .

    اللجوء إلى الله -جل وعلا

    ولهذا كان مفتاح تزكية النفس اللجوء إلى الله -جل وعلا- لا تثق بنفسك ولا بفهمك ولا بعلمك ولا بذكائك وفطنتك، وإنما الجأ إلى الله -عز وجل- طالبًا منه -جل وعلا- أن يزكي نفسك، وأن يمن عليك بالزكاء والهداية؛ فالأمر بيده، قال أحد السلف: «تأملت في جماع الخير، فإذا الخير كثير الصلاة والصيام وغير ذلك، وإذا كل ذلك بيد الله؛ فأيقنت أن الدعاء جماع كل خير»؛ ولهذا من وفق صدقًا للدعاء، فقد وفق للخير {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(الب قرة:186)، قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر:60)، وقال -تعالى-: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}(إبرا هيم:39)، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء»؛ لأن الله تكفل بإجابة من دعاه وصدق في الالتجاء إليه -سبحانه وتعالى-؛ فهو لا يخيب من دعاه ولا يرد من ناداه، بل جاء في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- مِنَ الدُّعَاءِ»، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ». وفي هذا الباب، باب تزكية النفس، ثبت في صحيح مسلم من دعاء نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ؛ أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا»، وهي دعوة عظيمة للغاية، جديرٌ بكل مسلم أن يعنى بها مراتٍ وكرات في أيامه ولياليه، وكان من أكثر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس


    قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس (2)

    الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر


    تحدثنا في المقال السابق عن خطورة النفس وعظمَ شأنها، ويكفي إدراكًا لعظم هذا الأمر ما جاء في سورة الشمس؛ حيث أقسم الله جل وعلا بآياتٍ عظيمات ومخلوقاتٍ متنوعات أقسامًا متعددات على النفس؛ مفلِحها وغير مفلحها؛ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس :9-10)، وتحدثنا عن قواعد تزكية النفس وذكرنا منها توحيد الله تعالى، والدعاء، واليوم نستكمل تلك القواعد.


    القرآن الكريم منبع التزكية
    القرآن الكريم هو منبع التزكية وموردها العذب ومعِينها المبارك؛ فمن أراد زكاة نفسه؛ فليطلبها في كتاب الله، قال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: « تكفَّل الله لمن عمل بالقرآن، ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة ، ثم تلا قول الله -تعالى-: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه:123) القرآن الكريم، هو كتاب التزكية، أنزله -جل وعلا- لتُتدبر آياته، ويُهتدى بهداياته؛ فيزكو بذلك العباد {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ص:2 9)، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}( آل عمران:164)، تلاوةٌ للآيات يترتب عليها زكاة النفوس، قال الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسرا ء:9).

    وزكاة النفس لا تُنال بالقراءة المجردة، وإنما تنال بتلاوة القرآن حق التلاوة كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }(البقرة: 121)، وتلاوة القرآن حق التلاوة، كما أنها تتناول القراءة والفهم للمعاني؛ فإنها تتناول أيضًا العمل بالقرآن؛ فمن لم يعمل بالقرآن، وإن حفظه كله حفظًا متقنًا، لا يُسقط منه حرفا لا يكون من أهل القرآن، وإنما يكون من أهله باتباع القرآن والعمل به؛ ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ»، بهذا القيد «وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ» ، قال الحسن البصري -رحمه الله-: «أُنزل القرآن ليُعمل به؛ فاتخذ الناس قراءته عملا»، يعني اكتفوا من القرآن بمجرد القرآن، أي مع التفريط بالعمل الذي أنزل لأجله القرآن؛ ولهذا من وفقه الله -عز وجل- للعناية بالقرآن قراءةً وتدبرًا وعقلًا لمعاني القرآن وهداياته ودلالاته وعملًا به؛ فقد تزكى ووُفق للزكاء ونالها؛ لأنه أخذها من معينها ومنبعها وموردها .


    اتخاذ الأسوة والقدوة
    اتخاذ الأسوة والقدوة، لابد لمن أراد أن يزكي نفسه أن يكون له قدوة، يأتمَّ به، ويهتدي بسيرته وسلوكه ونهجه، قد قال الله -سبحانه وتعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزا ب:21)؛ ولهذا باب التزكية للنفس لابد فيه من سلوك نهج النبي صلى الله عليه وسلم ، والاهتداء بهديه والاقتداء بسنته، والاتباع لسيرته صلى الله عليه وسلم؛ فهو إمام المتقين، وقدوة عباد الله أجمعين -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-؛ ولما سُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خُلقه القرآن» والمعنى: أن جميع الأخلاق، والآداب، والأعمال، والخصال التي في القرآن، أتى بها صلى الله عليه وسلم على أتم أحوالها وأكملها؛ فهو قدوة للعالمين في كل خصال الخير وخلاله.

    وأصحاب الطرق الباطلة الضالة نَحَوْا بأتباعهم منحىً منحرفًا ضالا حينما ربطوهم بأناس أوردوهم موارد الخرافة والضلال حينما اتخذوهم قدوة؛ ولهذا باب تزكية النفس ونيل زكاتها، لابد فيه من إمام ، والإمام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤتم به وبمن سار على نهجه وبمن كان متبعًا له؛ فمن كان متبعا له صلى الله عليه وسلم، يؤتم به؛ لأنه مؤتم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وفي دعوات عباد الرحمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(الفرقا ن:74)، قال أهل العلم: لا يكون المرء إمامًا للمتقين بعده، حتى يكون هو في نفسه مؤتمًا بالمتقين قبله، فإذا ائتم بالمتقين صار أهلا؛ لأن يؤتم به؛ ولهذا باب القدوة باب مهم جدا، والقدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)؛ فيؤتم به، ويؤتم بمن كان مؤتمًا بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ائتم بالرسول صلى الله عليه وسلم وسار على منهاجه القويم صلى الله عليه وسلم.

    وبهذا أيضا يُعلم أن المسالك المدعاة لتزكية النفس عند أصحاب الطرق الضالة، هي في حقيقتها تبعد المرء عن الزكاة، ويكفي في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
    التزكية تخلية وتحلية
    تجمع هذين الأمرين: تخلية وتحلية، لا تكون الزكاة إلا بهما؛ تخلية أي للنفس عن الصفات الذميمة والخصال القبيحة والأعمال المشينة والتصرفات الرديئة، وتحلية لها بطيِّب الخصال وصالح الأعمال وسديدها، قال الله -سبحانه وتعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة:103) فذكر الأمرين التطهير والتزكية؛ التطهير الذي هو تخلية النفس من الصفات الذميمة والخصال السيئة، وتحليتها أي بطيِّب الخصال وحسن الصفات.

    وعليه فإن من أراد أن يزكي نفسه يحتاج في هذا المقام إلى نوعين من المجاهدة: الأول مجاهدة النفس على البعد عن الصفات الذميمة والخصال المشينة، يقول صلى الله عليه وسلم -كما في الترمذي وغيره-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْقُرْآنِ: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين:14)»؛ ولهذا يحتاج من يزكي نفسه أن يجاهدها أولا على تخليتها من الصفات الذميمة، ومن ثم تحليتها بطيِّب الخصال وحسن الأعمال.
    إغلاق المنافذ
    إغلاق المنافذ التي تُبعد النفس عن التزكية وتوقعها في التدسية؛ وهي كثيرة جدًا ولاسيما في زماننا، وتأمل في هذا الحديث الذي في المسند وغيره وهو حديث صحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلاَ تَعُوجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، قال عليه الصلاة والسلام: وَالصِّرَاطُ الإِسْلاَمُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللهِ، وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللهِ -ولهذا تقدم معنا أن الكتاب العزيز هو كتاب التزكية- وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» وهذه من النعم، المسلم المستمسك بدينه إذا جنحت نفسه إلى شيء من المعاصي يجد في قلبه نفرةً يجد انقباضًا، لكنه إذا استمرأ المعصية وانغمس فيها تبلَّد هذا الإحساس وتعطل هذا الواعظ في نفسه.

    أبواب كثيرة
    الشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في هذا الحديث أن هناك أبواباً كثيرة وهذه الأبواب ليس عليها أقفال وتحتاج إلى وقت لتُفتح ويُدخل وإنما عليها ستور مرخاة، وأنت تعلم أن الباب الذي عليه ستارة لا يأخذ وقتا في الدخول، الداخل يلمسه بطرف كتفه ويدخل. فإذًا الانحراف والانزلاق إلى خارج الصراط من هذه الأبواب أمرٌ خطِر؛ ولهذا يحتاج العبد الذي يهمه أمر زكاة نفسه أن يحذر من هذه المنافذ والمداخل. أرأيت إن كنت في بيتك ونافذة البيت مفتوحة أو في سيارتك ونافذة سيارتك مفتوحة فمررت بمكان فيه رائحة مؤذية كيف أنك تبادر إلى إغلاق النافذة حتى لا تصل إليك الرائحة!! سلامة الدين أهم، وإغلاق المنافذ التي تُعطب الدين وتفسده أهم، وصيانته أولى، ورعايته مقدَّمة؛ ولهذا لابد من التنبيه أن قضية المنافذ التي تحرف الإنسان عن الصراط المستقيم استجد منها في زماننا هذا نوع من المنافذ لم يكن له وجود في زمان سابق، وهي المنافذ التي في الأجهزة الحديثة عندما يفتح الإنسان جواله التي تسمى (الأجهزة الذكية) وفيها ذكاء ولكن الذكاء عليه خطر مع هذه الأجهزة إلا من سلَّمه الله؛ لأن فيها منافذ كثيرة جدا، أحيانا يدخل الإنسان ليبحث عن معنى آية في القرآن أو معنى حديث في القرآن وإذا به في وادٍ من أودية الضلال بل أودية، وكل شيء منها يجر إلى آخر، إذا لم يمسك المرء بنفسه رعايةً لزكاتها ومحافظة عليها أهلكته هذه الأجهزة بما فيها من منافذ خطيرة جدًا؛ ولهذا من أهم ما يكون في هذا الباب باب تزكية النفس العمل على إغلاق المنافذ، العوام لهم كلمة جميلة في هذا الباب يقولون: «الباب اللي يجيك منه ريح سدَّه واستريح»، هذا حقيقةً هو مبدأ مهم في باب تزكية النفس، أما أن يطلق الإنسان لبصره وسمعه العِنان ثم بعد ذلك يقول قلبي فيه وفيه! القلب إنما يتغذى من البصر والسمع: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).

    تذكر الموت وما بعده
    قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر:18)، والآية تُعدُّ أصلًا عظيًما في هذا الباب باب التزكية للنفس والمحاسبة لها، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» يعني الموت. قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: «لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت على قلبي أن يفسد»، والموت: هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، بين دار العمل ودار الجزاء على العمل، «فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ»، وتذكُّر الموت نافع جدًا للعبد في تزكية نفسه، «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ» هذا مهم جدا في باب تزكية النفس؛ أن يذكِّر المرء نفسه بالموت، والموت آتٍ ولا يدري المرء متى إتيانه، قد يكون المرء شابًا يؤمِّل أن يجاوز في العمر السبعين ولا يدري أن موته في الغد أو في اليوم نفسه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (لقمان:34) فلا يغتر شاب بشبابه ولا صحيح بصحته ولا قوي بقوته، بل ينبغي أن يذكر نفسه بالموت وما بعده ليُعد ما بعد الموت العدة {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة:197).

    روى سفيان بن عيينة عن إبراهيم التيمي -رحمه الله- قال: «تمثلت -يعني تخيلت وتصورت- أنني في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم تخيلت نفسي أنني في النار أعاني من حميمها وغساقها وآلامها، ثم خاطبت نفسي وأنا في هذا التصور والتخيل قلت: يا نفس ماذا تريدين؟ قالت أريد أن أرجع إلى الدنيا لأعمل صالحًا غير الذي كنت أعمله، فقلت لها: يا نفس أنت الآن في الأمنية فاعملي»؛ فعلًا هذا كلام عظيم جدا، وقل أيضا لنفسك: يا نفس إن أنا مت من يصلي عني؟ من يصوم عني؟ من يتوب إلى الله عني من تفريطي وتقصيري في جنب الله -سبحانه وتعالى؟ وماذا تنفع الحسرة والندامة للمرء إذا لقي الله -عز وجل- بذنوبه وخطاياه ومعاصيه؟ فالحاصل أن ذكر الموت وما بعده أمرٌ غاية في الأهمية في باب تزكية النفس.

    تخير الجلساء والرفقاء
    فإن الصاحب ساحب ومؤثر في صاحبه ولابد، والله -تعالى- يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف:28)، وفي هذا الباب يقول نبينا صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وغيره «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»؛ «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ» أي أن الخليل مؤثر في خليله ولابد؛ ولهذا قال ابن مسعود «اعتبروا الناس بأخدانهم» لأن الصاحب يؤثر في صاحبه والجليس يؤثر في جليسه، «فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» أي أن هذا الباب بابٌ ينبغي أن يتفقه فيه المرء؛ فلا يصاحب كل أحد، قال الحسن البصري: «ليس للمؤمن أن يصاحب كل من شاء» وإنما يصاحب من يعينونه على الخير، ويشدون من أزره على طاعة الله -سبحانه وتعالى-» ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».


    قواعد تزكية النفس

    1 - توحيد الله أصل التزكية
    2 - الدعاء مفتاح التزكية

    3 - القرآن الكريم منبع التزكية
    4 - اتخاذ الأسرة والقدوة
    5 - التزكية تحلية وتحلية
    6 - إغلاق موانع التزكية
    7 - تذكر الموت وما بعده
    8 - تخير الجلساء والرفقاء

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس


    قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس (3)

    الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر



    كلُّنا يعلم خطورة النفس وعظمَ شأنها، ويكفي إدراكًا لعظم هذا الأمر ما جاء في سورة الشمس؛ حيث أقسم الله -جل وعلا- بآياتٍ عظيمات، ومخلوقاتٍ متنوعات، أقسامًا متعددات على النفس، مفلِحها وغير مفلحها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس :9-10)، يكفي هذا إدراكًا لعظم هذا الأمر، وأن الواجب على كل إنسان أن تعظم عنايته بنفسه تزكيةً لها ومباعدةً لها عن التدسية، وقد ذكرنا في المقالين السابقين، ثماني قواعد من القواعد العشر في تزكية النفس، واليوم نكمل ما بدأناه.

    الحذر من تزكية النفس
    من القواعد المهمة الحذر الشديد من التزكية للنفس، بمعنى ادِّعاء زكاة النفس، مهما أوتي الإنسان من طاعة وعبادة وعمل؛ فعليه في كل أحواله أن يرى نفسه مقصرًا كما قال الله -تعالى-: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}(النجم:32) ؛ ولهذا فإن الله -جل وعلا- ذكر في صفات المؤمنين الكمَّل في سورة المؤمنون قال : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60)} والمعنى: يقدِّمون ما يقدِّمون من طاعات وقلوبهم خائفة ألا تُقبل منهم، جاء في المسند وغيره أن عائشة -رضي الله عنها- سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية قالت : يا رسول الله أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي وَهُوَ يَخَافُ أَلَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ»، الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(ا لمائدة:27) .
    وتأمّل في هذا الباب قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البق رة:127)، نقل ابن كثير عند هذه الآية عن وهيْب بن الورد: «أنه قرأ هذه الآية وبكى قال: خليل الرحمن ويبني بيت الرحمن بأمر الرحمن وهو خائف ألا يُقبل!!»، صدّيق الأمة رضي الله عنه كما في الصحيحين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي وفي رواية وبيتي»؛ فماذا علمه؟ قَالَ: «قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، وليُعلم أن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل الناس بعد النبيين في كل الأمم، ليس فقط هو أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل هو أفضل الناس بعد النبيين في كل الأمم -رضي الله عنه وأرضاه .
    تكميل العمل ورعايته
    فالعبد في هذا الباب -باب التزكية للنفس- يجتهد مع نفسه في تكميل العمل ورعايته لنفسه، والعمل على إصلاحها، لكن لا يزكي نفسه، بل في كل مرة يرى أنه لا يزال مقصرًا، لا يزال مفرطًا، إن لم يكن كذلك أصابه -والعياذ بالله- داء العُجب، ودخل في الرياء، وأعمال من الأعمال التي هي من خوارم النية، وموجبات فساد العمل؛ فالعبد في هذا المقام يعمل على إصلاح نفسه، لكن لا يزكي نفسه، يقول الحسن البصري: «المؤمن جمَع بين إحسانٍ ومخافة، والمنافق جمع بين إساءةٍ وأمْن» .
    معرفة النفس وصفاتها
    مما يعين المرء على سياسة نفسه وإصلاها معرفة صفاتها؛ فالنفس لها صفات، وجاء ذكرها في القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فيحتاج العبد في مقام التزكية للنفس، أن يعرف النفس، وأن يعرف صفات النفس، قد ذكر الله -جل وعلا- للنفس في القرآن ثلاث صفات:
    النفس المطمئنة
    فذكر -سبحانه وتعالى- النفس المطمئنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}(الف جر:27-28)، نسأل الله لنا أجمعين من واسع فضله، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرع د:28)، النفس المطمئنة: هي التي اطمأنت وسكنت بطاعتها لله، وذلها بين يديه، وخضوعها له -سبحانه وتعالى- وامتثالها لأوامره .
    النفس اللوامة
    وذكر - سبحانه وتعالى- النفس اللوامة {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}(ا لقيامة:2)، والنفس اللوامة: هي التي تلوم صاحبها على تقصيره في واجب أو ارتكابه لمحرم، وهذا من علامات الخير في النفس، لكن إذا تمادى في عصيانه وآثامه تعطل هذا المعنى، ولم تصبح حينئذ نفسه لوامةً، كما مر معنا في الحديث المتقدم قال: «ذلك وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ».
    النفس الأمارة بالسوء
    والصفة الثالثة من صفات النفس: النفس الأمارة بالسوء {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}(يوسف:53)، والنفس الأمارة بالسوء: هي التي تأمر صاحبها بالشر والفساد وتستحثه على المعاصي والآثام وتورده المهالك .
    هذه صفات للنفس بحسب أحوالها؛ ولهذا في اليوم الواحد، قد تكون النفس لوامة، ثم تصبح مطمئنة، والعكس كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا»، هذه أحوال للنفس في تقلباتها؛ فإذا عرف المرء صفات النفس، يتفقد نفسه، ويتأمل في أحوالها وصفاتها، هل هي أمارة بالسوء؟ فإن كانت كذلك؛ فليعلم أن في طاعته لها هلاكه وعطبه في الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسًا اطمأنت بطاعة الله يحمد الله على هذا الفضل العظيم، ويسأل الله الثبات على ذلك، ويحذر من المنعطف والانحراف، سائلا ربه -سبحانه وتعالى- أن يثبته على الحق والهدى.


    قواعد تزكية النفس

    1 - توحيد الله أصل التزكية
    2 - الدعاء مفتاح التزكية
    3 - القرآن الكريم منبع التزكية
    4 - اتخاذ الأسرة والقدوة
    5 - التزكية تحلية وتحلية
    6 - إغلاق موانع التزكية
    7 - تذكر الموت وما بعده
    8 - تخير الجلساء والرفقاء
    9 الحذر من تزكية النفس
    10 معرفة النفس وصفاتها

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •