دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه


محمد الشريف



الحوار الهادئ كان أسلوب الرسول[ الأول في نشر دعوته في مكة وخارجها، فلم يذكر أبداً أن الرسول[ وقف موقفاً متشنجاً متخلياً فيه عن الحوار الهادئ، ولجأ إلى أسلوب آخر مع الناس الذين كان يدعوهم إلى الإيمان بالتوحيد وبرسالته الخاتمة.

رغم كثرة الأذى الذي تعرض له الرسول[ من قبل قريش من استهزاء وسخرية واتهام ورمي بالأوساخ وغيرها من الأساليب، إلا أن الرسول[ لم يتخل عن الحوار كخط عام وأساس في طرح رسالته ودعوة الناس إليها.

لقد وقفت قريش هذا الموقف الإرهابي العنيف من الرسول[ بعد أن أدركت أنها ستهزم بالحوار، وأنها عاجزة عن الوقوف أمام منطق الرسالة والرسول[؛ لذلك لجأت إلى العنف، والإرهاب، والتشكيك، ورمي الرسول[ بشتى التهم الباطلة كالسحر والجنون وغيرهما من تهم العاجزين، وهي تعلم كل العلم أن كل تلك التهم باطله مفتراة عليه[ ، لكنه العجز عن مجاراته والوقوف أمام دعوته الإلهية التي يحركها في الوسط الاجتماعي من خلال العقل والوجدان.

وخلال تلك السنوات كانت قريش تبذل كل جهودها من أجل قتل الحوار وقطع كل الطرق أمام حركة الفكر؛ فقد لجأت إلى التشويش ومنع أصحاب الرسول[ من قراءة القرآن الكريم؛ لكي تمنع الناس من الاستماع إلى كلام الله، يروي ابن هشام في سيرته قصة إسلام الطفيل بن عمرو الروسي فيقول: كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث: أنه قدم مكة ورسول الله[ بها فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، فقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا وهذا - الرجل يقصدون الرسول[ - الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالساحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، فلا تسمعن منه شيئاً.

قال: فوالله مازالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه ، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسفاً؛ فَرَقاً من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.


قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله[ قائم يصلي عند الكعبة.. فقمت منه قريباً فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.. فسمعت كلاماً حسناً.. فقلت في نفسي: والله إني رجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمعني من أن أسمع هذا الرجل، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.. فمكثت حتى انصرف رسول الله[ إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، قالوا لي كذا وكذا - للذي قالوا - فو الله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلاً أسمع قولك، فأبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً، فاعرِضْ علي أمرك.

قال: فعرض علي رسول الله[ ، الإسلام وتلا عليّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً أحسن منه ولا أمراً أعدل منه؛ فأسلمت وشهدت شهادة الحق.