{ليس كمثله شيء}

أسماء عبد العزيز العجيري





مما لا شك فيه أن لله تبارك وتعالى أسماء حسنى وصفات عُلا؛ قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف)، فصفات الله تعالى صفات كمال لا نقص فيها فهو المنزه عن كل عيب ونقص، وهو المنزه عن كل مثيل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى)، فالله - تبارك وتعالى - في هذه الآية أثبت لنفسه صفتين وهما صفتا السمع والبصر، ونفى المماثلة، وذلك من آثار عظمته - تبارك وتعالى - إذ لا أحد يماثله؛ فهو مغاير لخلقه سبحانه.

فإن قال معترض: كيف تكون لذات الله تعالى صفات؛ فذاته قديمة وصفاته قديمة ويؤدي ذلك إلى تعدد القدماء، وهذا هو الشرك بعينه؟ فإننا نقول: مبنى قولك هو اعتقادك بوجود ذات مجردة عن الصفات أو صفات مجردة عن الذات، وهذا غير صحيح؛ فذات الله تبارك وتعالى قديمة وصفاته تبع لتلك الذات غير منفصلة عنها، فلا يؤدي ذلك إلى تعدد القدماء، وكذلك الله تبارك وتعالى أثبت لنفسه هذه الصفات كما قال سبحانه: {وهو السميع البصير} (الشورى)، {إنه هو السميع العليم} (فصلت)، فنثبت نحن ما أثبته تعالى لنفسه؛ لأنه هو أعلم بنفسه، من غير تحريف ولا تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف.

وإن قال معترض: كيف نصف الله تعالى بصفتي السمع والبصر، وللبشر الصفتان نفسهما؟ نقول: لله صفات عليا تليق بجلاله وكماله لا تماثل صفات المخلوقين؛ فنحن نؤمن بها ونعلم معناها ولكن لا نعلم كيفيتها، فنعلم معنى السمع والبصر ولكن لا نعلم الكيفية؛ لأن عقولنا قاصرة عن إدراك ذلك، فالله سبحانه وتعالى أخبر بأن له سمعا وبصرا ووجها ويدا وساقا وأنه عليم حكيم، وأخبر عنه رسوله[ أنه يفرح بتوبة عبده وأنه يضحك - تبارك وتعالى - وصفات كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها في هذا المقال؛ لأنها عديدة وعظيمة، وإنما نحن بصدد إثباتها لله تعالى وأنه متصف بها، فالإنسان عندما يقرأ صفات الله تعالى فهو أمام أمور عدة لا بد أن يختار من أحدها: إما ان ينكرها وهذا هو الكفر بعينه، وإما أن يؤولها وهذا لا وجه له؛ لأن التأويل هو صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر، وهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، وإما أن يؤمن بها ويدعي العلم بكيفيتها، وهذا افتراء على الله تعالى؛ لأنه من أين له العلم بكيفيتها؟! فالعلم لا يأتي إلا بالخبر أو بالمشاهدة، ولا خبر في الكيفية ولامشاهدة، وإما أن يؤمن بها ويعلم معناها ويجهل كيفيتها، وهذا هو الصراط المستقيم الذي جاء به النبي[، وقلنا: نعلم معناها؛ لأن الله تعالى يخاطب الناس بما يفهمونه؛ لذلك أرسل كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، وطلب منهم تبارك وتعالى تفويض كيفيتها {ليس كمثله شيء}، كما قال الشيخ القحطاني في نونيته :

والله يضحك لا كضحك عبده
والكيف ممتنع عن الرحمن
عندما يعلم الإنسان أن الرب تبارك وتعالى له صفات عليا كصفة السمع والبصر والعلم والحكمة يعيش مرتاح البال قرير العين غنيا عن الناس عزيز النفس، فكل حادثة تمر عليه يتذكر أن له ربا يسمع نجواه وشكواه ويعلم أنه يعلم حاله ومطلع على ألمه وهو أرحم به من الأم بولدها، ويعلم أن ما أصابه بذلك إلا لحكمة أرادها الحكيم يعلمها الإنسان أو لم يعلمها، ظاهرة له في الحياة الدنيا أو لم تظهر له، فالأمر كله يرجع له سبحانه وكفى بالله وكيلا {أليس الله بكاف عبده} (الزمر)؛ فالإنسان ما عليه إلا أن يفوض أمره لربه العليم الذي قال عن نفسه: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} (يونس).