[JUSTIFY]
باحث شرعي
بسم الله الرحمن الرحيم
( سوق عكاظ )
من الأعياد الجاهلية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فهذا بحث مختصر عن ( سوق عكاظ ) تاريخه ، وحكم إحيائه ... رأيت نشره لحاجة الناس إليه في هذا الزمن ، ومن الله وحده أستمد العون والتوفيق .
سمي بهذا الاســـم لأن العرب كانت تجتمع فيه فيتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون [1].
مكانه :
قال الأزر قي : وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة ، على طريق صنعاء[2].
وقال ياقوت : قال الأصمعي : عكاظ : نخل في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة ، وبينه وبين مكة ثلاث ليال ٍ ، وبه كانت تقام سوق العرب ، بموضع منه يقال له ( الأثيداء ) ، وبه كانت أيام الفجار [3].
وقد اختلفت آراء المؤرخين والجغرافيين في تحديد موضع ( سوق عكاظ ) .
لكن حسم الخلاف في هذا الزمن بتحديده في مكان على طريق الطائف باتجاه الرياض على بعد 45كم تقريباً[4].
زمانه ، ومدته :
يكاد يجمع من كتب في ( سوق عكاظ ) أنه يبدأ في أول شهر ذي القعدة إلى العشرين منه .
وذكر ابن عساكر عن حكيم بن حزام ررر قوله : وكنت أحضر الأسواق ، وكانت لنا ثلاثة أسواق : سوق بعكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة ، فيقوم عشرين يوماً ..... أ.هـ [5].
مظاهره :
يعتبر ( عكاظ ) سوقاً لكل البضائع المادية والأدبية ، فإضافة إلى البضائع المادية كالتمر والسمن والعسل والخمر والملابس والإبل .... فهو سوق للبضائع الأدبية ، فيأتي الشعراء بقصائدهم لتعرض على محكمين من كبار الشعراء ، معظمهم أو كلهم من قبيلة بني تميم .
وفي عكاظ المفاخرة والمنافرة بين الناس .
وربما قامت حروب بسبب منافرات قيلت في السوق كحرب الفٍجَار .
ومن الممكن أن يرى زائر السوق بعض الآباء يعرض بناته للتزويج .
وقد يحضر السوق بعض الخطباء المصاقع ، كقس بن ساعدة الإيادي .
ودخله النبي (ص) يعرض نفسه على القبائل ليحموه فيبلغ دعوة ربه .
أما شعاره الديني : فكان في موقع ( عكاظ ) صنم ( جهار ) لهوازن ، وكان سدنته آل عوف النصريون ، وكانت معهم [ محارب ] فيه ، وكان في سفح جبل ( أطحل ) ، وكانت هناك أيضاً صخور يطوفون بها ويحجون إليها ، وبها دماء البدن كالأرحاء العظام .
والعرب تهل له كما تهل للحج ، ولهم تلبية خاصة حين ينسكون لجهار ، وهي ( لبيك اللهم لبيك ، اجعل ذنوبنا جبار ، واهدنا لأوضح المنار ، ومتعنا وملّنا بجهار ) .
وعكاظ يعتبر موسماً من مواسم الحج في الجاهلية ، فكانوا يذهبون إليه قبل منى .
قال الأزرقي : وكانوا يرون أن أفجر الفجور العمرة في أشهر الحج ، تقول قريش وغيرها من العرب : لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج [6].
فتبين من ذلك أن ( عكاظ ) موسم من مواسم الحج عند العرب في جاهليتها يسبق الوقوف بعرفة ، ولأجل هذا التجمع الكبير لهؤلاء الحجاج استغل سوقاً أدبياً وتجارياً [7].
نهاية ( سوق عكاظ ) :
في المسألة قولان :
الأول :
قال الخليل بن أحمد ( ت 175 هـ ) : عكاظ اسم سوق كان للعرب يجتمعون فيها كل سنة شهراً ويتناشدون ويتفاخرون ، ثم يفترقون ، فهدمه الإسلام [8].
وقال الجاحظ ( ت255هـ ) : ... وكانوا بقرب سوق عكاظ وذي المجاز ، وهما سوقان معروفان ، ومازالا قائمين حتى جاء الإسلام [9].
وقال الجوهري ( ت 393 هـ ) : عكاظ : اسم سوق للعرب بناحية مكة ، كانوا يجتمعون بها في كل سنة فيقيمون شهراً ويتبايعون ويتناشدون شعراً ويتفاخرون ، قال أبو ذؤيب:
إذا بني القباب على عكاظ وقام البيع واجتمع الألوفُ
أي بعكاظ ، فلما جاء الإسلام هُدم ذلك [10].
وقال ابن منظور ( ت 711 هـ ) : وهي بقرب مكة ، كان العرب يجتمعون بها كل سنة فيقيمون شهراً يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون ، فلما جاء الإسلام هدم ذلك [11].
والقول الثاني :
أن الأسواق الثلاثة ( عكاظ ومجنة وذو المجاز ) استمرت حتى خرج الحرورية فخربوها.
وممن قال بذلك :
الكلبي ، حيث قال : وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنة وذي المجاز قائمة في الإسلام حتى كان حديثاً من الدهر ، فأما عكاظ فإنما تركت عام خرجت الحرورية بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأزدي الإباضي في سنة تسع وعشرين ومائة ، فخاف الناس أن ينهبوا ، وخافوا الفتنة ، فتركت حتى الآن ، ثم تركت مجنة وذو المجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفة .[12]
وقال البكري : واتخذت سوقاً ( أي عكاظ ) بعد الفيل بخمس عشرة سنة ، وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومائة إلى هلم جرا [13].
وسبب اندثاره بالإســلام ، أمران :
الأول :
أن الإسلام يمنع من إحياء مآثر الجاهلية ، وسوق عكاظ كما تقدم عيدٌ من أعياد أهل الجاهلية .
وفي حديث ثابت بن الضحاك ررر قال " نذر رجل على عهد رسول الله (ص)أن ينحر إبلاً ببوانة [14]فأتى النبي (ص) فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة ، فقال النبي (ص)( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا ، قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا ، قال : فأوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ، ولا فيما لايملك ابن آدم [15]) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فقول النبي (ص)( هل كان بها عيد من أعيادهم ؟ ) يريد اجتماعاً معتاداً من اجتماعاتهم التي كانت عيداً ، فلما قال : لا ، قال له : ( فأوف بنذرك ) ، وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر ، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك ، وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال ، ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها ، أو لمشاركتهم في التعييد فيها ، أو لإحياء شعار عيدهم فيها ، ونحو ذلك ، إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه [16]"
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل كتاب التوحيد : السادسة : "المنع منه ( أي النذر ) إذا كان فيه وثن من أوثان الجاهلية ولو بعد زواله " .
قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله في شرح هذه المسألة : " أي لقوله ( فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية ؟ ) ولو لم يكن ذلك مؤثراً لما حسن السؤال عنه ، ولم يفرق بين كونه موجوداً الآن أو فيما مضى [17]"
قلت : وإحداث الاجتماع بعكاظ ، مع اللعب ، والغناء ، والبيع ، والشراء ، كما هو معمول به في هذه الأعصار ، أوضح في التشبه بأعياد المشركين ، وإحياء أعيادهم الجاهلية التي محاها الإســــــــلام .
فإن قال قائل : إن الذين يجتمعون الآن لا يتعبدون الله كما في حديث الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة .
فالجواب : أن النبي (ص) سأله عن وجود عيد من أعياد الجاهلية ، والأعياد تجمع العبادة واللعب والاجتماع ، فإذا خلت من العبادة فلا تخلوا من الاجتماع واللعب ، وهذا حاصل في سوق عكاظ الآن .
ثم إن النبي (ص) لما هاجر إلى المدينة وجدهم يلعبون في يومين ، فقال ( ماهذان اليومان ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال (ص) قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر [18]) .
ولم يذكر لأهل المدينة عبادة في هذين اليومين الجاهليين ، فدل على أن العيد قد يجمع عبادة وعادة ، وقد يختص بعادة دون عبادة .
الثاني :
هو أن الإسلام لما جاء اعتمد الشهور القمرية ، فصارت الشهور تدور في الفصول الأربعة ، وكانت العرب قبل ذلك يعملون على تثبيت تلك الأسواق في مواسم ثابتة من السنة لمصلحة مايجبى إلى السوق من محاصيل الزراعة والغلات والنتاج ووفاء الديون وما إلى ذلك [19].
وهذا هو النسيء الذي ذكره الله تعالى عنهم .
ويؤيد المقريزي هذا الرأي حيث يقول : وكان يقع حج العرب في أزمنة السنة كلها ، وهو أبداً عاشر ذي الحجة من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، فإذا انقضى موسم الحج تفرقت العرب طالبة أماكنها ، وأقام أهل مكة بها ، فلم يزالوا على ذلك دهراً طويلاً إلى أن غيروا دين إبراهيم وإسماعيل ، فأحبوا أن يتوسعوا في معيشتهم ، ويجعلوا حجهم في وقت إدراك شغلهم من الأدم والجلود والثمار ونحوها ، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة في أطيب الأزمنة وأخصبها ، فتعلموا كبس الشهور من اليهود الذين نزلوا يثرب من عهد " شمويل " نبي بني إسرائيل ، وعملوا النسيء قبل الهجرة بنحو مائتي سنة ...الخ [20].
نموذج من احتساب العلماء :
قال عاتق بن غيث البلادي :
وفي سنة 1395هـ قررت رعاية الشباب إحياء سوق عكاظ ، ودعت كبار الأدباء والكتاب إلى مؤتمر عقد في الرياض ، فقرروا الدعوة إلى مؤتمر في مكان حدد بأسفل ( شرب ) كما قدمناه ، يشترك فيه أهل الأدب والفن والتجارة ، على أن يقام كل صيف ، ومن المؤمل أن يتم ذلك في السنة المقبلة 1396هـ باسم سوق عكاظ .
كان هذا القول أثناء تبييض هذا الجزء ، ولكن حتى الآن سنة 1401هـ لم يتبين شيء ، وقد اعترض بعض العلماء على الفكرة فجمدت ، والفكرة ليست ذات فائدة كبيرة ، وليست لها حاجة دنيوية ملحّة ، أما من الناحية الدينية فقد تحمل بذوراً سيئة .[21]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القاموس المحيط ( 2/411) .
[2] أخبار مكة ( 1/283) .
[3] معجم البلدان ( 4/142) وانظر الكامل لابن الأثير ( 1/359 ، 360 ) .
[4] انظر : مواسم العرب ، لعرفان محمد حمور ( 2/790) .
[5] تهذيب تاريخ ابن عساكر ( 4/417) .
[6] أخبار مكة ( 1/284،285) .
[7] ينظر : أخبار مكة ( 1/280 ) ومعجم البلدان ( 4/142 ) وتهذيب تاريخ ابن عساكر ( 4/417) وشفاء الغرام للفاسي ( 2/341) وبلوغ الأرب للألوسي ( 1/267 ) وسوق عكاظ د. ناصر الرشيد ، وأسواق العرب لسعيد الأفغاني ( ص 277 ) والموسوعة العربية العالمية ( 2/138 ) .
[8] كتاب العين ( 1/195 ) .
[9] الحيوان ( 7/ 215 ) .
[10] الصحاح ( 3/1174 ) .
[11] لسان العرب ( 7/ 447 ) .
[12] أخبار مكة للأزر قي ( 1/ 283 ) .
[13] معجم ما استعجم ( 3 / 959 ) .
[14] بوانة : هضبة وراء ينبع ، وقيل غير ذلك ، معجم البلدان ( 1/505 ) .
[15] أخرجه أبو داود ( تهذيب 4/382ح 3172 ) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : بسند صحيح ، تلخيص الحبير ( 4/180) .
[16] اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/442) .
[17] التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد ( ص 82 ) .
[18] أخرجه أبو داود رقم ( 1134 ) والنسائي ( 3/179 ) بإسناد صحيح كما في بلوغ المرام ص 99 .
[19] انظر : مواسم العرب ( 2/955 ) .
[20] الخطط ( 2/60) وانظر : فتاوى شيخ الإسلام ( 25/140 ) وتاريخ الجبرتي ( 1/ 3 ) .
[21] معجم معالم الحجاز ( 6/152) .[/JUSTIFY]