من أسباب توحيد الأمة تقوى الله والإنابة إليه وتوحيده التوحيد الخالص

الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر


قال الله -تعالى-: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، لاشك أن كل مسلم يتطلَّع غاية التَّطلُّع إلى تحقيق هذا المطلَب الجليل، وهذا الهدف العظيم وهو توحيدُ كلمة المسلمين، وجمعُ صفِّهم، ولمُّ شعَثِهم، وجمعهم على كلمةٍ سواء، لاشكَّ أنَّ كلَّ مسلم يتطلَّع إلى تحقيق هذا الأمر وإلى القيام به، وفي صدد القيام بهذا المطلب نجد في السَّاحة حلولًا كثيرة، وآراءً متفرِّقة، واتِّجاهات متباينة في تحديد العلاج النَّاجع والسَّبيل الأقوم في جمع كلمة المسلمين ولمِّ صفِّهم وجمع شتاتهم، هناك حلول كثيرة ذكرنا منها عدة: إقامة الدين، والعلم، واليوم نكمل الحديث عن هذه الأسباب.

الإنابة إلى الله -تعالى

قال -تعالى-: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}(الروم:3 1)، وهذا سبب ثالث أو حلٌّ ثالث لمسألة الفُرقة الَّتي تقع بين المسلمين؛ فمن الحلول المهمة لها الإنابة إلى الله - تبارك وتعالى- وأن يُدْعَى المتفرِّقون والمفارقون والمختَلفون جميعهم إلى الإنابة إلى الله، يُقال لهم: ارجِعوا إلى الله، عودوا إلى الله، عودوا إلى دين الله، اعتصموا بكتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول محمَّد بن شهاب الزُّهري -رحمه الله-: «كان مَن مضى من عُلمائنا يقول: الاعتصام بالسُّنَّة نجاة»؛ فَيُدْعون هؤلاء إلى الإنابة إلى الرُّجوع إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقال لهم: أنيبوا إلى ربكم ، دَعُوا مخالفة الكتاب والسُّنَّة، عودوا إلى الكتاب والسنة؛ فهذا حلٌّ من أعظم الحلول لمسألة الفُرقة الَّتي تقع بين المسلمين.

تقوى الله -عز وجل

ثمَّ ذكر علاجًا رابعًا وهو تقوى الله -تعالى-: {وَاتَّقُوهُ}
(الروم:31) تقوى الله -تعالى-وهي رأس الأمر وأساسُه، وتقوى الله من أحسن ما عُرِّفَتْ به- كما ذكر ذلك ابن القيِّم، والذَّهبيُّ وابن تيميَّة، وغيرهم من أهل العلم - تعريف طلق بن حبيب -رحمه الله-؛ حيث قال: «تقوَى الله -تعالى- أن تعمَل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصية الله، على نور من الله، تخاف عقابَ الله»، هذه تقوى الله -تبارك وتعالى-: أن تجعل بينَك وبين ما تخشاه من سَخط الله وعقابه وقايةً تَقيك، وذلك لا يكون إلَّا بفعل الأوامر وتَرك النَّواهي؛ فيقال للمتفرِّقين والمختَلفين: اتَّقوا الله -تبارك وتعالى- راقبوه في السِّرِّ والعَلن، راقبوه مراقبةَ مَن يَعلم أنَّ ربَّه يسمعُه ويَراه؛ فهذا من الحلول المهمَّة لمسألة الفُرقة، أن يتَّقي المتفرِّقون ربَّهم -تبارك وتعالى.


إقامة الصلاة

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}
(الروم:31)، هذا سبب خامس: إقامة الصَّلاة، إقامة الصَّلاة – يا إخوان - من أعظم الأمور الَّتي تجمع القلوب وتؤلِّف الكلمةَ؛ ولهذا أُمِرَ الرِّجال أن يؤدُّوها جماعةً في جماعة المسلمين، كما قال الله -تعالى-: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(ا لبقرة:43)، وكان لا يتخلَّف عن الصَّلاة في جماعة المسلمين في عهد الصَّحابة، إلَّا منافقٌ معلوم النِّفاق كما قال ذلك عبد الله بن مسعود في صحيح مسلم : «لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ»؛ فالصَّلاة في بيوت الله الَّتي أَذِنَ الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، من أعظم الأمور الَّتي تجمع كلمةَ المسلمين؛ ولهذا إذا كان العبد محافظًا على الصَّلاة قائمًا بها يجد نفسَه تألفُ المصلِّين والمحافظين على الصَّلاة، وكلَّما ازداد الإنسانُ محافظةً على الصَّلاة وعلى النَّوافل وعلى الطَّاعات وعلى إقامة ذكر الله -تعالى- في بيوت الله، ازدادت محبَّةُ المسلمين له وازدادت أُلفتهم له؛ فالصَّلاة جماعةً أداء هذه الفريضة والمحافظة عليها من أعظم الأمور الَّتي فيها حَلٌّ للفرقة الَّتي تكون بين المسلمين.


{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، ولابدَّ من إقامتها جماعةً كما دلَّ على ذلك كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصَّحيح: «وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»؛ فأداء الصَّلاة جماعةً وإقامتها جماعةً من أعظم الأمور المعِينة على جمع المسلمين، وإذا أقاموها جماعة تذاكروا وذَكَّرَ بعضُهم بعضًا، وفي صلاتهم صلاة الجمعة التي فيها تذكيرٌ للنَّاس ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تجنب الشرك

{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} هذا علاج سادس في هاتين الآيتين {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، لا تكونوا مِن هؤلاء، مِن المشركين، المشركون: عبَدَة الأوثان الَّذين يعبدون مع الله غيره؛ فمعنى هذا أنَّ من العِلاجات المهمَّة والحلول العظيمة النَّافعة الَّتي لا بدَّ منها لحلِّ الفرقة الَّتي تقع بين المنتَسبين إلى الإسلام: أن يُخْلِصَ الجميع دينهم لله -تبارك وتعالى-، أن يجتَمعوا على توحيد الله -تبارك وتعالى- وإخلاص الدين له، أن يجتَمعوا جميعًا على (لا إله إلَّا الله) عِلمًا وعملًا وتطبيقاً؛ بهذا يكون اتِّفاقهم ، أمَّا إذا وُجِدَ في المنتسبين إلى الإسلام مَنْ لا يُحْسِنُ فَهْمَ «لا إله إلَّا الله» ، أو يَفْهَم منها ما لا تدلُّ عليه، أو يستدلُّ بها على ما يناقضها؛ فكيف تتَّحد الكلمة وأصلُ الأصول وأساسُ الأسُس مختَلَفٌ فيه؟!

أصل الأصول

(لا إله إلَّا الله) هي أصل الأصول وأعظم الأصول وأعظم الحسنات المقرِّبة إلى الله - تبارك وتعالى -، لكن لها ضوابطُها لها شروطُها في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالاجتماع على (لا إله إلَّا الله) ليس اجتماعًا على التَّلفُّظ بها فحسب، وإنَّما هو اجتماع على العلم بها والعمل على الإتيان بأركانها وضوابطها وشروطها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُّنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا لما قيل لوهب بن منبِّه -رحمه الله-: أليسَ (لا إله إلَّا الله) مفتاح الجنَّة؟ قال: «بلى، لكن ما مِن مِفتاح إلَّا وله أسنانٌ؛ فإن جئتَ بمفتاح له أسنانٌ فُتِحَ لك، وإلَّا لم يفتَح» ، ويقول الحسن البصريُّ، لما قيل له: أليس من قال: (لا إله إلَّا الله) دخل الجنَّة؟ قال: «بلى، لكن من أدَّى حقَّها وفرضَها» يشير إلى القيام بأركانها وشروطها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما دَفَنَ الفرزدق زوجتَه قال له الحسن: ماذا أعددتَّ لهذا المقام؟ قال: أعددتُّ له (لا إله إلَّا الله) منذُ سبعين سنةً؛ فقال له الحسن: «إنَّ لـ(لا إله إلَّا الله) شروطًا، فإيَّاك وقذف المحصنَات» .

الاجتماع على (لا إله إلَّا الله)

فالاجتماع على (لا إله إلَّا الله) على كلمة التَّوحيد ليس اجتماعا على اللَّفظ فقَط، وإنَّما اجتماعٌ على العلم والعَمل بهذه الكلمة وأداء ضوابطها وشروطِها الَّتي دلَّ عليها كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد وُجِدَ في المنتَسبين إلى الإسلام - وهم كثيرون - من يفسِّر (لا إله إلَّا الله)، بغير تفسيرِها وبغير معناها ، ولا يعرف معناها الحقيقيَّ الَّذي دلَّت عليه، والعلم بمعناها أهمُّ ضابط للاجتماع عليها، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(الز ُّخرُف:86)، قال المفسِّرون: إلَّا مَنْ شَهِدَ بـ(لا إله إلَّا الله) وهم يعلمون معناها، وكما قال الله -تبارك وتعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}(محمد :19)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ»، فلابدَّ من العلم بمعناها، لا يكفي أن يُقال: كلُّنا نقول (لا إله إلَّا الله) لا بدَّ من القيام بـ(لا إله إلَّا الله) عِلمًا وعملًا، فهمًا وتطبيقًا، أداءً لها على ما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بيان السنة لكلمة التوحيد

وشرح هذه الكلمة وبيانها جاء في كتاب الله وفي سُّنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا حاجة بنا بعد بيان الله وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم إلى بيانِ مُبَيِّنٍ كائنًا مَن كان، يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}(النساء:3 6)، ويقول -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}(الإسرا ء:23)، ويقول -تبارك وتعالى- حكايةً عن إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}(الزُّ خرف:26-27)، ويقول -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(البيّ ِنة:5)، هذا هو معنى (لا إله إلَّا الله)، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}(البق رة:256)، استمسك بـ(لا إله إلَّا الله)، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}(لقما ن:22)، استمسك بـ(لا إله إلَّا الله): الإيمان بالله، والكفر بالطَّاغوت، عبادة الله وعدم الإشراك به ، هذا هو معنى (لا إله إلَّا الله).


إذا وُجِدَ في المسلمين أو في المنتَسبين إلى الإسلام مَنْ يقول: إنَّ عبادة القبور أو دعاء القبور مسألةُ ذَوقٍ، حسب تذوُّق الإنسان - يعني إذا كان يتذَّوق هذا الأمر يستَطِيبه لا بأس به - فكيف يكون الاجتماعُ على (لا إله إلَّا الله)؟! لابدَّ مِن فَهم هذه الكلمة العظيمة، لو قرأتَ كتُبَ العقائد الَّتي ينسبها بعضُ أصحابها إلى السُّنَّة، تجد فيها تفسيراتٍ عجيبةً وغريبةً في بيان معنى هذه الكلمة، مثل قولهم في معنى (لا إله إلَّا الله): (لا قادرَ على الاختراع إلَّا الله)، أو (لا غنيَّ بنفسه عمَّن سواه إلَّا الله)، أو (لا ربَّ إلَّا الله)؛ فيفسِّر الألوهيَّة بالرُّبوبيَّة ، أو قول طائفة من الصُّوفيَّة يعيشون في هذا العصر يقولون: معناها هو «إخراج اليقين الفَاسد من ذات الإنسان، وإدخال اليقين الصَّحيح في ذات الله؛ لأنَّه الخالق الرَّازق المنعم المدبِّر»، بهذا يفسِّرون هذه الكلمة!!