تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال أحمد بن محمد العدوي الأشعري المشهور بـ " الدردير " :
    تَخَالُفٌ للغيْرِ وحدانيةْ *** في الذَّاتِ أو صِفَاتِهِ العليَّةْ
    والفِعلِ فالتأثيرُ ليسَ إلا ** للواحِدِ القَهَّار جلَّ وعَلا
    ومن يَّقُل بالطَّبعِ أو بالعلَّةْ *** فذاكَ كُفرٌ عند أهلِ المِلَّةْ
    ومَن يَقُل بِالقُوَّةِ المُودَعَةِ *** فَذَاكَ بِدْعِيٌّ فلا تَلتَفِتِ
    وقال في شرحه :
    يعني أنَّهُ تعَالى مُتَّصفٌ بوحدانيَّةِ الأفعالِ ، فليس ثمَّ مَن له فعلٌ من الأفعال سِوَاهُ تعالَى ، إذ كُلُّ ما سِوَاهُ عاجزٌ لا تأثيرَ له في شيءٍ من الأشياء ... .
    إلى أن قال :
    فلا تأثيرَ للنار في الإحراقِ ، ولا للطَّعامِ في الشَّبَعِ ولا للماء في الرّيِّ ، ولا في إنباتِ الزَّرعِ ، ولا للكواكبِ في إنضَاجِ الفواكِه وغيرِهَا ، ولا للأفلاكِ في شيءٍ من الأشياء ، ولا للسِّكِّين في القطعِ ، ولا لشيءٍ في دفع حَرٍّ أو بردٍ أو جلبِهِمَا وغيرِ ذلك ، لا بالطَّبعِ ولا بالعلَّةِ ولا بقُوَّةٍ أودَعَهَا اللهُ فِيها ، بل التأثيرُ في ذلك كُلُّهُ لله تعالى وحدَهُ بمحضِ اختيارِهِ عند وُجُودِ هذه الأشيَاءِ .
    انتهى باختصار من" الخريدة البهية وشرحها " ( ص 59 - 63 ).

    الجواب

    قال ابن القيم - رحمه الله - :
    "وأما الوقوف مع الأسباب واعتقاد تأثيرها فلا نعلم من أتباع الرسل من قال إنها مستقلة بأنفسها حتى يحتاج إلى نفي هذا المذهب ، وإنما قالت طائفة من الناس وهم القدرية : إن أفعال الحيوان خاصة غير مخلوقة لله ولا واقعة بمشيئة ، وهؤلاء هم الذين أطبق الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على ذمِّهم وتبديعهم وتضليلهم وبيَّن أئمة السنة أنهم أشباه المجوس وأنهم مخالفون العقول والفطر ونصوص الوحي ، فالتلبيس في الحقيقة حصل لهؤلاء ولمنكري الأسباب في القوى والطبائع والحكم ، ولُبس على الفريقين الحق بالباطل ... .
    إلى أن قال :
    ولا تكن ممن غلظ حجابه وكثف طبعه فيقول : لا نقف معها وقوف من يعتقد أنها مستقلة بالإحداث والتأثير وأنها أرباب من دون الله ، فإن وجدتَ أحداً يزعم ذلك ويظن أنها أرباب وآلهة مع الله مستقلة بالإيجاد ، أو إنها عون لله يحتاج في فعله إليها ، أو إنها شركاء له : فشأنَك به ؛ فمزِّق أديمَه ، وتقرَّب إلى الله بعداوته ما استطعت ، وإلا فما هذا النفي لما أثبته الله ، والإلغاء لما اعتبره ، والإهدار لما حققه ، والحط والوضع لما نصبه ، والمحو لما كتبه والعزل لما ولاه ؟! فإن زعمت أنك تعزلها عن رتبة الإلهية ؛ فسبحان الله ، من ولاها هذه الرتبة حتى تجعل سعيك في عزلها عنها ؟! .
    والله ما أجهل كثيراً من أهل الكلام والتصوف حيث لم يكن عندهم تحقيق التوحيد إلا بإلغائها ومحوها وإهدارها بالكلية ، وأنه لم يجعل الله في المخلوقات قوى ولا طبائع ولا غرائز لها تأثير موجبة ما ، ولا في النار حرارة ولا إحراق ، ولا في الدواء قوة مُذْهِبة للداء ، ولا في الخبز قوة مشبعة ، ولا في الماء قوة مروية ، ولا في العين قوة باصرة ، ولا في الأنف قوة شامَّة ، ولا في السم قوة قاتلة ، ولا في الحديد قوة قاطعة ، وأن الله لم يفعل شيئاً بشيء ، ولا فعل شيئاً لأجل شيء ! فهذا غاية توحيدهم الذي يحومون حوله ويبالغون في تقريره ، فلعمْر الله لقد أضحكوا عليهم العقلاء وأشمتوا بهم الأعداء ، ونهجوا لأعداء الرسل طريق إساءة الظن بهم وجنوا على الإسلام والقرآن أعظم جناية ، وقالوا : نحن أنصار الله ورسوله ، الموكَلون بكسر أعداء الإسلام وأعداء الرسل ، ولعمْر الله لقد كسروا الدِّين ، وسلطوا عليه المبطلين ، وقد قيل : " إياك ومصاحبة الجاهل فإنه يريد أن ينفعك فيضرك" .
    فقف مع الأسباب حيث أُمرت بالوقوف معها ، وفارقها حيث أمرت بمفارقتها ، كما فارقها الخليل .. حيث عَرض له جبريل أقوى الأسباب فقال : " ألك حاجة ؟ " فقال : " أما إليك فلا "
    انتهى من" مدارج السالكين " ( 3 / 402 – 409 ) .


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال ابن القيم – رحمه الله - :
    "والناس في الأسباب والقوى والطبائع ثلاثة أقسام :
    1. منهم مَن بالغ في نفيها وإنكارها ، فأضحك العقلاء على عقله ، وزعم أنه بذلك ينصر الشرع فجنى على العقل والشرع وسلط خصمه عليه .
    2. ومنهم مَن ربط العالم العلوي والسفلي بها ، بدون ارتباطها بمشيئة فاعل مختار ومدبر لها يصرفها كيف أراد فيسلب قوة هذا ويقيم لقوة هذا قوة تعارضه ويكف قوة هذا عن التأثير مع بقائها ويتصرف فيها كما يشاء ويختار .
    وهذان طرفان جائران عن الصواب .
    3. ومنهم مَن أثبتها خلقاً وأمراً قدراً وشرعاً ، وأنزلها بالمحل الذي أنزلها الله به من كونها تحت تدبيره ومشيئته وهي طوع المشيئة والإرادة ومحل جريان حكمه عليها فيقوي سبحانه بعضها ببعض ، ويبطل إن شاء بعضها ببعض ، ويسلب بعضها قوته وسببيته ويعريها منها ويمنعه من موجبها ، مع بقائها عليه ؛ ليعلم خلقُه أنه الفعَّال لما يريد ، وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته ، وأن التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت مع كونه سبباً .
    وهذا باب عظيم نافع في التوحيد وإثبات الحكم ، يوجب للعبد إذا تبصر فيه الصعود من الأسباب إلى مسبِّبها ، والتعلق به دونها ، وأنها لا تضر ولا تنفع إلا بإذنه ، وأنه إذا شاء جعل نافعها ضارّاً ، وضارَّها نافعاً ، ودواءها داءً ، وداءها دواء ، فالإلتفات إليها بالكلية : شرك مناف للتوحيد ، وإنكار أن تكون أسباباً بالكلية : قدح في الشرع والحكمة ، والإعراض عنها مع العلم بكونها أسباباً : نقصان في العقل ، وتنزيلها منازلها ومدافعة بعضها ببعض وتسليط بعضها على بعض وشهود الجمع في تفرقها والقيام بها : هو محض العبودية والمعرفة وإثبات التوحيد والشرع والقدر والحكمة ،
    والله أعلم" انتهى من" مدارج السالكين " ( 1 / 243 ، 244 )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :
    "ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنَّة لزاد على عشرة آلاف موضع ، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ، ويكفي شهادة الحس والعقل والفِطَر ، ولهذا قال مَن قال مِن أهل العلم : تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد ، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله وتنزيهه عن كل كمال ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ، ... .
    ثم مِن أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد : إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب ، فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ، ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به ، وأنت لا تجد كتاباً من الكتب أعظم إثباتاً للأسباب من القرآن .
    ويا لله العجب ؛ إذا كان الله خالق السبب والمسبَّب ، وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا ، والأسباب والمسبَّبات طوع مشيئته ، وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم ، وإغراق الماء على كليمه وقومه ، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها ، وإن شاء خلَّى بينها وبين اقتضائها لآثارها ، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا ، فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد ؟! وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه ؟! ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق ، والماء لا يُغرق ، والخبز لا يُشبع ، والسيف لا يَقطع ، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ، ولا هو سبب لهذا الأثر ، وليس فيه قوة ، وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا : قالت هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير ! ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد ، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به كما تراه عِيانا في كتبهم ينفِّرون به الناس عن الإيمان"
    انتهى من" شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل " ( ص 189 ) .


    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى=:(وعندهم - يعني الجبرية- أن الله لم يخلق شيئاً بسبب، ولا جعل في الأسباب قوى وطبائع تؤثر ، فليس في النار قوة الإحراق ، ولا في السم قوة الإهلاك ، ولا في الماء والخبز قوة الري والتغذي به ، ولا في العين قوة الإبصار ، ولا في الأذن والأنف قوة السمع والشم ، بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام ، لا بها ، فليس الشبع بالأكل ، ولا الري بالشرب ، ولا العلم بالاستدلال ، ولا الانكسار بالكسر ، ولا الإزهاق بالذبح - إلى أن قال- بل عندهم صدور الكائنات والأوامر والنواهي عن محض المشيئة الواحدة التي رجحت مثلاً على مثل بغير مرجح ، فعنها يصدر كل حادث ، ويصدر مع الحادث حادث آخر مقترناً به اقتراناً عادياً لا أن أحدهما سبب الآخر ولا مرتبط به -إلى أن قال- وطرد هذا المذهب مفسد للدنيا والدين ، بل ولسائر أديان الرسل ، ولهذا لما طرده قوم أسقطوا الأسباب الدنيوية وعطلوها وجعلوا وجودها كعدمها، ولم يمكنهم ذلك فإنهم لا بد أن يأكلوا ويشربوا ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحر والبرد والألم ، فإن قيل لهم:هلا أسقطتم ذلك؟قالوا:لأجل الاقتران العادي ، فإن قيل لهم هلا قمتم بما أسقطتموه لأجل الاقتران العادي أيضاً ، فهذا المذهب قد فطر الله سبحانه الحيوان ناطقه وأعجمه على خلافه ، وقوم طردوه فتركوا له الأسباب الأخروية)اهـ.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
    " ومما ينبغي أن يعلم : ما قاله طائفة من العلماء. قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد . ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع . وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع "
    انتهى من " مجموع الفتاوى " (8 / 169) .
    ومعنى أن "الالتفات إلى الأسباب قدح في التوحيد " : أن الاعتماد على الأسباب ، والاعتقاد بأنها مؤثرة بدون تقدير الله تعالى ومشيئته : يقدح في التوحيد ؛ لأنه ليس هناك شيء يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله تعالى ، قال الله تعالى في السحرة : (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102 .
    ومعنى أن "الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع" : أن من ترك الأخذ بالأسباب بالكلية ، وظن أن هذا هو كمال التوكل والاعتماد على الله : فهذا قدح في التشريع ، لأن الله تعالى شرع لنا الأخذ بالأسباب ، وأمرنا بذلك في مواضع كثيرة ، بل دخول الجنة لن يكون إلا بأسبابه ، وهي الإيمان والعمل الصالح ، فمن ترك الأخذ بالأسباب : فلازم ذلك أنه لن يلتزم الشريعة وأحكامها .
    والمؤمن يحقق التوحيد ، فيعلم أن الأمر كله لله ، ويمتثل الشرع ، فيأخذ بالأسباب حيث أمر الشرع بذلك .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
    " وأهل السنة لا ينكرون وجود ما خلقه الله من الأسباب ولا يجعلونها مستقله بالآثار ، بل يعلمون أنه ما من سبب مخلوق إلا وحكمه متوقف على سبب آخر ، وله موانع تمنع حكمه ، كما أن الشمس سبب في الشعاع ، وذلك موقوف على حصول الجسم القابل به ، وله مانع كالسحاب والسقف .
    والله خالق الأسباب كلها ، ودافع الموانع " انتهى من " درء تعارض العقل والنقل" (9 / 29) .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:( والتأثير اسم مشترك ، قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع ، فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا لله لم يقله سني ، وإنما هو المعزو إلى أهل الضلال.
    وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إما في صفة من صفات الفعل ، أو في وجهٍ من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات ، فهو أيضاً باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله سبحانه في ذرة أو فيل ، وهل هو إلا شرك دون شرك وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلا نحو الحق.

    وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة ، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة ، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق الغيث بالسحاب ، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق، وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات ، وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركاً ، وقد قال الحكيم الخبير (فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) (أنبتنا به حدائق ذات بهجة) وقال تعالى ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) فبين أنه المعذب ، وأن أيدينا أسباب وآلات و أوساط وأدوات في وصول العذاب إليهم)

    وقال أيضاً):( والحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار ، وإلى أسبابها باعتبار ، فهي من الله مخلوقة له في غيره ، كما أن جميع حركات المخلوقات وصفاتها منه ، وهي من العبد صفة قائمة به ، كما أن الحركة من المتحرك المتصف بها وإن كان جماداً ، فكيف إذا كان حيواناً؟ وحينئذٍ فلا شركة بين الرب وبين العبد لاختلاف جهة الإضافة ، كما أنا إذا قلنا : هذا الولد من هذه المرأة بمعنى أنها ولدته ، ومن الله بمعنى أنه خلقه ، لم يكن بينهما تناقض .وإذا قلنا : هذه الثمرة من هذه الشجرة وهذا الزرع من هذا الأرض بمعنى أنه حدث فيها ، ومن الله بمعنى أنه خلقه منها ، لم يكن بينهما تناقض ).

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:(جمهور أهل السنة المثبتة للقدرمن جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة ، وأن له قدرة حقيقية ، واستطاعة حقيقية ، وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية ، بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب ، وينبت النبات بالماء ، ولا يقولون إن القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها ، بل يقرون أن لها تأثيراً لفظاً ومعنى ، حتى جاء لفظ الأثر في مثل قوله تعالى( ونكتب ما قدموا وآثارهم) وإن كان التأثير هناك أعم منه في الآية ، لكن يقولون : هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها ، والله تعالى خالق السبب والمسبب ، ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه ، ولا بد له من معارض يمانعه ، فلا يتم أثره - مع خلق الله له - إلا بأن يخلق الله السبب ويزيل الموانع .
    ولكن هذا القول الذي حكاه هو قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى وطبائع ، ويقولون: إن الله فعل عندها لا بها ، ويقولون : إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل

    وقال رحمه الله تعالى:
    ( ومذهب الفقهاء أن السبب له تأثير في مسببه ، ليس علامة محضة ، وإنما يقول إنه علامة محضة طائفة من أهل الكلام الذين بنوا على قول جهم - إلى أن قال-ومملوء - يعني القرآن- بأنه يخلق الأشياء بالأسباب ، لا كما يقوله أتباع جهم : أنه يفعل عندها لا بها ، كقوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) ، وقوله(وأنزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد - والنخل باسقات لها طلع نضيد - رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً ) وقوله(وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) وقوله(يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) وقوله(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ونحو ذلك)اهـ.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    المخالفين فى مسألة الاسباب والمسببات

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    ذهب الشاطبي إلى ما ذهب إليه الأشاعرة في الأسباب ،
    ذهب إلى أن السبب هو ما يحصل المسبب عنده لا به ، وأن الله قد أجرى العادة في الخلق أن يحدث المسبب عند السبب- بلا تأثير منه-
    1-قال في (الاعتصام) 1/497:(فالنظر إلى وضع الأسباب والمسببات أحكام وضعها الباري تعالى في النفوس يظهر عندها ما شاء الله من التأثيرات).
    2-وقال في (الموافقات) 1/314:(السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به، فإذا تسبب المكلف فالله خالق السبب والعبد مكتسب له - ثم ذكر أدلة وقال1/315- والأدلة على هذا تنتهي إلى القطع ، وإذا كان كذلك ، فالالتفات إلى المسبب في فعل السبب لا يزيد على ترك الالتفات إليه ، فإن المسبب قد يكون وقد لا يكون ، هذا وإن كانت مجاري العادات تقتضي أن يكون ).
    3- وقال في (الموافقات) 1/316:( وإنما قصده - أي الشارع- وقوع المسببات بحسب ارتباط العادة الجارية في الخلق ، وهو أن يكون خلق المسببات على إثر إيقاع المكلف للأسباب ليسعد من سعد ويشقى من شقي).
    4-وقال في (الموافقات) 1/317-في مسألة وقوع المسببات-(التفات إلى العادة الجارية) وذكر نحو هذا الكلام من كون وقوع المسببات على أثر الأسباب قد أجرى الله العادة به في مواضع منها (الموافقات) 1/326،328،354،359.
    5- وقال في (الموافقات) 1/322:(أن يدخل - يعني المكلف- في السبب على أن المسبب يكون عنده عادة).
    6-وقال في (الموافقات) 1/335-336:(إيقاع السبب بمنزلة إيقاع المسبب ، قصد ذلك المسبب أو لا ، لأنه لما جعل مسبباً له في مجرى العادات عد كأنه فاعل له مباشرة ، ويشهد لهذا قاعدة مجاري العادات ، إذ أجري فيها نسبة المسببات إلى أسبابها كنسبة الشبع إلى الطعام ، والإرواء إلى الماء، والإحراق إلى النار ، والإسهال إلى السقمونيا ، وسائر المسببات إلى أسبابها ، فكذلك الأفعال التي تتسبب عن كسبنا منسوبة إلينا وإن لم تكن من كسبنا ).

    وهذا الكلام هو كلام الأشاعرة -الذين اقتفوا آثار الجهمية في إنكار الأسباب- ، فإنهم أنكروا أن يكون للأسباب أي تأثير على المسببات ، وقالوا : إنه ليس في النار قوة الإحراق ، ولا في الماء قوة الإغراق ، ولا في السكين قوة القطع ، قالوا : ولكن الله يخلق المسببات عند وجود هذه الأسباب لا بها ، فعند وجود النار يخلق الله الإحراق بلا تأثير من النار، وعند وجود السكين يخلق الله القطع بلا تأثير من السكين ، وهكذا ، ويقولون : إن الله قد أجرى العادة بخلق المسببات عند وجود هذه الأسباب -وكل هذا طرداً لعقيدتهم في الجبر وأنه لا فاعل إلا الله-.
    ومن المعلوم أن هذا باطل في الشرع والعقل ، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل في الأسباب قوة تؤثر في مسبباتها ، وهو خالق السبب والمسبب ، والمسبب إنما حدث بالسبب لا عند السبب -كما يقوله الجبرية
    *******************


    1-قال في (الموافقات) 1/302:(ثبت في الكلام أن الذي للمكلف تعاطي الأسباب ، وإنما المسببات من فعل الله وحكمه لا كسب فيه للمكلف)
    2-وقال في (الموافقات) 1/306:(فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات ، فإذاً لا يتعلق التكليف إلا بمكتسب ، فخرجت المسببات عن خطاب التكليف ، لأنها ليست من مقدورهم ، ولو تعلق بها لكان تكليفاً بما لا يطاق).
    3- وقال في (الموافقات) 1/308:( إن المسببات راجعة إلى الحاكم المسبِّب ، وإنها ليست من مقدور المكلف).
    4-وقال في (الموافقات) 1/312:(إن المسببات غير مقدورة للعباد كما تقدم ).
    5-وقال في (الموافقات) 1/337:(المسببات التي حصل بها النفع والضر ليست من فعل المتسبب).
    6-وقال في (الموافقات) 1/355:(قد تبين أن المسبب ليس للمكلف ، ولم يكلف به ، بل هو لله وحده).
    7-وقال في (الموافقات) 1/356:(- فسر حديث (وإن أصابك شئ فلا تقل :لو أني فعلت كان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) - قال:فقد نبهك على أن لو تفتح عمل الشيطان ، لأنه التفات إلى المسبب في السبب ، كأنه متولد عنه أو لازم عقلاً ، بل ذلك قدر الله وما شاء فعل ، إذ لا يعينه وجود السبب ، ولا يعجزه فقدانه)(1).
    8-وقال في (الموافقات) 3/36:(المسببات ليست من فعل المتسبب وإنما هي من فعل الله تعالى ، فالله هو خالق الولد من الماء ، والسكر عن الشرب ، كالشبع مع الأكل ، والري مع الماء، والإحراق مع النار).
    9-وقال في (الموافقات) 3/440:(كلفنا في الأسباب بالأمر والنهي ، وأما أنفس المسببات من حيث هي مسببات فمخلوقة لله تعالى).

    قلت:والكلام على هذا من وجوه:
    الوجه الأول : أن هذه المسألة وتسمى (مسألة التولد) ويُمثل لها باندفاع الحجر عند اعتماد العبد عليه ، فهل اندفاعه هذا مقدور للعبد ومن فعله أو من فعل الله سبحانه ولا قدرة للمكلف عليه؟ ذهب الأشاعرة تبعاً لمذهبهم في الجبر أنه فعلٌ لله سبحانه ولا قدرة للعبد عليه مطلقاً ، وطردوا هذا في كل المسببات المتولدة عن الأسباب كالشبع من الأكل ، والري من الشرب ، والزهوق من القتل، وهكذا
    ، أما المعتزلة فقد ذهبوا -طرداً لقاعدتهم في القدر- إلى أن هذه المتولدات من فعل العبد فقط
    والحق في هذه المسألة هو ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى
    :
    (والقول الوسط أن هذه الأمور التي يقال لها المتولدات حاصلة بسبب فعل العبد ، وبالأسباب الأخرى التي يخلقها الله ، فالشبع يحصل بأكل العبد وابتلاعه ، وبما جعله الله في الإنسان وفي الغذاء من القوى المعينة على حصول الشبع ، وكذلك الزهوق حاصل بفعل العبد ، وبما جعله في المحل من قبول الانقطاع ، وهو سبحانه خالق للأثر المتولد عن هذين السببين اللذين أحدهما فعل العبد، وهو خالق السببين جميعاً ، ولهذا كان العبد مثاباً على المتولدات ، والله تعالى يكتب له بها عملاً، وقد ذكر الأفعال المباشرة والمتولدة (4) في آيتين في القرآن ، قال تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح) فهذه الأمور كلها هي مما يسمونه متولداً ، فإن العطش والتعب والجوع هو من المتولدات ، وكذلك غيظ الكفار ، وكذلك ما يحصل فيهم من هزيمة ونقص نفوس وأموال وغير ذلك ، ثم قال الله تعالى (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم) فالإنفاق وقطع الوادي عمل مباشر فقال فيه (إلا كتب لهم) ولم يقل : به عمل صالح ، وأما الجوع والعطش والنصب و غيظ الكفار وما ينال منهم فهو من المتولدات فقال فيه (إلا كتب لهم به عمل صالح) فدل ذلك على أن عملهم سبب في حصول ذلك وإلا فلا يكتب للإنسان عمل بدون سبب من عمله، بل تكتب الآثار لأنها من أثر عمله-إلى أن قال-ولهذا كانت هذه التي يسمونها المتولدات يؤمر بها تارة ، وينهى عنها أخرى كما قال تعالى ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)(1) وقال(إن تنصروا الله ينصركم ) وقال تعالى(وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)(2) وقال تعالى(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم و ينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) فأخبر أنه هو المعذب بأيدي المؤمنين ، وهذا مبسوط في موضعٍ آخر
    " الإعلام بمخالفات (الموافقات) و (الاعتصام)"

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    فقف مع الأسباب حيث أُمرت بالوقوف معها ، وفارقها حيث أمرت بمفارقتها ، كما فارقها الخليل .. حيث عَرض له جبريل أقوى الأسباب فقال : " ألك حاجة ؟ " فقال : " أما إليك فلا "

    نعم
    الاستدلالهم؛ بإلقاء إبراهيم عليه السلام فى النار - يرد عليه ؛ إن الأصل أن النار فيها الإحراق ولذا أعدَّها قومه له عليه السلام ولم يعدوا له ماء ليحرقوه به ! وقد بيَّن الله تعالى أنه عطَّل تلك الصفة في تلك النار فخاطبها بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم ، وهذا ليس لكل نار بل لتلك المخاطَبة ، ولا يملك أحد أن ينزع تلك الصفة منها إلا الله تعالى .
    ومثله يقال في صفة الإغراق لماء البحر لمن شاء الله تعالى أن يعطلها في حقه ، فهو تعالى مالك الأسباب ومسبباتها ، وتلك الحوادث تدل على وجود حاصية الإحراق في النار والإغراق في الماء ، لكن الله تعالى هو الذي نزعها منهما في الحالتين ، وهذا يدل على وجود تلك الصفات في تلك الأشياء .
    فأهل السنَّة هم أسعد الناس بالأدلة وهم أوفر الناس عقولاً وأقومهم فطرة ، لذا لم ينكروا نصوص الشرع ، ولم يأتوا بما يَضحك منه العقلاء ، ولم يقولوا بما يخالف الفطرة ، بل وقفوا مع الأسباب الموقف الشرعي الموافق لكل ذلك ، ولذا فمن أراد أن يزيد في الإحراق أجَّج ناره وزاد من لهيبها ، ومن أراد دقة القطع رقَّق حد السكين ، ومن أراد قوة القطع صلَّب الحديد في السيف ، وكل ذلك أخذاً بما جعله الله تعالى من خاصيات في تلك الأشياء التي خلقها على كيفية معينة ، ومن يقول بأن الزجاج الرقيق انكسر مع رمي الحجر العظيم لا بسببه : فقد خالف الشرع وناقض العقل والفطرة .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    المخالفين فى مسألة الاسباب والمسببات
    مبارك بن محمد الميلي الجزائري الاشعرى صاحب كتاب رسالة الشرك ومظاهره : (المتوفى: 1364هـ)
    قال الشيخ الميلي في (ص108): وقسم أبو البقاء الحنفي في "كلياته" الشرك إلى ستة أقسام؛ فقال: "و الشرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات شريكين مستقلين؛ كشرك المجوس، وشرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة؛ كشرك النصارى، وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى؛ كشرك متقدمي الجاهلية، وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعا للغير؛ كشرك متأخري الجاهلية، وشرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية؛ كشرك الفلاسفة و الطبائعيين ومن تبعهم على ذلك، وشرك الأغراض؛ وهو العمل لغير الله، فحكم الأربعة الأول الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر باجماع ،و حكم الخامس التفصيل، فمن قال في الأسباب العادية: إنها تؤثر بطبعها؛ فقد حكي الإجماع على كفره، ومن قال: إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها، فهو فاسق" انتهى كلام أبي البقاء.
    علّق عليه الشيخ الميلي بقوله :" وهذه الأقسام متفاوتة قوة وضعفا، ولكنها متحدة في الحكم عليها بالكفر، إذا استثنينا أحد وجهي النوع الخامس، أما السادس، فقد أخرجه أيضا أبو البقاء، وحقه التفصيل كالذي قبله، فإن العمل لغير الله: إما نفاق أو رياء، و الأول كفر اتفاقا، والثاني معصية من غير كفر إجماعا، ولكن ما خرج من هذه الوجوه عن حكم الكفر فإنه ذريعة إليه، ولهذا تناوله لفظ الشرك كبقية الأقسام" انتهى.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الرد على الاشاعرة فى أن السبب غير فاعل بنفسه ، بل إنما وقع المسبب عنده لا به

    القرطبى صاحب التفسير

    قال القرطبي: "
    ومع ذلك فلا يكون السحر موجبا لذلك، ولا علَّة لوقوعه، ولا سببا مولدا ، ولا يكون الساحر مستقلا به، و إنما يخلق الله تعالى هذه الأشياء و يحدثها عند وجود السحر، كما يخلق الشبع عند الأكل، والري عند شرب الماء" .
    فالقرطبي ينفي أن يكون السِّحر و الأكل و الشرب أسبابا لها تأثيرها في مسبّباتها، وإنما يخلق الله و يحدث تلك المسببات عند وجود أسبابها، لا بها ، فلا ارتباط عنده بين السَّبب و المسبَّب، وإنما علاقتها علاقة اقتران فقط.
    وهذا قول الجهميَّة ومن تبعهم كالأشاعرة،
    والصواب ما عليه أهل السنة أن الله - سبحانه وتعالى- جعل في الأسباب قوة تؤثر في مسبباتها بإذنه سبحانه و تعالى، فالسحر جعل الله فيه قوة تؤثر بإذنه تعالى، وجعل في الأكل قوة التغذية، وفي الماء قوة الرَّي، ونحو ذلك.
    وكما تقدم فى كلام الامام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (8/485-486):
    " ومذهب الفقهاء أن السبب له تأثير في مسبّبه،
    ليس علامة محضة، وإنما يقول إنه علامة محضة طائفة من أهل الكلام الذين بنوا على قول جهم...... و القرآن مملوء - بأنه يخلق الأشياء بالأسباب، لا كما يقوله أتباع جهم: أنه يفعل عندها لا بها، كقوله تعالى: )أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ("النحل :65" ، وقوله: (ونزلنا من السماء ماء مبارك فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. و النخل باسقات لها طلع نضيد. رزقا للعباد. وأحيينا به بلدة ميتا)" ق:9ـ 11"، وقله: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات)" الأعراف: 57"... انتهى.
    وقال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (3/496):
    "وعندهم - يعني الجهمية - أن الله لم يخلق شيئا بسبب، ولا جعل في الأسباب قوى و طبائع تؤثر، فليس في النار قوة الإحراق، ولا في السم قوة الإهلاك، ولا في الماء و الخبز قوة الرَّيِّ و التغذي به، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن و الأنف قوة السمع و الشم، بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام، لا بها، فليس الشِّبع بالأكل، ولا الري بالشرب، ولا العلم بالاستدلال، ولا الانكسار بالكسر، ولا الإزهاق بالذبح...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •