إياك والوقوع في شرك الشيطان - أين تذهب بك خواطرك؟!


د. عاطف الرفاعي


إذا كنت تعظم ربك فلا تستبدل بمحبته محبة الشيطان، وتستبدل بخواطر الإيمان وساوس الشيطان، وتستبدل بأعمال القرب والمحبة والطاعة والإقبال أعمال البعد والطرد والجفاء بينك وبين الله، فليس هذا بعقل، وليس تعظيما لله -تعالى. وهذا المعنى الجليل يخوفك، ويكون سببًا في حفظ خواطرك، فتقول لنفسك: كيف يرفع المرء من قلبه محبة الله، وذكره، والطمأنينة إليه، والإقبال عليه، ويضع فيه هذه الوساوس وتلك الخطرات؟ كيف يكون مقبلا على ربه محبا له معظما إياه -سبحانه وتعالى؟ لابد لك من الوقوف والتفكير في السبب التالي الذي يمكن أن يكون سبب نجاتك.

السقوط بتلك الخواطر

- الرابع: وهي المسألة المخيفة: أن تسقط من عين الله في نهاية المطاف السيئ، ينظر الله -تبارك وتعالى- إليك وأنت مسترسل مع الشيطان، مقدم لوساوسه على خواطر الرحمة، وأعمال الطاعة، والقرب، والمحبة، فتسقط من عين الله -تعالى-، وتُطْرَد من بابه -سبحانه وتعالى-، وينزل عليك الحجاب بينك وبين الله -تعالى-، وتظل حبيس أعمال الشيطان، ووساوسه، إلا أن تأتي سريعاً عاجلاً بالسبب الموصل لمنارات الاستقامة وهو:

إيثار محبة الله

- الخامس: من الأسباب التي تحفظ القلب من خواطر الشيطان: أن تؤثر محبة الله -تعالى- على محبة الشيطان، يعني: أن تؤثر الله -سبحانه وتعالى-، تقدم خواطر الإيمان والرحمة، والقرب منه -تعالى- على خواطر الشيطان ووساوسه.

فمتى سكنت بقلبك خواطر الإيمان وإراداته، وعزائمه، وأعماله، استقامت لك الأقوال، والأعمال، وسائر الأحوال.

تولد الخواطر الشيطانية

ومن الوعي بمخاطر تلك الخواطر يتدارك العبد نفسه بهذا السبب التالي:

- السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شررها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.

وهذا سبب كذلك يخيفك، أن تزداد هذه الخواطر بقلبك إذا تركتها، واسترسلت معها، وأهملتها، أن تزداد في قلبك، إلى الدرجة التي تمسح بقية أعمال الإيمان، وحلاوة الطاعة، وهذه مسألة مخيفة.

كان في الطاعة

ألا ترى قلوب العباد؟ ألم تنظر إلى الناس؟ يقال هذا فلان كان في الطاعة، والعبادة، والمسجد، ودروس العلم، ثم انظر أين ذهب الآن؟ وكيف صارت أحواله؟ وكيف أصبح؟ وكيف كذا وكذا؟ وابتعد عن الإيمان، وعن أعمال الطاعة، وقد كان وكان، فمن الذي يمسك قلبه؟ فلعلك إن تركت هذه الوساوس أن تأتي على البقية الباقية من قلبك، فإذا بك كهؤلاء الذين كنت تنكر عليهم، وتتندر بأحوالهم، وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم استر علينا، اللهم احفظنا.

انقلب على عقبيه

ألم تر أحدا ممن كانوا على الطاعة، والإيمان، والإقبال، وحسن السمت، ثم بعد ذلك انقلبوا على أعقابهم، وصارت خواطر الشيطان، ووساوسُه أعمالا، وأفعالا لهم، وذهب ما في قلوبهم من أعمال الإيمان أليس كذلك؟ فما الذي قد أعطاك الأمان؟ ومن الذي قد منحك منشورًا بالولاية، وصكًّا بثبات قلبك على أعمال الطاعة؟ نعوذ بالله من شرور أنفسنا وشر الشيطان وشَرَكه.

الخواطر بمنزلة الحبوب للطائر

- السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحَبِّ الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر، فهذه الخواطر إنما هي شَرَك الشيطان الذي ينصبه لك حتى تقع، يعني: لا تتخيل أنه خاطر، ويمر، لا، وإنما هو خاطر قد ألقي إليك، حتى إذا تمسكت به صادك الشيطان إلى حزبه، وأخذك إلى أكثر مما أنت فيه من المعصية.

الشيطان لا يدعوك مباشرة

إن الشيطان لا يأخذ المرء إلى المعصية مباشرة لا يقول له: ازن، ولا اسرق، ولا كذا وكذا، وإنما كما يحذرنا المولى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} (البقرة/ 168). تبدأ هذه الخطوات بهذه الخطرات التي يلقيها، فإذا أنت قد بلعت هذا الطعم في الخاطر، تحول إلى إرادة، فعزيمة، فإذا نظرت إلى المحرم، تعلق قلبك، وصرت بعد ذلك من مدمني النظر الحرام، ثم بعد ذلك تحاول أن تزداد، إلى أن تقع في الفاحشة، مع انشغال قلبك بالمصائب، والآفات، وخروج أعمال الطاعة، والإيمان منه، وقلة الحياء، والخشية، والخوف من الله -تعالى- ونسيان الموت والآخرة وترك التجهز للرحيل.

الخواطر الطيبة والخبيثة

- الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة، والإنابة أصلا، بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعا في قلب، إلا وغلب أحدهما صاحبه، وأخرجه، واستوطن مكانه، فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأخرجتها واستوطنت مكانها؟ لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.

خطوة بخطوة

هكذا هي الحقيقة، التي يجب أن تذكرها دائماً: خواطر الإيمان، ودواعي المحبة، والإنابة إلى الله -تعالى- لا تجتمع وهذه الوساوس، يخوفك مرة أخرى أنه إذا ما استرسلت مع خواطر الشيطان ووساوسه، ووساوس النفس، وآفاتها، فإنها توشك أن تذهب خواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة، ويصبح قلبك قفرًا من تلك الإنابة، وخواطر الإيمان، وكل ما يقربك إلى الله -تعالى-،، وأنت لا تشعر، يتصيدك الشيطان خطوة خطوة، بذرة بذرة، يرعاها ويسقيها، فتزداد وتنمو، فلا يحس بالانحراف حتى يقع تماماً، ويسقط وقد اجتمعت عليه خواطر الشيطان ووساوسه.


إياك والوقوع في شَرَك الشيطان!

فالخوف والخشية من وقوعك في ذلك، ولا سيما وكل واحد فينا يعلم أحواله السيئة، وخواطره الرديئة، وغلبة وساوس الشيطان عليه، بدليل أن المرء يقوم إلى الإيمان وأعماله على هذا الضعف، وتلك الاستكانة، وهذا النوم، والكسل، والتواني، والفتور، وكان النوم عنده أحب إليه من الطاعة، والإقبال على ربه، والشهوة، والأكل، والشراب أحب عنده من الصيام، وغير ذلك مما نراه، ولو تُرِك ونفسه لمالت نفسه إلى الشهوات والنظر المحرم والميل المحرم والمصائب المحرمة كلها، أليس كذلك؟

فلو كان للقلب حياة، لشعر بألم ذلك، وأحس بمصابه، ولا يحس به إلا القلب الحي السليم، المقبل على الله -تعالى.