فضائل المسجد الأقصى

الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر




يزداد ألم المسلمين وأسفهم يوماً بعد يوم على الحال التي آل إليه المسجد الأقصى من تسلط اليهود المجرمين عليه، وانتهاكهم لحرمته، واعتدائهم على قدسيته ومكانته، وارتكابهم فيه أنواعاً كثيرة من التعديات والإجرام ومع أهله، والمسجد الأقصى مسجد عظيم مبارك له مكانة عالية في نفوس المؤمنين ومنزلة رفيعة في قلوبهم؛ فهو مسجد قد خص في الكتاب والسنة بميزات كثيرة وخصائص عديدة وفضائل جمة، تدل على رفعة مكانته وعظيم قدره.

أحد المساجد الثلاثة

فمن فضائل المسجد الأقصى أنه أحد المساجد الثلاثة المفضلة التي لا يجوز شد الرِّحال بنية التعبُّد إلا إليها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى».

ثاني مسجد وضع في الأرض

ومن فضائله أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر -رضي الله عنه - قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».

قبلة المسلمين الأولى

ومن فضائله أنه قبلة المسلمين الأولى قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة، فعن البراء -رضي الله عنه - قال: «صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ - شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ».

مسجد في أرض مباركة

ومن فضائله أنه مسجد في أرض مباركة، قال الله -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1). وقد قيل: لو لم تكن لهذا المسجد إلا هذه الفضيلة لكانت كافية.

أرضه هي أرض المحشر

وأرضه هي أرض المحشر والمنشر، فعن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم - قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ «أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ».

مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -

ومن فضائله أنه مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ومنه عُرج به إلى السماء، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ -عليه السلام - اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ».

الصلاة فيه تضاعف

ومن فضائله أن الصلاة فيه تضاعف، فعن أبي ذر -رضي الله عنه - قال: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لَا يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا - أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا -»؛ وهذا علم من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم -، حيث بيَّن ما سيؤول إليه المسجد الأقصى مع تعلُّق قلوب المسلمين به وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى ستزداد، حتى إن المؤمن ليتمنى أن يكون له موضع صغير يطلُّ منه على المسجد الأقصى ويكون ذلك أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها.

تغفر فيه الذنوب

ومن فضائله ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ».

الواجب على المسلمين

وإنه لا يخفى على أيِّ مسلم ما يعانيه المسلمون في فلسطين من آلام وقتل وتشريد؛ بسبب توالي الاعتداء الغاشم عليهم من اليهود المعتدين الغاصبين، ولا يخفى أيضاً حاجة المسلمين في فلسطين وضرورتهم إلى الكساء والطعام والدواء؛ ولذا فإنَّ من الواجب على المسلمين المسارعة إلى نجدتهم ومدِّ يد العون لهم والوقوف معهم في محنتهم حتى يتمكنوا من مقاومة عدوهم الذي يملك العدة والعتاد، والله -جل وعلا- يثيب المؤمن على ما يقدِّم لإخوانه ثواباً عاجلاً وثواباً أخروياً، يجد جزاءه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، قال الله -تعالى-: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (المزمل:20)، وقال -تعالى-: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ:39). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ...»، وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «... وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ».


فجودوا عليهم أيها المسلمون بما أعطاكم الله، واعطفوا عليهم يبارك لكم في مالكم، ويخلف عليكم بخير، ويضاعف لكم الأجر والثواب، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «...وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ».

وأن نكثر لهم من الدعاء بأن يجبر ضعفهم، ويقوي شوكتهم، وأن يرد كيد المعتدين في نحورهم، وأن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلا، وأن يطهِّر المسجد الأقصى من أيدي الظلمة المعتدين والبغاة الغاصبين إنه سميع مجيب