إنك حينما تسمع هذه الكلمة يتبادر إلى ذهنك كل خراب ودمار يلحق البشرية، ولكن حرب النبي ﷺ كانت حرباً فاضلة فيها الرفق وفيها الفضيلة فهي تعلّم الناس كيف تكون الفضيلة، وكيف تكون المرحمة في الحرب، وهى في أصلها مكروه، فإذا دخلتها الرحمة فإنها تكون كالنسيم العليل في الحر اللافح، ولا يمتد أثرها لأبعد من ميدان المعركة.


وللحرب في الإسلام فلسفة يُمكن إجمالُها في النِّقاط التالية:
أولاً: الحرب في الإسلام حربٌ لإقرار الحق، ودَحْض الباطل.
ثانيًا: الحرب في الإسلام لردِّ الاعتداء، لا لإبادة الأعداء.
ثالثًا: نَشْر العقيدة الإسلامية وحمايتها، دونما إلزامٍ لأحدٍ بها.
رابعًا: مَنْع الظلم والإفساد في الأرض.
خامسًا: حماية الدِّيانات الأخرى من أن تُمحى.


الحرب في الإسلام تبدأ برحمة وتسير في رحمة وتنتهى برحمة، إنها حربٌ كلها رحمة شرعتها الرحمة وأظلتها الرحمة وأنهتها الرحمة، وإذا كانت الرحمة بالإنسان أن تقطع بعض أجزاء الجسد فإن الرحمة بالناس أن تقطع عناصر الفساد، وكانت الرحمة قبل المعركة بأنه كان النبي ﷺ:


يأمر الجيش بالتأني قبل التقدم للقتال ويدعوهم أن لا يتمنوا لقاء العدو لأنه امتحانٌ للقلوب، وهدمٌ للأجساد


فإذا تعين القتال خيّرهم بين الإسلام أو أن يعاهدوه -ليأمن الاعتداء من جانبهم- ويقول لمعاذ: "لا تقاتلوهم حتى تدعوهم فإن أبوْا فلا تقاتلوهم حتى يبدؤكم، فإن بدؤكم فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا رجلا منكم ثم أروهم ذلك القتيل ثم قولوا لهم: هل إلى خيرٍ من هذا سبيل؟ فلأن يهدى الله على يديك رجلاً واحداً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغربت. (خاتم النبيين لمحمد أبي زهرة ج٢)


قولوا لي بالله عليكم يا أولى الألباب هل هذه معركة حربية أم مبادرة وديّة؟


إن القائد لا يتقدم حتى يقتلوا فعلاً ثم يبين العبرة في ذلك الدم الذى أراقوه ظلماً وعدوناً، فإن لم يعتبروا لم يبق إلا السيف.


فإذا نشبت المعركة فإن الرحمة تظللها ولا تفارقها، فالرحمة هي في قطع الفساد ومنع الشر، فكان يوصى الجيش: "انطلقوا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا ولا امرأة، ولا تغلوا (أي تأخذوا شيئا من الغنيمة قبل تقسيمها)، ولا تغدروا ولا تمثلّوا (أي بالقتلى) ولا تقتلوا وليدًا ولا ذرية ولا عسيفاً (أي عاملًا ولا أجيرًا).


أي الذين ليس لهم في الحرب رأى ولم يشاركوا فيها. ويقول لجنده: "تألفوا الناس وتأنوْا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على وجه الأرض من مدر ولا وبرٍ أن تأتوني بهم مسلمين خيرٌ من تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم.