قال الله تعالى:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

وصف الله جل وعلا ابراهيم عليه السلام فى هذه الاية بأربع صفات:
فوصفه بأنه كان حنيفاً،
والحنيف : المائل قصداً عن غير مراد الله إلى مراده.
فإبراهيم هذه صفته،
كان متجهاً إلى ربه جل وعلا بكليته قاصداً ذلك،
أي أنه كان راغباً فيه مقبلاً عليه بعزم ونشاط وجد وقوة،

والحنيف هو المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد ،
ولهذا قال : (وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) و
وأما كونه أمة فالأمة جاء تفسيرها في هذه الآية عن السلف بمعنيين:
المعنى الأول:
القدوة في الخير.

أي أنه كان قدوة في الخير والدعوة إليه، فهو قدوة في عبادة الله وحبه والإقبال عليه والدعوة إلى ذلك، وهذه القدوة لا تنال إلا باليقين والصبر، فإذا أيقن العبد بأمر الله جل وعلا وبواجباته التي أوجبها عليه وصبر عليها عملاً ودعوة فإنه يكون قدوة.
التفسير الثاني:
أنه كان واحداً في الحق، ليس معه أحد غيره؛
لأنه كان هو الذي على طريق الحق،
وهو الذي اتخذه الله خليلاً،
وأما من عداه من قومه فكلهم كفار وكلهم مشركون،
ولهذا جاء في الصحيح أنه قيل للطاغية أحد الجبابرة: إنه قدم عليك رجل معه امرأة فيها من الجمال ما لا يصلح إلا أن تكون زوجة لك.

وعلم أنه لو قال: إنها زوجتي لأخذها، فقال لما سأله: هي أختي.
لأنه علم أنه إذا قال: أختي لا يأخذها،
فلما رجع إليها قال: لا تكذبيني،
فإني قلت: إنك أختي وأنت أختي في الإسلام،
ليس اليوم مسلم غيري وغيرك.

وهذا يشهد لقولهم بهذا القول أنه كان وحده على الحق، أمة وحده على الحق والتوحيد،
وهذا في الواقع لا ينافي القول الأول،
فهو كان في أول أمره واحداً في الحق،
وهو أيضاً القدوة،
ولهذا أمرنا الله جل وعلا بالتأسي به، قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ } [الممتحنة:4]، فأمرنا بالتأسي به لأنه هو القدوة في ذلك، وهو إمام الحنفاء وإمام الموحدين الذين حققوا التوحيد.

الصفة الثالثة:
أنه كان قانتاً.
والقنوت في اللغة:
هو دوام الطاعة، فمن داوم على الطاعة مستقيماً عليها فإنه يكون قانتاً، وكذلك إذا أطال الإنسان الصلاة وأطال الركوع والسجود فإنه يكون قانتاً، قال تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ } [الزمر:9]، وسماه قانتاً، فالقنوت هو المداومة على الطاعة ولزومها مع الخشوع والذل والخضوع لله جل وعلا.

الصفة الرابعة:
أنه ما كان من المشركين، فما كان معهم في القصد والإرادة، ولا كان في المكان، وما كان في الدين والعمل معهم، بل كان مفارقاً لهم في جميع الأحوال، وهو كذلك لم يقع في الشرك، ولهذا أخبر الله جل وعلا عنه في مواضع متعددة أنه ما كان يهودياً ولا نصرانياً ولا كان مشركاً، وكل من الخلق يدعي أنه على طريقته، فاليهود يدعون أنهم أتباعه وعلى نهجه وعلى ملته، والنصارى كذلك، والمشركون كذلك، والله جل وعلا برأه من الجميع، وأخبر أن أولى الناس بإبراهيم اَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ، وهو نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهؤلاء هم أولى الناس به وأقربهم إليه.
قال الله تعالى :
(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) النجم/37 . أي : قام بجميع ما أمره الله به .
فقد بذل جهده، واستنفذ طاقته في تبليغ رسالة الله، وطاعته فيما أمره به، وفيما ابتلاه به.
قال الله تعالى :
(إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) هود/ 75 .
و(حَلِيمٌ) "أي : ذو رحمةٍ ، وصفحٍ عما يصدر منهم إليه من الزلات ، لا يستفزه جهل الجاهلية ، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه" .
تفسير السعدي .
و(أَوَّاهٌ) أي :
كثير التضرع والذكر والدعاء والاستغفار .
و(مُّنِيبٌ) "أي :
راجع إلى الله بمعرفته ومحبته والإقبال عليه والإعراض عما سواه" .
تفسير السعدي .

كرمه وسخاؤه ، قال الله تعالى :
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ . إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) الذاريات/ 24 – 27 .

عظم صبره ، قال الله تعالى :
(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف/ 35 ،
وإبراهيم عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، فهم المذكورون في قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى/13 .

- البراءة من الشرك والمشركين ، وإعلانه ذلك ،
قال الله تعالى :
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وممَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ ...) الممتحنة/ 4 .

قيامه بجميع ما أمره الله به على أتم وجه ،
قال الله تعالى :
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة/124 .

قال الله تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ
والرشدُ يعني الاهتداء لوجوه الصلاح ومعرفة طرق الخير

إذ جاء ربه بقلبٍ سليم” الصافات:
والسلامة هي التعري من الآفات الظاهرة والباطنة،
قال الراغب: بقلب سليم أي متعرٍ من الدغل،
ونبي الله إبراهيم عليه السلام أقبل على الله بقلبٍ يوحده ويُعظمهُ بعيد عن الشوائب،
خالص من العيوب، دائم على الفطرة.

( شاكرا لأنعمه )
أى : معترفا بفضل الله - تعالى - عليه ، ومستعملا نعمه فيما خلقت له ، ومؤديا حقوق خالقه فيها .

وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِبْرَٰهِيمَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
قال السعدى
الصديق: كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،.وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب، المؤثر فيه، الموجب لليقين، والعمل الصالح الكامل،. وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد،انتهى
فابراهيم عليه السلام كان ملازماً للصدق فى كل أقواله وأفعاله وأحواله ،كما كان نبينا عليه الصلاة والسلام
وصف إبراهيم بالصدّيق لفرط صدقه في امتثال ما يكلفه الله تعالى لا يصده عن ذلك ما قد يكون عذراً للمكلف مثل مبادرته إلى محاولة ذَبح ولده حين أمره الله بذلك في وحي الرؤيا ، فالصدق هنا بمعنى بلوغ نهاية الصفة في الموصوف بها