النقاب المفترى عليه


أرتدي نقابي كل يوم قبل أن أغادر المنزل، دون أن أتوقّف ثانيةً للتفكير في ذلك، أجعله يتدلّى على وجهي، وأعقد رباطه خلف رأسي، وأُسَوِّي فتحة عيني؛ لأتأكد من عدم وجود ما يعيق مجال رؤيتي.


وبوجود مرآة بجانب الباب الأمامي للمنزل، يمكنني أن أرى كيف ينظر الناس إليَّ: امرأة متوسطة الوزن والطول، مغطّاة بطبقاتٍ عديدة من القماش، سواء كان ذلك نقابًا أو حجابًا وأحيانًا عباءة، باللون الأسود أو الأزرق أو البني.

لكن هل يراني الناس حقًّا هكذا؟ حينما أسير عبر المُـتَـنَـزَّه مع واحدة أو اثنتين من صويحباتي.. حينما أركن سيارتي في أحد أماكن الانتظار..

حينما أتصفّح الأرفف في قسم السلع المجمّدة.. حينما أسأل عن طريقة طهي الهليون (نبات من فصيلة الزنبق) في أحد الأسواق، كيف يرى الناس هذا المشهد؟

أيرون امرأةً مضطهدة، امرأة بلا اسم ولا صوت.. أم يرون مجرمة؟!

حسنًا، أتوقع أن ينظر إليّ ساركوزي وأمثاله باعتباري مجرمة، أليس كذلك؟!

لا تبتئس فهذه بلد ديمقراطية، ولا تهتمّ، فقد توصلتُ إلى هذا الاختيار بمحض إرادتي، كما فعَلَت الغالبية العظمى من المنتقبات من بنات جيلي، لا تغتمَّ فأنا رغم كل شيء مواطنة مستقيمة أعمل بجد في تربية أطفالي، وإدارة مجلة متخصّصة بالشأن النسائي، أتحمّل مسئولياتي، حتى أنني أشتري منتجاتٍ وطنيةً.

صحيحٌ أنني أغطّي وجهي، لكني لا زلتُ أنتمي لهذا المجتمع، بل إنني لا زلتُ بشرًا، رغم الجنون الذي قد يحمله ذلك، بشرٌ له أفكاره الخاصة ومشاعره وآراؤه، لن أسمح لهؤلاء الذين يجهلون حقيقتي أن يرسُموا صورتي كامرأة مضطهدة، خاضعة، من مخلّفات عصور الظلام، تفكيري ليس نمطيًّا (تعميميًّا)، وإن شاء الله لن أكون كذلك أبدًا.

لكن أين مَن يستمعون؟ لسنوات طوال ظلّت المرأة المسلمة تقول: إن الحجاب ليس اضطهادًا لها، وإن السّتر عبادة في ديننا، وإن هذا اختيارنا لمنهج حياتنا، لكنَّ الجدال لا يفتأ يشتعل حول استبعاد النسوة اللاتي يغطّين وجوههنّ (من المجتمع).

إن التركيز على النقاب، من وجهة نظري، هو وضعٌ للشيء في غير محله، ألم يجد الفرنسيُّون شيئًا أكثر فائدة من إملاء زيٍّ معين على المسلمات؟! أوليست مجتمعاتنا تواجه مشكلاتٍ أكبر من ثلَّةٍ من المسلمات قرَّرن تغطية وجوههن؟!

في نهاية المطاف، لن يُثمِر الحظرُ سوى إجبار من اخترن تغطية وجوههن على مزيد من التراجع إلى الوراء، ولن يُفرِزَ أي نوع من تحرير المرأة المسلمة من الحجاب، من حق كل النساء، سواء كن متحجباتٍ أم لا، أن يرتدين ما يرونه ملائمًا، وأن يتعلمن، وأن يعملن في المكان الملائم، وأن يُدِرنَ حياتهنّ بما يتوافق مع تعاليم دينِهن، طالما لم تعتدِ اختياراتهن على حرّيّات الآخرين.

وكمسلمة أعيش في بريطانيا، أشعر بالامتنان لحقيقة أنَّ مجتمعي لا يجبرني على الاختيار بين كوني مسلمة ملتزمة وعضوة نشطة في المجتمع، كنتُ قادرةً على تلقِّي تعليمي ثم العمل وامتهان الكتابة وتأسيس مجلة نسائية، كلُّ ذلك وأنا أرتدي النقاب، أعتقد أن ذلك يمثِّل اعتمادًا للمجتمع البريطاني، بغضِّ النظر عما يمكن لمناهضي التعدديّة الثقافية قوله، كما أعتقد أن الفرنسيين بإمكانهم تلقِّي دروسًا في غاية الأهمية من المقاربة البريطانية.

لذلك أحيِّي مرةَّ وثانية وثالثة هؤلاء النسوة اللاتي اتّخذن قرار ارتداء الحجاب أو النقاب، ولا يزلن يمارسن حياتهن بصورة طبيعية، (وأقول لهن) وَاجِهنَ سخرية وازدراء هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يعرفون عن البرقع أكثر ممن يرتدونه، وَاجِهنَ العناوين الرئيسية المُخزِية (التي تطفح بها الصحف)، وَاجِهنَ حتى سخرية أطفال المدارس (من لباسكن)، المهمّ أن (تُقاتِلنَ) يومًا آخر، ذلك أن لا أحد يعرف، إن استمر ساركوزي وأمثاله على نهجهم، لربما قررت هؤلاء النسوة التفكير مرّتين قبل أن يخرجن إلى هذا المجتمع مرة ثانية.

ومن يدري، ربما كنتُ إحداهن، وأعتقد أنه سيكون يومًا كئيبًا!

كانت هذه صرخة أطلقتها نعيمة روبرت، رئيسة تحرير ومؤسِّسَةُ مجلة الأخوات التي تُعنَى بشئون المسلمات، في وجه من يهتمّون بمحاربة النقاب أكثر من اهتمامهم بالأزمة المالية أو الاحتباس الحراري!

______________________________ ___
الكاتب: نعيمة بي روبرت