شكر النعم









سعيد السواح


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أخي الحبيب


هل أنت من عباد الله الشاكرين؟

هل أنت من المغترين بعلمهم وعملهم؟

هل تعرفت على نعم الله عليك؟

لقد قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)

فالله -سبحانه- يذكر منته على عباده في إخراجهم إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي يدركون به الأصوات والمسموعات، ويرزقهم البصر الذي يحسون به المرئيات، ويرزقهم الأفئدة وهي العقول التي يميزون بها بين الأشياء الضارة والنافعة، وإنما أعطى الله الإنسان ومنحه هذه العطايا ليتمكن من عبادة ربه -تعالى- فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه.

فالله أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئاً ولا تعلمون، فاشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم.

وقال مجاهد -رحمه الله-: "هذه نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر"

وقرأ الفضيل -رحمه الله- هذه الآية ليلة فبكى، فسئل عن بكائه، فقال: "هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك عينين تبصر بهما؟ هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك لساناً تنطق به؟ وجعل يعدد نعم الله تعالى."

أيها الحبيب: استمع إلى قول ربك الذي خلقك فسواك فعدلك فركبك على أحسن صورة (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23)

قال سبحانه: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:10)

فعد أيها الإنسان بذاكرتك إلى بداية تكوينك كجنين في بطن أمك، فما أنت أيها الإنسان؟! أما تذكر؟

فما أنت إلا عبارة عن نطفة وضعت في رحم أمك واحتوتك أحشاؤها ثم تنقلت وأنت في رحمها من طور إلى طور حتى خرجت إلى الدنيا بعدما اكتملت خلقتك، واليوم أنت تتكلم وتمرح وتسعى وتعمل وتلهو.

اليوم تخاصم وتجادل وتعاند، اليوم تستعلي على كتاب ربك وعلى سنة رسولك -صلى الله عليه وسلم -، اليوم أصبح لك وجهة نظر في كذا وكذا مما أمر الله به، اليوم تمر على آيات الله وهي تتلى عليك فما منك إلا أن تتولى وتستكبر كأن لم تسمعها بل ولا تعطيها أدنى اهتمام.

فيا أيها الإنسان:

أليس هذا السمع من نعم الله عليك؟

أليس هذا البصر من نعم الله عليك؟

أليس هذا التذوق من نعم الله عليك؟

أليس هذا الشم من نعم الله عليك؟

أليس هذا الإحساس من نعم الله عليك؟

فلو اعترفت، وليس لك إلا الاعتراف أنها من نعم الله عليك، فلتبصر كيف وجهتها؟ أتراك وجهتها بالصورة التي يظهر من خلالها أنك قائم بشكر ربك عليها؟ أم وجهتها بالصورة التي تحصل من خلالها على ملذاتك وشهواتك ورغباتك؟

وهذا يونس بن عبيد -رحمه الله- شكا إليه رجل ضيق حاله، فقال له يونس: أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا. قال: فبيدك مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبرجليك، قال الرجل: لا، قال فذكره نعم الله عليه، فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة!!

وهذا عبد الله بن عباس -رضي لله عنهما- روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ). البخاري

فهذا النعم مما يسأل الإنسان عن شكرها يوم القيامة ويطالب بها، كما قال الله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد فيم استعملوها؟، وهو أعلم بذلك منهم كما قال سبحانه: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا) (الإسراء:36)

أيها الحبيب: فلتستمع إلى ربك لما أمرنا بشكره (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(الب قرة: من الآية172)، ولذا مدح الله إبراهيم -عليه السلام- وكذا نوحاً -عليه السلام-، فقال -سبحانه- عن إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل:121)، وقال -سبحانه- عن نوح: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)(الإسرا ء: من الآية3).

وهذا نبينا وإمامنا وقدوتنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أصحابه كيف يشكرون، فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: والله يا معاذ إني أحبك، فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة (اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)،

وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أفلا أكون عبداً شكوراً).

أيها الحبيب: لعلك تقول كيف أعبد الله بالشكر؟ وكيف السبيل لأن أكون شاكراً لربي؟

لقنا الأمر سهل ويسير على من يسره الله عليه، فهذا يكون بظهور أثر نعمة الله على لسانك ثناءً واعترافاً، وعلى قلبك شهوداً ومحبةًًًًًًًَََ ، وعلى جوارحك انقياداً وطاعةًً.

ولتعلم أيها الحبيب: أن من شكر فإنما في الحقيقة يشكر لنفسه، فشكرك لربك يعود عليك أنت بالمنفعة في الدنيا والآخرة، فربك غني حميد (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(لقمان: من الآية12).

وختاماً أيها الحبيب:
لا تنس أن يلهج لسانك بطلب العون والمدد من ربك ولا تنس أن تقول دوماً: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).