[قال المصنف رحمه الله في هذه الآية:
(إن إبراهيم كان أمة)، لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين،
(قانتاً لله) لا للملوك ولا للتجار المترفين،
(حنيفاً) لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل العلماء المفتونين،
(( ولم يك من المشركين )) خلافاً لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين.
انتهى].
هذا كلامه على الآية وفوائدها،
وهو في الواقع يتكلم من باب اللوازم،
ويذكر الأدنى منبهاً على ما هو الأعلى،
فقوله: (إن إبراهيم كان أمة لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين)
يشير بهذا إلى أنه كان وحده على الحق،
وهذا هو المعنى الثاني الذي يروى عن ابن مسعود أن إبراهيم عليه السلام كان وحده على الحق،
وجاء عن غيره أيضاً من السلف المعنى الثاني الذي ذكرناه.
وقوله: (لئلا يستوحش السالك من قلة السالكين)
يدلنا على أن الإنسان يجب أن يتعرف على الحق،
وأنه ليست الكثرة دليلاً على أن الحق يكون معها،
بل قد يكون الحق مع الأقلين،
وأن الإنسان لا يستوحش من ذلك
، بل يجب عليه أنه إذا عرف الحق يتمسك به ولو كان وحده،
فهذا معنى كلامه.
وأما قوله: (قانتاً لله لا للملوك ولا للتجار المترفين)
فيعني أنه بذلك يشير إلى وجوب الإخلاص،
وأن يكون العمل خالصاً لله، لا يقصد به منافع دنيوية ولا أحد من الناس، وإنما يقصد به رب العالمين جل وعلا.
وأما قوله:
(حنيفاً لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل العلماء المفتونين)
فيعني أن الذي يعلم الحق يجب عليه أن يتبعه ويحذر من الفتنة،
ولا يغتر بمن مال عن ذلك وإن كان من العلماء؛
فإن العلماء منهم من يفتن ويكون مؤثراً للحياة الدنيا على الآخرة،
لهذا قال: (كفعل العلماء المفتونين)
الذين فتنوا بالدنيا، أو فتنوا بالجاه، أو فتنوا بالمناصب أو ما أشبه ذلك،
فالإنسان لا يغتر بمن جانب الحق،
ويجب عليه أن يتعرف على الحق ويتبعه،
ولا يغتر بمن مال وحاد عنه وإن كان عالماً.
وقوله: (وما كان من المشركين خلافاً لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين)
يقصد بهذا أن يكون بعيداً عن الشرك وأهله،
لا يكثرهم ولا يكون معهم، وهذا في المكان،
وكونه أيضاً في العمل أولى من هذا بكثير، فلا يكون على نهجهم وعلى طريقتهم،
ولا يكون موافقاً لهم فيما يفعلونه،
بل هذا أولى من الأول، فهو نبه بالأدنى على الأعلى.

الكتاب : شرح كتاب التوحيد
المؤلف : عبد الله بن محمد الغنيمان