وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
أحمد قوشتي عبد الرحيم
{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}
في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك»
ولعل هذه أول محاولة لدراسة الإنسان : دراسة طبيعته ومدى قدرته على الصلابة والتحمل ، والذي قام بها إبليس الرجيم ، والغريب أنه فعل ذلك حتى قبل نفخ الروح في آدم عليه السلام !!
ومن الدروس المستفادة : أن الإنسان - عموما - كائن أجوف ليس مصمتا وقد فسر النووي معنى الأجوف بأنه صاحب الجوف ، وقيل هو الذي داخله خال ، ولا شك أن هذا الكائن الأجوف محتاج لما يملأ فراغه ويشبع احتياجاته بكل معانيها ، فهو محتاج للطعام والشراب والمال والشهوة وحب الجاه ونيل تقدير الناس وغير ذلك من الرغبات .
والإنسان أيضا كائن لا يتمالك ولا يستطيع السيطرة التامة على نفسه أمام نوبات الغضب ، واحتياجات الجسد ، ورغبات النفس ، ونزعات الهوى ، ولا يعصمه من ذلك كله إلا الاستعانة بالله والاعتصام به ، وتزكية النفس ، واتباع الشرع ، والخوف من الرب سبحانه .
والشاهد من هذا كله هو أن ابن آدم كائن ضعيف ، يولد والضعف ملازم له ، لا يستطيع أن ينفك عنه بحال ، ولا أن يتخلص منه بالكلية ، لأنه من أصل الخلق ، وطبيعة التركيب ، كما قال سبحانه {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}
ومع أنه ينتقل من مرحلة الضعف إلى القوة لا سيما مع بلوغ الأشد ، وقد يظن أنه ملك الأرض ومن عليها ، لكن قوته تلك فترة مؤقتة محفوفة بضعفين : ضعف في أول الخلقة وابتداء النشأة ، وضعف في آخر الرحلة مع الشيب والهرم ، كما قال تعالى :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}