من آفات طلب الشهرة

سالم الناشي




- طلب الشهرة لأجل الشهرة أصبحت مرضا مزمنا عند بعض الناس، فهي عندهم فوق كل شيء، فوق القيم والعادات وأحيانا حتى فوق النفس والدين!
- فكم منهم من فقد حياته لأنه فقد الشهرة!، وكم منهم من اعتلَّت حالته النفسية فأصيب بالاكتئاب والقلق أنه لم يصل إلى مبتغاه من الشهرة! وكم منهم من ساقته الشهرة إلى المسكرات والمخدرات والهموم!.
- وهنا نحن لا نتحدث عن الشهرة التي قد تلازم الإنسان لأمر طبيعي، كأن يراك المصلون ترتاد المسجد فيثنون عليك خيرا، ويقولون: إنه من أهل المساجد، ولكن المشكلة في الذين يتعمدون الظهور بطرائق غريبة من ناحية القول أو الفعل أو الشكل، ويحاول أحدهم لفت انتباه الناس بأي طريقة، ولعل وسائل الإعلام عموما، ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصا حفزت محبي الشهرة إلى التهافت على مزيد من الظهور.
- وأغلب محبي الشهرة ليس لهم دور فاعل وحقيقي في المجتمع، فيتصنع أحدهم بأنه مصلح وهو ليس كذلك، أو يدعي أن له دورا مهما من شأنه أن يبرز شخصه فيتحدث الناس عنه!
- ولقد حذرنا القرآن الكريم من العجب والغرور فقال -جل وعلا-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18). وفي المقابل أعد الله أعظم الجزاء لمن تواضع لعظمته، فقال -جل شأنه-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ( القصص: 83).
- طلب الشهرة مذموم بكل حال، والمؤمن يحب التواضع، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أدُلُّكُمْ علَى أهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لأبَرَّهُ...». ومن أعظم ما يفسد على المرء سعيه إلى ربه، حبه للشهرة، والشرف في الناس، والرئاسة عليهم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ما ذئبان جائعانِ، أُرْسِلا في غنَمٍ، بأفْسَدَ لها مِنْ حِرْصِ المرءِ على المالِ والشرفِ لدينِهِ». والشرف هنا أي الشهرة.
- ولقد ذم ديننا من يتكلم بغير علم، ويبث أموره للعامة، فسماه بالرويبضة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ . قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قال: الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ». والتافه: أي الذي لا شأن له، ولا معرفة له، ولا علم له.
- وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أيما تحذير ممن يحب أن يتمثل له الناس قياماً مثل هذا الرويبضة ! قال - صلى الله عليه وسلم-: « مَن أَحَبَّ أن يتمثلَ له الرجالُ قيامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النارِ».
- ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- يتميز عن المسلمين في لبسه، يقول أنس بن مالك: «بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ علَى جَمَلٍ، فأناخَهُ في المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قالَ لهمْ: أيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئٌ بيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ.. .». وهذا يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يميز نفسه بشيء عن صحابته.
- قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: «يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ، قِيلَ لِأَبِي دَاوُد السجستاني: وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ؟ قَالَ: «حُبُّ الرِّئَاسَةِ».
- ومن أعظم آفات حب الشهرة، والتطلع إليها، أن تطلب النفس مدح الناس لها، بالحق أو بالباطل. قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ»، فالمدح يورث العجب والكبر، وهو مهلك كالذبح؛ فلذلك شبه به.

- «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ». قال الشيخ ابن عثيمين: «الخفي: هو الذي لا يظهر نفسه، ولا يهتم أن يظهر عند الناس أو يشار إليه بالبنان، أو يتحدث الناس عنه، تجده من بيته إلى المسجد، ومن مسجده إلى بيته، ومن بيته إلى أقاربه وإخوانه، يخفي نفسه.