إن الله تعالى يكون على عرشه، وعرشه فوق جميع خلقه، والعرش وحملته مخلوقون، والله غني عن العرش ، وغني عن حملته، وهو الحي القيوم ، وهو القائم على كل شيء، وبه قيام كل شيء،
وما حملت الملائكة عرشَه إلا بقدرته سبحانه،
فهو الذي أقدرهم على ذلك.
قال الإمام الدارمي رحمه الله:
" إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَكْبَرُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ،
وَلَمْ يَحْتَمِلْهُ الْعَرْشُ عِظَمًا وَلَا قُوَّةً،
وَلَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ احْتَمَلُوهُ بِقُوَّتِهِمْ،
وَلَا اسْتَقَلُّوا بِعَرْشِهِ بِشِدَّةِ أَسْرِهِمْ،
وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوهُ بِقُدْرَتِهِ ، وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، وتأييده ؛
لَوْلَا ذَلِك مَا أطاقوا حمله.
وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ حِينَ حَمَلُوا الْعَرْشَ ، وَفَوْقَهُ الْجَبَّارُ ، فِي عِزَّتِهِ وَبَهَائِهِ ؛
ضَعُفُوا عَنْ حَمْلِهِ وَاسْتَكَانُوا، وَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ،
حَتَّى لُقِّنُوا "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" ؛
فَاسْتَقَلُّوا بِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ.
لَوْلَا ذَلِكَ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْعَرْشُ، وَلَا الْحَمَلَةُ، وَلَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَلَا مَنْ فِيهِنَّ... "
انتهى من "نقض بشر المريسي " (1/ 457).
أن الله تعالى هو الرب المالك القادر الذي يفعل ما يشاء،
وقد شاء سبحانه أن يستوي على عرشه،
وأن يكون لعرشه حملة، الآن ، ويوم القيامة،
وأنه سبحانه أقدرهم على حمل هذا العرش العظيم ،
ومكّنهم من ذلك بحوله وقوته.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وبيان ذلك :
أن الله مستغن عن كل ما سواه، وهو خالقُ كلِّ مخلوق، ولم يصر عالياً على الخلق بشيء من المخلوقات، بل هو سبحانه خلق المخلوقات، وهو بنفسه عال عليها،
لا يفتقر في علوه عليها إلى شيء منها، كما يفتقر المخلوق إلى ما يعلو عليه من المخلوقات، وهو سبحانه حامل بقدرته للعرش ، ولحملة العرش.
وفي الأثر: أن الله لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله،
قالوا: ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك؟
فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فإنما أطاقوا حمل العرش بقوته تعالى،
والله إذا جعل في مخلوق قوة ؛ أطاق المخلوق حمل ما شاء أن يحمله ، من عظمته وغيرها .
فهو بقوته وقدرته الحامل للحامل والمحمول،
فكيف يكون مفتقراً إلى شيء؟"
انتهى من "درء التعارض" (7/ 19).

وقال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح:
فإذا كان العبد فقيرا إلى ما استوى عليه، يحتاج إلى حمله. وكان الرب - عز وجل - غنيا عن كل ما سواه، والعرش وما سواه فقيرا إليه، وهو الذي يحمل العرش وحملة العرش، لم يلزم إذا كان الفقير محتاجا إلى ما استوى عليه أن يكون الغني عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه - محتاجا إلى ما استوى عليه. وليس في ظاهر كلام الله - عز وجل - ما يدل على ما يختص به المخلوق من حاجة إلى حامل وغير ذلك، بل توهم هذا من سوء الفهم، لا من دلالة اللفظ. اهـ.

وقال في موضع آخر - كما في الفتاوى - :
الله تعالى غنيٌّ عن كلّ شيء، لا يفتقر إلى العرش ولا إلى غيره من المخلوقات، بل هو بقدرته يحمل العرشَ وحَمَلَتَه، وكذلك هو العليّ الأعلى الكبير العظيم الذي لا تُدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ، وهو سبحانه أكبر من كل شيءٍ. اهـ


وقد حكى أبو الحسن الأشعري رحمه الله قولين في حملة العرش ماذا يحملون؟
قال في "المقالات" (ص211):
" واختلف الناس في حملة العرش ما الذى تحمل ؟
فقال قائلون: الحملة تحمل البارىء وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم،
وإذا رضى خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل.
وقال بعضهم: ليس يثقل البارىء ولا يخف ولا تحمله الحملة،
ولكن العرش هو الذى يخف ويثقل وتحمله الحملة" انتهى.

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية"(3/ 238):
" فصل للناس في حملة العرش قولان:
أحدهما: أن حملة العرش يحملون العرش ولا يحملون من فوقه.

والثاني: أنهم يحملون العرش ومن فوقه ، كما تقدم حكاية القولين .
فيُذكر ما يقوله الفريقان في جواب هذه الحجة؛ فإنهم ينازعونه في المقدمتين جميعا.
فيقال من جهة الأوَّلين:
لا نسلم أن من حمل العرش ، يجب أن يحمل من فوقه ؛ فالمقدمة الأولى ممنوعة !!

وذلك : أن من حمل السقف ، لا يجب أن يحمل ما فوقه ؛ إلا أن يكون ما فوقه معتمدا عليه ؛ وإلا ، فالهواء والطير ، وغير ذلك مما هو فوق السقف : ليس محمولا لما يَحمل السقف، وكذلك السموات فوق الأرض ، وليست الأرض حاملة السموات ، وكل سماء فوقها سماء ، وليست السفلى حاملة للعليا .
فإذا لم يجب في المخلوقات أن يكون الشيء حاملا لما فوقه ، بل قد يكون ، وقد لا يكون ؛ لم يلزم أن يكون العرش حاملا للرب تعالى ، إلا بحجة تبين ذلك .
وإذا لم يكن العرش حاملا ؛ لم يكن حملة العرش حاملة لما فوقه ، بطريق الأولى.
الوجه الثاني: أن الطائفة الأخرى تمنع المقدمة الثانية فيقولون: لا نسلم أن العرش وحملته ، إذا كانوا حاملين لله ؛ لزم أن يكون الله محتاجا إليهم .
فإن الله هو الذي يخلقهم ، ويخلق قواهم وأفعالهم ؛ فلا يحملونه إلا بقدرته ومعونته ؛ كما لا يفعلون شيئا من الأفعال إلا بذلك .
فلا يحمل ، في الحقيقة ، نفسَه ، إلا نفسُه !!
كما أنه سبحانه ، إذا دعاه عباده ، فأجابهم ، وهو سبحانه الذي خلقهم ، وخلق دعاءهم وأفعالهم؛ فهو المجيب لما خلقه ، وأعان عليه من الأفعال" انتهى.
فتبين بهذا أنه لا إشكال في كون الملائكة تحمل العرش الآن ، ويوم القيامة .
والله سبحانه فوق عرشه بائن من خلقه، وهو غني عن العرش وحملته .
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/68.
وهو سبحانه : لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الأنبياء/23 .الاسلام سؤال وجواب بتصرف