نزول الدم بعد الطهر هل هو حيض؟



أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


السؤال

الملخص:
سائلة تسأل عن حكم نزول الدم بعد الطهر بأيام؛ إذ إنها طهرت ثم نزل منها دم له علامات دم الحيض، فاعتبرت نفسها مستحاضة، وكانت تتوضأ لكل صلاة كالمستحاضة، وتسأل: ما الحكم في ذلك؟
التفاصيل:حِضتُ في وقتي المعتاد، وطهرت في اليوم الثامن، وفي اليوم السادس من الطهر، رأيت كدرة متجمدة قليلًا، فقلت: لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا فصليت، وفي اليوم الذي تلاه نزل عليَّ الدم كما ينزل في الحيض، بلونه وثَخَنِهِ وسيلانه، فلم يكن نقاطًا، وإنما اضطررت أن أغيِّرَ الفوطة لكثرته كما هو الحال عندما أحيض، غير أني كنت إما ألَّا أجد له رائحة، أو أن أجد رائحته كرائحة دم الرعاف، أما آلام الحيض، فإني لا أجدها دائمًا في كل حيضة، وكذلك كان الحال مع هذا الدم، وقد استمر نحو خمسة أيام منذ أن بدأ بكدرة وانتهى أيضًا بكدرة وصفرة، وهكذا يبدأ الحيض عندي بكدرة، وينتهي بكدرة وصفرة، سمعت فتوى الشيخ ابن عثيمين أن الدم حتى لو نزل بعد الطهر بخمسة أو ستة أيام، فهو حيض إن كانت صفاته صفات دم الحيض، ولكني عندما لم أجد رائحته كرائحة دم الحيض، فخِفْتُ أن أعتبره حيضًا فأترك الصلاة، وأنا في الواقع مستحاضة، فكنت أتوضأ لكل صلاة وأصلي، معتبرة أني مستحاضة، أفتوني في أمري، جزاكم الله خيرًا.

الجواب
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا لكم الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: الراجح من أقوال العلماء أن الحيض لا حدَّ لأقله أو لأكثره، وكذا لا حد لمدة الطهر بين الحيضتين، وهو اختيار ابن تيمية وابن عثيمين؛ [ينظر: رسالة الدماء الطبيعية: (ص: 6)، والشرح الممتع: (1/ 400)].
والعبرة بنزوله بمواصفاته المعروفة من اللون والرائحة، والرقة والتجمد، فدم الحيض تغلب عليه السيولة وعدم التجلط، وله رائحة خاصة تميزه عن غيره من الدم العادي، وهو يخرج من جميع الأوعية الدموية بالرحم سواء الشرياني منها، أو الوريدي، مختلطًا بخلايا جدار الرحم المتساقطة"؛ [الحقائق العلمية في القرآن: (ص: 6)، دكتور محمد أحمد ضرغام].
ودم الاستحاضة عبارة عن دم يسيل من فرج المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبدًا، أو ينقطع عنها مدة يسيرة.ثالثًا: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة:
يميز بينهما بأربع علامات:
الأولى: اللون: فدم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر.
الثانية: الرقة: فدم الحيض ثخين، ودم الاستحاضة رقيق.
الثالثة: الرائحة: فدم الحيض نتن، ودم الاستحاضة ليس بنتن.
الرابعة: التجمد: فدم الحيض لا يتجمد، ودم الاستحاضة يتجمد.
رابعًا: حكم الصفرة والكدرة:
وهي أن ترى المرأة دمًا أصفر، أو متكدرًا بين الصفر والسواد، أو ترى مجرد رطوبة، فلها حالات:
الأولى: أن تراه أثناء الحيض أو متصلًا به قبل الطهر، فله حكم الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله عنهما ((أن النساء كنَّ يبعثن إليها بالدُّرَجة فيها الكُرْسُف فيه الصفرة، فتقول: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء))؛ [البخاري تعليقًا: (1/ 420)، ومالك في الموطأ: (128)، وصححه الألباني: (198)].
الثانية: أن ترى الصفرة أو الكدرة في فترة الطهر، فهذه لا تعد شيئًا ولا يثبت لها حكم الحيض؛ لحديث أم عطية: ((كنا لا نَعُد الصفرة والكدرة بعد الحيض شيئًا))؛ [البخاري: (326)، دون لفظة: (بعد الطهر)، وأبو داود: (307)، وابن ماجه: (647)].
رابعًا: علامة الطهر:
يعرف الطهر من الحيض بطريقة من اثنتين:
الأولى: بخروج القصة البيضاء، وهو سائل أبيض يخرج من الرحم إذا توقف الحيض.
ثانيًا: الجفاف: بأن تضع قطنة بيضاء في الفرج فتخرج من غير تغير أي جافة كما هي.
خامسًا: التغير في مدة الحيض:
إذا زادت مدة الحيض أو نقصت عن المدة المعتادة، كما هو الحال معكِ، فالصحيح أنها متى رأت الدم بمواصفاته فهو حيض، ومتى رأت الطُهر بمواصفاته فهو طُهر.كذلك إذا تغير وقت نزول الحيض بأن تقدم أو تأخر فالعبرة برؤية الدم أو برؤية الطهر، وهذا مذهب الشافعي، وقوَّاه ابن قدامة في المغني، واختاره ابن تيمية، واستصوبه ابن عثيمين؛ [المغني: (1/ 353)، والدماء الطبيعية: (ص: 14، 15)، وتمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة: (1/ 133 - 143)، لشيخنا عادل العزازي].
سادسًا: تقطع الحيض:
بحيث ترى المرأة دمًا يومًا، ويومًا نقاء، فلها حالات:
الأولى: أن يكون مستمرًّا معها كل وقت، فهذا يعد دم استحاضة.
الثانية: أن يكون متقطعًا بأن يأتيها بعض الوقت ويكون لها وقت طهر صحيح، فقد اختلف العلماء في هذا النقاء هل يعد طهرًا أو حيضًا؟
وأوسط الأقوال ما ذهب إليه ابن قدامة في المغني، وهو:
1- إذا نقص انقطاع الدم عن يوم، فالصحيح أن تحسب هذه المدة من الحيض، ولا تكون طهرًا.
2- إذا رأت في مدة النقاء علامة الطهر، فالصحيح أن هذه المدة تكون طهرًا، سواء كانت قليلة أو كثيرة، أقل من يوم أو أكثر.
3- إذا رأت نقطة دم في وقت طهرها غير متصلة، فلا يُلتفت إليها ولا تعد شيئًا.وعليه؛ فالعبرة برؤية الدم لا بآلام الحيض، فإذا كان الدم الذي نزل عليكِ به مواصفات الحيض أو بعض علاماته فهو حيض، ولا عبرة بالمدة أو بتغير وقته، أما إذا كان لا يحمل صفات دم الحيض فهو دم استحاضة، فلكِ أن تقومي بالعبادة ولا يمنعكِ هذا الدم من شيء سواء أكان صلاة أو صيامًا أو جماعًا على الراجح من أقوال العلماء، وهو رأي الجمهور، وتتوضأ لكل صلاة، والله أعلم.
وللفائدة ينظر:
المستحاضة وغسلها وصلاتها.
ما جاء في معاملة الحائض وقت حيضها.
هذا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.