الكفريات في شعر محمود درويش (1)

د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




لقد صدمتني الهالة الإعلامية الصاخبة التي واكبت موت «محمود درويش»؛ حيث ارتدى بعض الإعلاميين من المذيعين والمذيعات اللباس الأسود حدادا على شاعر الأمة من وجهة نظرهم القاصرة، وأصبحت أصواتهم مصبوغة بأنين الحزن والنحيب، ولا تكاد الكلمات تخرج من أفواههم، وكأنهم فقدوا بطلا حقيقيا، حقق لهم آمالهم في استخلاص أراضيهم ومقدساتهم المحتلة من قبل اليهود.
والذي صدمني أيضا هو جهل الكثير من الأجيال الصاعدة التي تؤمل فيها الأمة الخير، بحقيقة هذا الشاعر، فأخذوا يكيلون له المدائح كيلا، وهم في أكثرهم مثل الببغاء الذي يردد كل ما يلقن له دون تروّ أو فهم، وهذا يرجع إلى ضحالة الثقافة وربما انعدامها؛ لقلة القراءة وعدم الاطلاع.
ولذلك فإن ما رأيته وما سمعته عن ذلك الشويعر الذي يدعى «محمود درويش» في وسائل الإعلام المختلفة، جعلني أنفض الغبار عن شخصيته وبعض مؤلفاته، فمن هو ذلك الشاعر الفلسطيني؟ وما حقيقته من واقع كتاباته وأقواله؟ هذا ما سوف نعرفه في ثنايا الصفحات التالية:
ترجمة محمود درويش
محمود سليم حسين درويش، ولد عام 1941 بقرية «البروة- عكا» وأكمل دراسته الثانوية بـ«كفر ياسين»، ثم واصل تعليمه في موسكو، واشتغل في مجال الصحافة في عدد من الدول العربية.
الإلحاد والزندقة في شعره
محمود درويش الذي لقب بشاعر الأرض، وشاعر المقاومة، وعاشق فلسطين... إلى آخره من تلك الشعارات الكاذبة المخادعة، هذا الرجل المحسوب على الإسلام، له دواوين تطفح بالإلحاد والزندقة والكفر بالله جل وعلا، والتطاول على الكتب السماوية، والأنبياء الكرام.
الدليل من دواوينه
- أولا: الهجوم على الله جلا وعلا:
قال إن الله خلق الإنسان عبثا.
وقال في مقطوعة عن الصمود: إنا خُلقنا غلطة في غفلة من الزمان(1).
وهذا طعن في توحيد الربوبية؛ فالله جل وعلا يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56).
وقال: خريف جديد لامرأة النار: كوني كما خلقتك الأساطير والشهوات، كوني ملائكتي أو خطيئة...(2).
وقال في قصيدة بعنوان: «سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا»: وسرحان يرسم شكلا ويحذفه: طائرات ورب قديم(3).
وهنا ينسب محمود درويش الخلق إلى غير الله، وتسمية غير الله خالقا، ذلك الهذيان الركيك لولا أن فيه تعديا على الله ما انتبه له أحد.
وقال في قصيدة: «مزامير»: نرسم القدس.. إله يتعرى فوق خط داكن الخضرة(4).
وهنا ينسب التعري إلى الله، تعالى الله عما يقول الكافرون.
وقال في قصيدة: «موت آخر وأحبك»: وأكمل هذا العناق البدائي، أصعد هذا الإله الصغير.. يسد طريقي إلى شفتيك، فأصعد هذا الإله الصغير(5).
وفي هذا الهذيان يذكر تعدد الآلهة وتفاوتها في الصغر والكبر، والقوة والضعف، وهذا ما يؤمن به الهندوس عبدة الأوثان؛ حيث يعبدون ما يقارب الثلاثة آلاف إله، بعضها قوي وبعضها ضعيف، وبعضها صغير وبعضها كبير، تعالى الله عما يقول المشركون.
السخرية والاستهزاء بالله جلا وعلا
قال في قصيدة: «الموت في الغابة»: نامي فعين الله نائمة عنا(6).
والله سبحانه وتعالى يصف ذاته العلية بقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} (البقرة:255). وقال:
طوبى لمن يعرف حدود سعادتي.
طوبى للرب الذي يقرأ حريتي.
طوبى للحارس الذي يحبس طمأنينتي(7).
وقال في قصيدته: «تلك صورتها»:
يومك خارج الأيام والموتى وخارج ذكريات الله والفرح البديل(8).
وهنا يظهر تأثره الواضح بأسياده اليهود وإخوانه الزنادقة بأن الله خلق الخلق وتركهم، هذا إذا كان الله موجودا حقا بزعمهم.
وقال هذا الزنديق بقصيدة: «آه عبدالله»: إن هذا اللحن لغم في الأساطير التي نعبدها.
قال عبد الله: جسمي كلمات، ودوي، هكذا الدنيا، وأنت الآن يا جلاد أقوى ولد الله.. وكان الشرطي...(9).
وهذا قول خطير حيث إنه ينسب إلى الله جل وعلا الزوجة والولد وهذا قولى النصارى فهو يؤيد عقيدتهم، عقيدة التثليث.
وقال في قصيدة بعنوان: «إلهي لماذا تخليت عني؟» على لسان امرأة يقول فيها: «إلهي إلهي، لماذا تخليت عني، لماذا تزوجت مريم؟ لماذا وعدت الجنود بكرمي الوحيد، لماذا؟ أنا الأرملة... أطلقتني؟ أم ذهبت لتشفي سواي، عدوي من المقصلة، أمن حق من هي مثلي أن تطلب الله زوجا وأن تسأله، إلهي إلهي... لماذا تخليت عني، لماذا تزوجتني يا إلهي، لماذا... لماذا تزوجت مريم؟»(10).

كيف هذا والله يقول: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيام فردا} (مريم:88-95).
الطعن في توحيد الألوهية:
ودعا درويش لقتل الله جل وعلا فقال: «أقل احتفالا على شاشة السينما، فخذوا وقتكم لكي تقتلوا الله... ونعرف ما هيأ المعدن -السيد اليوم من أجلنا ومن أجل آلهة لم تدافع عن الملح في خبزنا، ونعرف أن الحقيقة أقوى من الحق، نعرف أن الزمان تغير، منذ تغير نوع السلاح، فمن سوف يرفع أصواتنا إلى مطر يابس في الغيوم»(11).
وقال وهو يجحد حق العبودية لله تعالى والسخرية بالعبادة؛ حيث يتحدث في مقطوعة بعنوان: «أبي» عن أبيه رمز القديم ورمز الجيل المؤمن بالله، ويتهكم به وبصلاته وعبادته فيقول:
«غض طرفا عن القمر، وانحنى يحضن التراب، وصلى، لسماء بلا مطر، ونهاني عن السفر!... وأبي قال مرة حين صلى على حجر: غض طرفا عن القمر، واحذر البحر، والسفر! يوم كان الإله يجلد عبده، قلت: يا ناس! نكفر، فروى لي أبي، وطأطأ زنده: في حوار مع العذاب، كان أيوب يشكر خالق الدود، والسحاب، خلق الجرح لي أنا لا لميت، ولا صنم» (12).

وقال وهو يعلن كفره بالصلاة والقبلة في قصيدته «صلاة»:
في الدنيا مصيرنا، فلماذا
تتحادى على العذاب والشقاء
السؤال الذي يغير علينا
أقضيته بقبلة لا تراه
من أنا؟ كافر بكل صيام
مدمن... مدمن بكل قواه
حب عمري.. يأكل مطلب عمري
إنني شاعر وأنت إله(13).
الهوامش:
1- ديوان محمود درويش، دار العودة، ط(2)، 1987م، بيروت، ص42.
2- ديوان محمود درويش، ص451.

3- ديوان محمود دريش، ص451.
4- ديوان محمود درويش، ص398.
5- ديوان محمود درويش، ص562.
6- ديوان محمود درويش، ص24.
7- ديوان محمود درويش، ص389.
8- ديوان محمود درويش، ص554.
9- ديوان درويش، ص 265.

10- ديوان درويش، ص81.
11- انظر عقيدته، أحد عشر كوكبا، ص42- 43.
12- ديوان محمود درويش، ص144-145.
13- ديوان أوراق الزيتون، ص57.