تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 14 الأولىالأولى ... 4567891011121314
النتائج 261 إلى 262 من 262

الموضوع: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


    فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
    المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
    سُورَةُ المائدة
    المجلد السابع
    الحلقة( 259)

    من صــ 81 الى صـ 95

    فأما المال الضائع من صاحبه والثمر الذي يكون في الشجر في الصحراء بلا حائط والماشية التي لا راعي عندها ونحو ذلك فلا قطع فيه لكن يعزر الآخذ ويضاعف عليه الغرم كما جاء به الحديث. وقد اختلف أهل العلم في التضعيف وممن قال به أحمد وغيره قال رافع بن خديج: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا قطع في ثمر ولا كثر} والكثر جمار النخل. رواه أهل السنن وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: {سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله جئت أسألك عن الضالة من الإبل قال: معها حذاؤها وسقاؤها تأكل الشجر وترد الماء فدعها حتى يأتيها باغيها.
    قال: فالضالة من الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب تجمعها حتى يأتيها باغيها: قال: فالحريسة التي تؤخذ من مراتعها؟ قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال. وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن.
    قال: يا رسول الله: فالثمار وما أخذ منها من أكمامها قال: من أخذ منها بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال}.
    رواه أهل السنن. لكن هذا سياق النسائي. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم {ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا الخائن قطع} فالمنتهب الذي ينهب الشيء والناس ينظرون والمختلس الذي يجتذب الشيء فيعلم به قبل أخذه وأما الطرار وهو البطاط الذي يبط الجيوب والمناديل والأكمام ونحوها فإنه يقطع على الصحيح.
    وسئل - رحمه الله تعالى -:

    عما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته؛ فإن ترك الفحص في ذلك ضاعت الأموال وطمعت الفساق. وإن وكله إلى غيره ممن هو تحت يده غلب على ظنه أنه يظلم فيها أو يتحقق أنه لا يفي بالمقصود في ذلك؟ وإن أقدم وسأل أو أمسك المتهومين وعاقبهم خاف الله تعالى في إقدامه على أمر مشكوك فيه؟ وهو يسأل ضابطا في هذه الصورة وفي أمر قاطع الطريق؟
    فأجاب:
    أما التهم في السرقة وقطع الطريق ونحو ذلك فليس له أن يفوضها إلى من يغلب على ظنه أنه يظلم فيها مع إمكان أن يقيم فيها من العدول ما يقدر عليه وذلك أن الناس في التهم " ثلاثة أصناف ". " صنف " معروف عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم. فهذا لا يحبس ولا يضرب؛ بل ولا يستحلف في أحد قولي العلماء؛ بل يؤدب من يتهمه فيما ذكره كثير منهم.

    و " الثاني " من يكون مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور. فهذا يحبس حتى يكشف عن حاله. وقد قيل: يحبس شهرا. وقيل: يحبس بحسب اجتهاد ولي الأمر. والأصل في ذلك ما روى أبو داود وغيره {أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة} وقد نص على ذلك الأئمة وذلك أن هذه بمنزلة ما لو ادعى عليه مدع فإنه يحضر مجلس ولي الأمر الحاكم بينهما وإن كان في ذلك تعويقه عن أشغاله فكذلك تعويق هذا إلى أن يعلم أمره ثم إذا سأل عنه ووجد بارا أطلق.
    وإن وجد فاجرا كان من " الصنف الثالث " وهو الفاجر الذي قد عرف منه السرقة قبل ذلك أو عرف بأسباب السرقة: مثل أن يكون معروفا بالقمار والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال وليس له مال ونحو ذلك فهذا لوث في التهمة؛ ولهذا قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا يمتحن بالضرب يضربه الوالي والقاضي - كما قال أشهب صاحب مالك وغيره - حتى يقر بالمال. وقالت طائفة. يضربه الوالي؛ دون القاضي كما قال ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كما ذكره القاضيان الماوردي والقاضي أبو يعلى في كتابيهما في الأحكام السلطانية وهو قول طائفة من المالكية كما ذكره الطرسوسي وغيره. ثم المتولي له أن يقصد بضربه مع تقريره عقوبته على فجوره المعروف فيكون تعزيرا وتقريرا. وليس على المتولي أن يرسل جميع المتهومين حتى يأتي أرباب الأموال بالبينة على من سرق؛ " بل قد أنزل على نبيه في قصة كانت تهمة في سرقة قوله تعالى
    {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} {واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما} {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا} {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} إلى آخر الآيات وكان سبب ذلك أن قوما يقال لهم بنو أبيرق سرقوا لبعض الأنصار طعاما ودرعين فجاء صاحب المال يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء قوم يزكون المتهمين بالباطل؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ظن صدق المزكين فلام صاحب المال: فأنزل الله هذه الآية "

    ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب المال: أقم البينة؛ ولا حلف المتهمين؛ لأن أولئك المتهمين كانوا معروفين بالشر وظهرت الريبة عليهم. وهكذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة في الدماء إذا كان هناك لوث يغلب على الظن صدق المدعين؛ فإن هذه الأمور من الحدود في المصالح العامة؛ ليست من الحقوق الخاصة فلولا القسامة في الدماء لأفضى إلى سفك الدماء فيقتل الرجل عدوه خفية ولا يمكن أولياء المقتول إقامة البينة؛ واليمين على القاتل والسارق والقاطع سهلة فإن من يستحل هذه الأمور لا يكترث باليمين.

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم {لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم؛ ولكن اليمين على المدعى عليه} هذا فيما لا يمكن من المدعي حجة غير الدعوى فإنه لا يعطى بها شيئا ولكن يحلف المدعى عليه. فأما إذا أقام شاهدا بالمال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في المال بشاهد ويمين وهو قول فقهاء الحجاز وأهل الحديث كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم وإذا كان في دعوى الدم لوث فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعين: {أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟}
    كذلك أمر " قطاع الطريق " وأمر " اللصوص " وهو من المصالح العامة التي ليست من الحقوق الخاصة؛ فإن الناس لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم في المساكن والطرقات إلا بما يزجرهم في قطع هؤلاء ولا يزجرهم أن يحلف كل منهم؛ ولهذا اتفق الفقهاء على أن قاطع الطريق لأخذ المال يقتل حتما وقتله حد لله؛ وليس قتله مفوضا إلى أولياء المقتول. قالوا؛ لأن هذا لم يقتله لغرض خاص معه؛ إنما قتله لأجل المال فلا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره فقتله مصلحة عامة. فعلى الإمام أن يقيم ذلك.
    وكذلك " السارق " ليس غرضه في مال معين وإنما غرضه أخذ مال هذا ومال هذا كذلك كان قطعه حقا واجبا لله ليس لرب المال؛ بل رب المال يأخذ ماله وتقطع يد السارق حتى لو قال صاحب المال: أنا أعطيه مالي لم يسقط عنه القطع كما {قال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم أنا أهبه ردائي فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهلا فعلت قبل أن تأتي به} وقال النبي صلى الله عليه وسلم {من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال} {وقال للزبير بن العوام إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع}.
    وسئل - رحمه الله تعالى -:
    عن تاجر نصب عليه جماعة؛ وأخذوا مبلغا فحملهم لولي الأمر؛ وعاقبهم حتى أقروا بالمال وهم محبوسون على المال ولم يعطوه شيئا وهم مصرون على أنهم لا يعطونه شيئا؟
    فأجاب:
    الحمد لله، هؤلاء من كان المال بيده وامتنع من إعطائه فإنه يضرب حتى يؤدي المال الذي بيده لغيره. ومن كان قد غيب المال وجحد موضعه فإنه يضرب حتى يدل على موضعه. ومن كان متهما لا يعرف هل معه من المال شيء أم لا؛ فإنه يجوز ضربه معاقبة له على ما فعل من الكذب والظلم. ويقرر مع ذلك على المال أين هو. ويطلب منه إحضاره. والله أعلم.
    [فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي]

    (فصل)
    قال الرافضي: " ومنها أنه يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي، فإن الزنا إذا كان واقعا بإرادة الله تعالى، والسرقة إذا صدرت عن الله، وإرادته هي المؤثرة لم يجز للسلطان المؤاخذة عليها ; لأنه يصد السارق عن مراد الله، ويبعثه على ما يكرهه الله. ولو صد الواحد منا غيره عن مراده، وحمله على ما يكرهه، استحق منه اللوم. ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين ; لأن المعصية مرادة لله، والزجر عنها مراد له أيضا ".
    فيقال: فيما قدمناه ما يبين الجواب عن هذا، لكن نوضح جواب هذا إن شاء الله تعالى من وجوه:
    أحدها: أن الذي قدره وقضاه من ذلك هو ما وقع، دون ما لم يكن بعد.

    وما وقع لا يقدر أحد أن يرده، وإنما يرد بالحدود والزواجر ما لم يقع بعد، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    فقوله: " لأنه يصد السارق عن مراد الله " كذب منه ; لأنه إنما يصده عما لم يقع بعد وما لم يقع لم يرده الله. ولهذا لو حلف: ليسرقن هذا المال إن شاء الله، ولم يسرقه لم يحنث باتفاق المسلمين ; لأن الله لم يشأ سرقته.
    ولكن القدرية عندهم الإرادة لا تكون إلا بمعنى الأمر فيزعمون أن السرقة إذا كانت مرادة كانت مأمورا بها.
    وقد أجمع المسلمون، وعلم بالاضطرار من دينهم، أن الله لم يأمر بالسرقة. ومن قال: إن ما وقع منها مراد، يقول: إنه مراد غير مأمور به، فلا يقول أنه مأمور به إلا كافر. لكن هذا قد يقال للمباحية المحتجين بالقدر على المعاصي، فإن منهم من لا يرى أن يعارض الإنسان فيما يظنه مقدرا عليه من المعاصي، ومنهم من يرى أن يعاونه على ذلك معاونة، لما ظن أنه مراد، وهذا الفعل - وإن كان محرما ومعصية - فهم لم يصدوا عن مراد الله. فتبين أن الصد عن مراد الله ليس واقعا على كل تقدير.
    الوجه الثاني: أن يقال: قد تقدم أن تناهي الناس عن المعاصي، والقبائح، والظلم، ودفع الظالم، وأخذ حق المظلوم منه، ورد احتجاج من احتج على ذلك بالقدر أمر مستقر في فطر جميع الناس وعقولهم مع إقرار جماهيرهم بالقدر، وأنه لا يمكن صلاح حالهم ولا بقاؤهم في الدنيا إذا مكنوا كل أحد أن يفعل ما يشاء من مفاسدهم ويحتج بالقدر، وقد بينا أن المحتجين بالقدر على المعاصي إذا طردوا قولهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى، وهم شر من المكذبين بالقدر.
    الوجه الثالث أن الأمور المقدورة بالاتفاق إذا كان فيها فساد يحسن ردها وإزالتها بعد وقوعها، كالمرض ونحوه فإنه من فعل الله بالاتفاق مراد لله، ومع هذا يحسن من الإنسان أن يمنع وجوده بالاحتماء واجتناب أسبابه، ويحسن منه السعي في إزالته بعد حصوله، وفي هذا إزالة مراد الله.
    وإن قيل: إن قطع السارق يمنع مراد الله كان شرب الدواء لزوال المرض مانعا لمراد الله، وكذلك دفع السيل الآتي من صبب، والنار التي تريد أن تحرق الدور، وإقامة الجدار الذي يريد أن ينقض، كما أقام الخضر ذلك الجدار. وكذلك إزالة الجوع الحاصل بالأكل وإزالة البرد الحاصل بالاستدفاء، وإزالة الحر بالظل.
    وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: " هي من قدر الله» ". .
    فبين صلى الله عليه وسلم أنه يرد قدر الله بقدر الله إما دفعا وإما رفعا، إما دفعا لما انعقد سبب لوجوده، وإما رفعا لما وجد كرفع المرض ودفعه، ومن هذا قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [سورة الرعد 11 قيل: معقبات من أمر الله يحفظونه وقيل: يحفظونه من أمر الله الذي ورد ولم يحصل يحفظونه أن يصل إليه وحفظهم بأمر الله.
    الوجه الرابع قوله: ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين ; لأن المعصية مرادة لله، والزجر عنها مراد الله. كلام ساقط فإن النقيضين ما لا يجتمعان ولا يرتفعان، أو ما لا يجتمعان وهما المتضادان.
    والزجر ليس عما وقع وأريد، بل هو عقوبة على الماضي وزجر عن المستقبل، والزجر الواقع بإرادته إن حصل مقصوده لم يحصل المزجور عنه فلم يرده فيكون المراد الزجر فقط، وإن لم يحصل مقصوده لم يكن زجرا تاما بل يكون المراد فعل هذا الزاجر وفعل ذاك، كما يراد ضرب هذا لهذا بهذا السيف وحياة هذا، وكما يراد المرض المخوف الذي قد يكون سببا للموت، ويراد معه الحياة.
    فإرادة السبب ليست موجبة لإرادة المسبب، إلا إذا كان السبب تاما موجبا. والزجر سبب للانزجار والامتناع كسائر الأسباب، كما أن المرض المخوف سبب للموت، وكما أن الأمر بالفعل والترغيب فيه سبب لوقوعه، ثم قد يقع المسبب وقد لا يقع، فإن وقع كانا مرادين، وإلا كان المراد ما وقع خاصة.
    الوجه الخامس أنه قد تقدم أن الإرادة نوعان: نوع بمعنى المشيئة لما خلق، فهذا متناول لكل حادث دون ما لا يحدث، ونوع بمعنى المحبة لما أمر به فهذا إنما يتعلق بالطاعات، وإذا كان كذلك فما وقع من المعاصي فهو مراد بالمعنى الأول، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما وقع فقد شاء كونه، والزجر عنها مراد بالمعنى الثاني فإنه يحب النهي عن المنكر ويرضاه ويثيب فاعله، بخلاف المنكر نفسه فإنه لا يحبه ولا يرضاه ولا يثيب فاعله، ثم الزجر إنما يكون عما لم يقع، والعقوبة تكون على ما وقع، فإذا وقعت سرقة بالقضاء والقدر وقد أمر الله سبحانه بإقامة الحد فيها فإقامة الحد مأمور به يحبه ويرضاه ويريده إرادة أمر لا إرادة خلق، فإن أعان عليه كان قد أراده خلقا، وكان حينئذ إقامة الحد مرادة شرعا وقدرا، خلقا وأمرا، قد شاءها وأحبها.
    وإن لم يقع كان ما وقع من المعصية قد شاءه خلقا ولم يرده ولم يحبه شرعا.
    ويذكر أن رجلا سرق فقال لعمر: سرقت بقضاء الله وقدره، فقال له: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره.
    وهكذا يقال لمن تعدى حدود الله وأعان العباد على عقوبته الشرعية كما يعين المسلمين على جهاد الكفار: إن الجميع واقع بقضاء الله وقدره لكن ما أمر به يحبه ويرضاه ويريده شرعا ودينا كما شاءه خلقا وكونا بخلاف ما نهى عنه.
    (سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ... (41)
    وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
    فصل:
    قوله: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} قيل: اللام لام كي أي يسمعون ليكذبوا ويسمعون لينقلوا إلى قوم آخرين لم يأتوك فيكونون كذابين ونمامين جواسيس والصواب أنها لام التعدية مثل قوله: {سمع الله لمن حمده} فالسماع مضمن معنى القبول أي قابلون للكذب ويسمعون من قوم آخرين لم يأتوك ويطيعونهم فيكون ذما لهم على قبول الخبر الكاذب وعلى طاعة غيره من الكفار والمنافقين مثل قوله: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} أي هم يطلبون أن يفتنوكم وفيكم من يسمع منهم فيكون قد ذمهم على اتباع الباطل في نوعي الكلام خبره وإنشائه فإن باطل الخبر الكذب وباطل الإنشاء طاعة غير الرسل وهذا بعيد.
    ثم قال: {سماعون للكذب أكالون للسحت} فذكر أنهم في غذائي الجسد والقلب يغتذون الحرام بخلاف من يأكل الحلال ولا يقبل إلا الصدق وفيه ذم لمن يروج عليه الكذب ويقبله أو يؤثره لموافقته هواه ويدخل فيه قبول المذاهب الفاسدة؛ لأنها كذب لا سيما إذا اقترن بذلك قبولها لأجل العوض عليها سواء كان العوض من ذي سلطان أو وقف أو فتوح أو هدية أو أجرة أو غير ذلك وهو شبيه بقوله: {إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}. . . (1) أهل البدع وأهل الفجور الذين يصدقون بما كذب به على الله ورسوله وأحكامه والذين يطيعون الخلق في معصية الخالق.

    ومثله: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} {يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} فإنما تنزلت بالسمع الذي يخلط فيه بكلمة الصدق ألف كلمة من الكذب على من هو كذاب فاجر فيكون سماعا للكذب من مسترقة السمع. ثم قال في السورة:
    {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} فقول الإثم وسماع الكذب وأكل السحت أعمال متلازمة في العادة وللحكام منها خصوص فإن الحاكم إذا ارتشى سمع الشهادة المزورة والدعوى الفاجرة فصار سماعا للكذب أكالا للسحت قائلا للإثم. ولهذا خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الحكم بينهم وبين تركه؛ لأنه ليس قصدهم قبول الحق وسماعه مطلقا؛ بل يسمعون ما وافق أهواءهم وإن كان كذبا وكذلك العلماء الذين يتقولون الروايات المكذوبة.
    __________
    Q (1) بياض بالأصل



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


    فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
    المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
    سُورَةُ المائدة
    المجلد السابع
    الحلقة( 260)

    من صــ 96 الى صـ 110

    وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
    قال تعالى: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} يقول: هم يستجيبون {لقوم آخرين} وأولئك {لم يأتوك} وأولئك {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} يقولون لهؤلاء الذين أتوك: {إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} كما ذكروا في سبب نزول الآية: أنهم قالوا في حد الزنا وفي القتل: اذهبوا إلى هذا النبي الأمي فإن حكم لكم بما تريدونه فاقبلوه وإن حكم بغيره فأنتم قد تركتم حكم التوراة أفلا تتركون حكمه. فهذا هو استماع المتحاكمين من أولئك الذين لم يأتوه؛ ولو كانوا بمنزلة الجاسوس لم يخص ذلك بالسماع؛ بل يرون ويسمعون وإن كانوا قد ينقلون إلى شياطينهم ما رأوه وسمعوه؛ لكن هذا من توابع كونهم يستجيبون لهم ويوالونهم. يبين ذلك أنه قال:
    {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} أي: لأسرعوا بينكم يطلبون الفتنة بينكم ثم قال: وفيكم مستجيبون لهم إذا أوضعوا خلالكم؛ ولو كان المعنى وفيكم من تجسس لهم: لم يكن مناسبا؛ وإنما المقصود: أنهم إذا أوضعوا بينكم يطلبون الفتنة وفيكم من يسمع منهم: حصل الشر.
    وأما الجس فلم يكونوا يحتاجون إليه فإنهم بين المؤمنين وهم يوضعون خلالهم. مما يبين ذلك أنه قال: {سماعون للكذب أكالون للسحت} فذكر ما يدخل في آذانهم وقلوبهم من الكلام وما يدخل في أفواههم وبطونهم من الطعام: غذاء الجسوم وغذاء القلوب فإنهما غذاءان خبيثان: الكذب والسحت وهكذا من يأكل السحت من البرطيل ونحوه: يسمع الكذب كشهادة الزور؛ ولهذا قال: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت}. فلما كان هؤلاء: يستجيبون لغير الرسول كما يستجيبون له إذا وافق آراءهم وأهواءهم لم يجب عليه الحكم بينهم فإنهم متخيرون بين القبول منه والقبول ممن يخالفه. فكان هو متخيرا في الحكم بينهم والإعراض عنهم. وإنما يجب عليه الحكم بين من لا بد له منه من المؤمنين.

    وإذا ظهر المعنى تبين فصل الخطاب في وجوب الحكم بين المعاهدين من أهل الحرب: كالمستأمن والمهادن والذمي؛ فإن فيه نزاعا مشهورا بين العلماء. قيل: ليس بواجب؛ للتخير. وقيل: بل هو واجب والتخيير منسوخ بقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}. قال الأولون: أما الأمر هنا أن يحكم بما أنزل الله إذا حكم: فهو أمر بصفة الحكم؛ لا بأصله كقوله: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} وقوله: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
    وهذا أصوب؛ فإن النسخ لا يكون بمحتمل. فكيف بمرجوح. وقيل: يجب في مظالم العباد؛ دون غيرها. والخلاف في ذلك مشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره من الأئمة. وحقيقة الآية: إن كان مستجيبا لقوم آخرين لم يأتوه لم يجب عليه الحكم بينهم كالمعاهد: من المستأمن وغيره الذي يرجع إلى أمرائه وعلمائه في دارهم وكالذمي الذي إن حكم له بما يوافق غرضه وإلا رجع إلى أكابرهم وعلمائهم فيكون متخيرا بين الطاعة لحكم الله ورسوله وبين الإعراض عنه.

    وأما من لم يكن إلا مطيعا لحكم الله ورسوله ليس عنه مندوحة كالمظلوم الذي يطلب نصره من ظالمه وليس له من ينصره من أهل دينه. فهذا: ليس في الآية تخيير. وإذا كان عقد الذمة قد أوجب نصره من أهل الحرب فنصره ممن يظلمه من أهل الذمة أولى أن يوجب ذلك.
    وكذلك لو كان المتحاكم إلى الحاكم والعالم: من المنافقين الذين يتخيرون بين القبول من الكتاب والسنة وبين ترك ذلك لم يجب عليه الحكم بينهم. وهذا من حجة كثير من السلف الذين كانوا لا يحدثون المعلنين بالبدع بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الباب: من لا يكون قصده في استفتائه وحكومته الحق بل غرضه من يوافقه على هواه كائنا من كان سواء كان صحيحا أو باطلا. فهذا سماع لغير ما بعث الله به رسوله؛ فإن الله إنما بعث رسوله بالهدى ودين الحق فليس على خلفاء رسول الله أن يفتوه ويحكموا له كما ليس عليهم أن يحكموا بين المنافقين والكافرين المستجيبين لقوم آخرين لم يستجيبوا لله ورسوله.
    [فصل: وقوع التبديل في ألفاظ التوراة والإنجيل وانقطاع سندهما]
    ومن حجة الجمهور الذين يمنعون أن تكون جميع ألفاظ هذه الكتب المتقدمة الموجودة عند أهل الكتاب منزلة من عند الله لم يقع فيها تبديل، ويقولون أنه وقع التبديل في بعض ألفاظها ويقولون أنه لم يعلم أن ألفاظها منزلة من عند الله فلا يجوز أن يحتج بما فيها من الألفاظ في معارضة ما علم ثبوته أنهم قالوا: التوراة والإنجيل الموجودة اليوم بيد أهل الكتاب لم تتواتر عن موسى وعيسى - عليهما السلام - أما التوراة، فإن نقلها انقطع لما خرب بيت المقدس أولا، وأجلى منه بنو إسرائيل، ثم ذكروا أن الذي أملاها عليهم بعد ذلك شخص واحد يقال له عزرا وزعموا أنه نبي.
    ومن الناس من يقول أنه لم يكن نبيا وأنها قوبلت بنسخة وجدت عتيقة.
    وقد قيل أنه أحضرت نسخة كانت بالمغرب وهذا كله لا يوجب تواتر جميع ألفاظها ولا يمنع وقوع الغلط في بعضها ; كما يجري مثل ذلك في الكتب التي يلي نسخها ومقابلتها وحفظها القليل الاثنان والثلاثة.

    وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح - عليه السلام - ولا أملاه على من كتبه وإنما أملوه بعد رفع المسيح متى ويوحنا وكانا قد صحبا المسيح ولم يحفظه خلق كثير يبلغون عدد التواتر، ومرقس ولوقا وهما لم يريا المسيح - عليه السلام - وقد ذكر هؤلاء أنهم ذكروا بعض ما قاله المسيح وبعض أخباره وأنهم لم يستوعبوا ذكر أقواله وأفعاله.
    ونقل اثنين وثلاثة وأربعة يجوز عليه الغلط لا سيما وقد غلطوا في المسيح نفسه حتى اشتبه عليهم بالمصلوب، ولكن النصارى يزعمون أن الحواريين رسل الله مثل عيسى ابن مريم وموسى - عليهما السلام - وأنهم معصومون وأنهم سلموا إليهم التوراة والإنجيل وأن لهم معجزات وقالوا لهم هذه التوراة وهذا الإنجيل ويقرون مع هذا بأنهم ليسوا بأنبياء فإذا لم يكونوا أنبياء فمن ليس بنبي ليس بمعصوم من الخطأ ولو كان من أعظم أولياء الله ولو كان له خوارق عادات فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من أفاضل الصحابة عند المسلمين أفضل من الحواريين ولا معصوم عندهم إلا من كان نبيا.

    ودعوى أنهم رسل الله مع كونهم ليسوا بأنبياء تناقض، وكونهم رسل الله هو مبني على كون المسيح هو الله، فإنهم رسل المسيح وهذا الأصل باطل، ولكن في طريق المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن نمنعهم في هذا المقام ونطالبهم بالدليل على أنهم رسل الله وليس لهم على ذلك دليل، فإنه لا يثبت أنهم رسل الله إن لم يثبت أن المسيح هو الله وإثباتهم أن المسيح هو الله إما أن يكون بالعقل أو بالسمع. والعقل لا يثبت ذلك بل يحيله وهم لا يدعون ثبوت ذلك بالعقل.
    بل غاية ما يدعون إثبات إمكانه بالعقل لا إثبات وجوده مع أن ذلك أيضا باطل وإنما يدعون ثبوت وجوده بالسمع وهو ما ينقلونه عن الأنبياء من ألفاظ يدعون ثبوتها عن الأنبياء، ودلالتها على أن المسيح هو الله كسائر من يحتج بالحجة السمعية، فإن عامة بيان صحة الإسناد دون بيان دلالة المتن وكلا المقدمتين باطلة.
    ولكن يقال لهم في هذا المقام أنتم لا يمكنكم إثبات كون المسيح هو الله إلا بهذه الكتب ولا يمكنكم تصحيح هذه الكتب إلا بإثبات أن الحواريين رسل الله معصومون ولا يمكنكم إثبات أنهم رسل الله إلا بإثبات أن المسيح هو الله فصار ذلك دورا ممتنعا.
    فإنه لا تعلم إلهية المسيح إلا بثبوت هذه الكتب ولا تثبت هذه الكتب إلا بثبوت أنهم رسل الله ولا يثبت ذلك إلا بثبوت أنه الله فصار ثبوت الإلهية متوقفا على ثبوت إلهيته، وثبوت كونهم رسل الله متوقفا على كونهم رسل الله فصار ذلك دورا ممتنعا.
    قد يدعون عصمة الحواريين وعصمة أهل المجامع بعد الحواريين كأهل المجمع الأول الذي كان بحضرة قسطنطين الذي حضره ثلاثمائة وثمانية عشر ووضعوا لهم الأمانة التي هي عقيدة النصارى التي لا يصح لهم قربان إلا بها فيزعمون أن الحواريين أو هؤلاء جرت على أيديهم خوارق وقد يذكرون أن منهم من جرى إحياء الموتى على يديه وهذا إذا كان صحيحا مع أن صاحبه لم يذكر أنه نبي لا يدل على عصمته، فإن أولياء الله من الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان وسائر أولياء الله من هذه الأمة وغيرها لهم من خوارق العادات ما يطول وصفه وليس فيهم معصوم يجب قبول كل ما يقول بل يجوز الغلط على كل واحد منهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الأنبياء - عليهم السلام -.
    ولهذا أوجب الله الإيمان بما أوتيه الأنبياء ولم يجب الإيمان بكل ما يقوله كل ولي لله.

    قال - تعالى -: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم} [البقرة: 136] وقال - تعالى -: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} [البقرة: 177] ولهذا وجب الإيمان بالأنبياء جميعهم وما أوتوه كلهم.
    ومن كذب نبيا واحدا تعلم نبوته فهو كافر باتفاق المسلمين ومن سبه وجب قتله كذلك بخلاف من ليس بنبي، فإنه لا يكفر أحد بمخالفته ولا يقتل بمجرد سبه إلا أن يقترن بالسب ما يكون مبيحا للدم.

    والذي عليه سلف الأمة كالصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين وجماهير المسلمين أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر وليس بعد الأنبياء أفضل منهما، وهذه الأمة أفضل الأمم وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «قد كان قبلكم في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» والمحدث الملهم المخاطب.
    وكان عمر قد جعل الله الحق على قلبه ولسانه وما كان يقول لشيء إني لأراه كذا وكذا إلا كان ; كما يقول وكانت السكينة تنطق على لسانه ومع هذا فلم يكن لا هو ولا غيره ممن ليس بنبي معصوما من الغلط ولا يجب على المسلم قبول ما يقوله: إن لم يدل عليه الكتاب والسنة ولا كان يجوز له العمل بما يلقى في قلبه إن لم يعرضه على الكتاب والسنة، فإن وافق ذلك قبله وإن خالف ذلك رده.
    وعند المسلمين أنه ليس في أتباع المسيح - عليه السلام - مثل أبي بكر وعمر - رضوان الله عليهما - فإذا قالوا عن الحواريين: أنهم ليسوا معصومين فهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من الحواريين، كما أنهم إذا قالوا: عن المسيح أنه عبد مخلوق ليس بإله فهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من المسيح كمحمد وإبراهيم - عليهما أفضل الصلاة والسلام -.
    وفي الملاحدة المنتسبين إلى الأمة من فيه بدع من الغلو يشبه غلو النصارى كمن يدعي الإلهية من الإسماعيلية كبني عبيد القداح كالحاكم وغيره ويدعي الإلهية في علي بن أبي طالب أو غيره كدعوى النصيرية وهؤلاء كفار عند المسلمين.
    وكذلك من يدعي الإلهية في بعض المشايخ كغلاة العدوية والحلاجية واليونسية وغيرهم وكذلك من يدعي عصمة بني عبيد أو عصمة الإثني عشر أو عصمة بعض المشايخ.
    فإن النصارى يدعون عصمة الحواريين الإثني عشر وهؤلاء يدعون عصمة الأئمة الإثني عشر.
    وهؤلاء يسندون أصل دينهم إلى قول الحواريين المعصومين عندهم ويقولون أنهم معصومون في النقل عن المسيح وفي الفتيا وإن ما قالوه فقد قاله المسيح - عليه الصلاة والسلام -.
    وهؤلاء يقولون عن أولئك أنهم معصومون في النقل والفتيا وإن ما قالوه فقد قاله الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهذا مبسوط في موضع آخر.
    والمقصود هنا أنه ليس مع النصارى نقل متواتر عن المسيح بألفاظ هذه الأناجيل ولا نقل لا متواتر ولا آحاد بأكثر ما هم عليه من الشرائع ولا عندهم ولا عند اليهود نقل متواتر بألفاظ التوراة ونبوات الأنبياء كما عند المسلمين نقل متواتر بالقرآن وبالشرائع الظاهرة المعروفة للعامة والخاصة وهذا مثل الأمانة التي هي أصل دينهم وصلاتهم إلى المشرق وإحلال الخنزير وترك الختان وتعظيم الصليب واتخاد الصور في الكنائس وغير ذلك من شرائعهم ليست منقولة عن المسيح ولا لها ذكر في الأناجيل التي ينقلونها عنه وهم متفقون على أن الأمانة التي جعلوها أصل دينهم وأساس اعتقادهم ليست ألفاظها موجودة في الأناجيل ولا هي مأثورة عن الحواريين وهم متفقون على أن الذين وضعوها أهل المجمع الأول الذين كانوا عند قسطنطين الذي حضره ثلاثمائة وثمانية عشر وخالفوا عبد الله بن أريوس الذي جعل المسيح عبدا لله كما يقول المسلمون ووضعوا هذه الأمانة.
    وهذا المجمع كان بعد المسيح بمدة طويلة تزيد على ثلاثمائة سنة وبسط هذا له موضع آخر وإنما المقصود هنا الجواب عن قولهم: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثبت ما معهم وأنه نفى عن إنجيلهم وكتبهم التي بأيديهم التهم والتبديل لها والتغيير لما فيها بتصديقه إياها.

    وقد تبين أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يصدق شيئا من دينهم المبدل والمنسوخ، ولكن صدق الأنبياء قبله وما جاءوا به وأثنى على من اتبعهم لا على من خالفهم أو كذب نبيا من الأنبياء. وإن كفر النصارى من جنس كفر اليهود، فإن اليهود بدلوا معاني الكتاب الأول وكذبوا بالكتاب الثاني: وهو الإنجيل وكذلك النصارى بدلوا معاني الكتاب الأول التوراة والإنجيل وكذبوا بالكتاب الثاني: وهو القرآن وأنهم ادعوا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - صدق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم.
    فجمهور المسلمين يمنعون هذا ويقولون إن بعض ألفاظها بدل ; كما قد بدل كثير من معانيها، ومن المسلمين من يقول: التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها وهذا القول يقر به عامة اليهود والنصارى.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •