بسم الله الرحمن الرحيم

كنت قد عزمت أن يكون آخر المواضيع قبل رمضان هو موضوع ( مَثِّل لعقلك ) بيد أن ثمة أمور طرأت , استدعت أن يكون هذا هو آخرها , ولا أعرف سبب عودتي لهذا النوع من الكتابة مع أني توقفت عنه إلا مجرد أن تكون النهاية كما كانت البداية ؛ فتقبل الله منا ومنكم وأعاننا وإياكم على الصيام والقيام !

** نقطة نظام **

كان من أعز الناس وأشرافهم فهو ابن الملك ! فلان بن فلان .. جمع بين الحسب والنسب وتممها بواسطة العقد جمال الدين !
أراد في يوم من الأيام أن يسافر لوحده , فأمر من حوله بالبقاء وركب سيارته وخرج متجها نحو المدينة التي يريد !

لا يجهل هو مكانته ومنزلته ؛ لما انتصف به الطريق تعطلت سيارته , وهو في منتصف النهار وفي وقت أشد ما تكون الشمس فيه حرارةً !
والطريق لا يسلكه في هذا الوقت إلا الريح وذرات الرمل , فلا ترى في هذا الطريق إلا السراب ! نعم قد يمر بعض السيارة , لكنهم عنه غافلون , ولحطِّ رحالهم طالبون , ولراحتهم ينشدون , فلم يتوقف منهم أحد !

جلس في سيارته ؛ أنهكته حرارة الشمس , نفد ما معه من الماء , أدركه العطش ! ولا شبكة تصل إليه حتى يطلب نجدته !

قل بربك هل ينفعه في تلك الساعة قوله أنا فلان بن فلان ؟! وهل سيبخل بماله لو ساومه أحد على ذلك مقابل مساعدته !

كلا والله لا ينفعه ولو ساومه لافتدى بماله وبأملاكه !

فكذلك المقام في الآخرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً ومنبهاً كما عند مسلم [2699] من حديث أبي هريرة رضي الله " ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه " !



** جزء من مقال **

كلنا قد علم بخبر خسوف القمر في الليلة قبل الماضية ؛ لكن ثمة أناس لا يعلمون أو بالأصح غاب عنهم مثل هذا الخبر قبل حدوثه حتى سمعوا المنادي ينادي " الصلاة جامعة "!

انقسم الناس حينها إلى ثلاثة فرق :

فريق لبى النداء وأجاب الداعي فذهب للمسجد يصلي ويستغفر .

وفريق لم يأبه بما حدث !

وثالثهم تناول الموضوع من جهة أنه منظر جمالي جذاب يستحق المتابعة !

يقول الله جل جلاله في محكم كتابه ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ) أي لا أحد أظلم من إنسان أتته آيات ربه ونذارته – ولا شك أن الخسوف والكسوف من الآيات العظيمة التي يخوف الله بها عباده - ( فَأَعْرَضَ عَنْهَا ) وقال هذه أمور تحدث بفعل الطبيعة ! لا تخويف ولا خراب ولا فساد تنذر به , بل أمر معتاد يحصل بين فينة وأخرى ! كما أخبر الله عن حال أهل الكفر مع أهل الإيمان ( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ) فبئس القدوة لهم !

( وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) من ذنوب وآثام ومن خطبة نبينا صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمر ما أخرجه البخاري [1044] من حديث عائشة رضي الله عنها " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله ، وكبروا وصلوا وتصدقوا . ثم قال : يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " فذكر الزنا في هذا المقام يدل على ارتباط بين فساد الكون وفساد الخلق !

ما نتيجة هؤلاء ؟! يقول الله تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) وهذه المصيبة الكبرى التي لو وقعت لهلك الإنسان !

فهم غافلون ساهون لا يعقلون خطاباً , ولا يسمعون كلاماً , ولا يهتدون سبيلا ! ومع ذلك يقول الله تعالى ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) فهو يغفر لمن تاب وأناب ويرحمه , بل من رحمته أنه لم يعجل بعقوبتهم مع أنهم يستحقونها ! قال الله تعالى ( لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا ) !

فهل يتنبه الغافلون إلى حقائق الأمور , ويتخذون إلى الله مآبا ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا )


** طيور مهاجرة >>

بقي على رمضان أيام قلائل , ومن المعلوم أن هناك من الناس من أجله دون ذلك ؛ وكم من قبر مفتوح , صاحبه فوق الأرض يلهو ويلعب !
فإن كنت ممن أدرك هذا الشهر , فاعلم أنك نلت فضلا عظيما حُرمَ منه خلقٌ كثير ! فإياك والتفريط ,,


** نقطة توقف **

لحطِّ : إنزال متاعهم .

بطأ : من البطء وهو ضد السرعة ! ومفهوم الحديث أن من أسرع به عمله لم يبطئ به نسبه !

فينة : أي وقت أو مدة .