الدعاء على شخص، هل فيه إثم؟



السؤال

الملخص:
سائلة تدعو على شخص تسبَّب في إفساد حياتها وقطيعة الرحم، وتسأل: هل هناك إثم عليها لدعائها عليه؟
السؤال:
ثمة شخص من عائلة ما قام بارتكاب شيء، فسدت على إثره حياتي وحياة عائلتي، وطُلِّقت جَدَّتي، وقُطعت الأواصر بين أمي وخالتي، وأوقع بين عائلتي وبين عائلته العداوة والبغضاء، ولم يقف عند ذلك الحد، بل أعاد الكَرَّةَ بعد سنين، وقد دعوت عليه، سؤالي: هل آثم لدعائي عليه؟ وهل سيرد الدعاء عليَّ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: يشرع الدعاء على الظالم، والعفو أفضل، والأولى أن يقول المظلوم: (حسبي الله ونعم الوكيل).
ودليله أن الشرع قد أذن للمظلوم في أن يدعوَ على من ظلمه؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء: 148].
قال ابن عباس في تفسيرها: "لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه؛ وذلك قوله: ﴿ إِلَّا مَنْ ظُلَمَ، وإن صبر فهو خير له"؛ [أخرجه الطبري في تفسيره: (9/ 399)].
ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))؛ [متفق عليه].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده))؛ [أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان].
ثالثًا: الدعاء بقدر المظلمة:
فلا يجوز الزيادة في الدعاء على الظالم؛ لأن الدعاء كالقصاص يكون بمقدار الاعتداء؛ قال ابن مفلح: "قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه، فما صبر"؛ [الفروع: (7/ 26)].
وقال القرافي: "وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم... تدعو عليه بأنكاد الدنيا، ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضِها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فهذا حرام عليك؛ لأنك جانٍ عليه بالمقدار الزائد؛ والله تعالى يقول: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى [البقرة: 194]؛ فتأمل هذه الضوابط، ولا تخرج عنها"؛ [الفروق: (4/ 294)].
قال القرافي أيضًا: "وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم، فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فتكون جانيًا عليه بالمقدار الزائد؛ والله تعالى يقول: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى [البقرة: 194].
ولا تدعُ عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى، ولا بالكفر صريحًا أو ضمنًا".
وقال ابن تيمية: "وللمظلوم الاستعانة بمخلوق، فبخالقه أولى، فله الدعاء بما آلمه بقدر ما موجبه ألم ظلمه، لا على من شتمه، أو أخذ ماله بالكفر"؛ [الفتاوى الكبرى: (5/ 421)].
والنصيحة: لا تشغلي نفسكِ بسبِّ أحد، وفوِّضي الأمر لله، وإذا دعوتِ على الظالم، فاحذري أن تزيد في دعائكِ على حد الاستيفاء؛ فإن المرء إذا دعا على ظالمه استوفى حقه، فإن زاد أصبح للظالم لديه حق.
وجاء فيشعب الإيمان (5/ 287) عن الهيثم بن عبيد الصيدلاني قال: "سمع ابن سيرين رجلًا يسب الحجاج، فقال: مَهْ أيها الرجل! إنك لو وافيت الآخرة، كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله عز وجل حَكَمٌ عَدْلٌ، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه شيئًا فشيئًا، أخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسبِّ أحد".ولله در القائل:
أحبُّ مكارمَ الأخلاقِ جَهْدِي
وأكره أن أَعِيب وأن أُعابا

وأصفحُ عن سبابِ الناس حلمًا
وشرُّ الناسِ من يهوى السِّبابا
[أدب الدنيا والدين للماوردي: (ص 252)].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.