بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
(2) مبحثٌ في ( مَنْ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ شَرَّهُمْ )
بيانُ اختلاف الرّوايات في ألفاظِ حديث:‏(مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أمِنَ شرَّهم):
تعدَّدَتِ الألفاظُ الّتي رُوِيَ بها هذا الحديثُ المُختلَقُ؛ولا غروَ في ذلك فهو مِن قَبيل المَوضوعات،فمنه ا:
1- (مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أَمِنَ شَرَّهُم)[1].
2- (مَن فَقِهَ لغةَ قومٍ عَرَفَهُم)[2].
3- (مَن تعلّمَ لِسانَ قومٍ أَمِنَ ‏مِنْ مَكْرِهِم)[3].
4- (مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أَمِنَ مَكْرَهُم)[4].
5- ‏(مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أَحَبَّهم)[5]. ‏
6- (مَنْ ‏تعلَّمَ لغةَ قومٍ أَمِنَ غَوائِلَهُم)[6].‏
حوْلَ أُولَى المصادرِ الّتي وردَ فيها هذا الحديثُ‏:‏(مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أمِنَ شرَّهم):‏
الّذي وقفتُ عليه هو ما ذكره محمّد كُرْد عَليّ (ت: 1372هـ = 1953م) في كتابه:خُطَط الشّام (1/ 48 لغات الشّام/الشّاميّون أُمّةٌ واحدةٌ لسانُهم العربيّةُ فقط)،فقد جاءَ فيه قولُه - رحمه اللّه تعالى - :(يقولون:إنّ مَن تعلّمَ لغةَ قومٍ أحبَّهم فما أَحرى أنْ يُحِبَّ المرءُ أوّلاً أرضاً أَنبتَته،وأهلاً تَجمعُه ‏وإيّاهم جامِعَةُ الوطنِ والجنسِ واللِّسانِ).‏
طَرْدُ النِّسْبَة :
ومِمَّن نُسِبَتْ إليهِ أيضا هذه المقالَةُ :(‏مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أَمِنَ مَكْرَهُم):
أ- عمرَ بنِ ‏الخطَّاب رضي الله عنه[7]؟!.
ب- مِن الآثار المَروِيَّة عن بعضِ الصّحابة أو التّابعين[8] !.
ت- عُدَّ مَثَلًا عَرييّاً دارِجًا[9] !.
ث- عَلَّهُ قولٌ لِبعضِ السَّلَف[10].
ج- مِن كلامِ ‏بعضِ العلماء[11].
في معنى حديث (مَن تعلَّمَ لغةَ قومٍ أمِن مَكْرَهم)[12]:
على تقدير ثبوتِ هذا الحديث؛‏ فالمعنى الظّاهر منه هو:أنّ مَن تعلّمَ لغةَ قومٍ فجالسَهم علِمَ ما يتحدّثون فيه فأمِنَ ‏مكرَهم به.‏فالمرادُ مِن حيث معرفةُ ‏لَفظِهم،‏وعدم ُ معرفتِه.
وهذا كلامٌ غيرُ صحيحٍ على إطلاقِه؛ذلك لأنّ الأمانَ مِن مَكر النّاس لا ينحصِرُ سببُه ‏في معرفة لغتِهم فحسبُ فقد ترى النّاسَ يمكرُ بعضُهم ببعضٍ ‏ولغتُهم واحدةٌ !؛وعليه فمُجرَّد تعلُّمِ لغةِ ‏القومِ لا يعني إحرازَ الأمنِ مِن مكرِهم مِن كلِّ وجهٍ،بل يمكنُ أن يمكرُوا به،وهو يعرفُ لغتَهم ويُجيدُها؛فقد تعلّمَ النّاسُ لغةَ الأعاجم مِن اليهود ‏‏والنّصارى وغيرِهم ولم يَأمَنُوا مكرَهُم كما هو الواقِعُ.‏ونحن الآن عربٌ نعرفُ اللّغةَ العربيّةَ.ولسنا نأمَنُ مكرَ بعضِ العرب،مع أنّنا مِن أهلِ لغتِهم.‏بل يمكنُ أن يكونَ لكَ صاحِبٌ يُظهِرُ لكَ الصّداقةَ، ثمّ يَخُونُك، ‏وربّما مكرَ بك أهلُ بلدِك ومَحَلَّتِك مع كونِك تعرِفُ لغتَهم؛إذِ المكرُ إرادةُ الشّرِّ بالآخَر بخَفاءٍ ودَهاءٍ وخَديعةٍ.
ومن عَجَبٍ أنّ الواقِعَ المعيشَ يدُلُّنا على أنّ ‏الّذين تعلّمُوا لغةَ الأعاجمِ هم الّذين وقعُوا في ‏مَكْرِهِم،فقد ‏تَعلّمُوا لغتَهم وتَشرَّبَتها ‏قلوبُهم، فانعكسَ ذلك جَلِيًّا في ما آلَتْ إليه أحوالُهم مِن فسادٍ في الاعتقاد،وانحلا لٍ في الأخلاق،ومِن جعْلِ الدّنيا ‏هي الغايةَ،‏ومِن مدحِ المغضُوبِ عليهم والضّالِّين،ومَ وَدّتِهم،وغيرِ ذلك مِن المحاذير.فأيْنَ ‏الأمانُ مِن مَكْرِهم ؟!.‏
والحقُّ أنّ الأمانَ مِن المخاوفِ ‏إنّما هو بطاعةِ الله،والتّوكُّل عليه،فهو سبحانه يَحمي عبدَه المؤمنَ ويحفظُه مِمَّن كادَه ‏ومكرَ به.ونبيُّنا محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم مكَرَ به قومُه ولم يمنَعْ ذلك معرفتُه لِلُغتهم،ولكنْ نفعَه دفعُ الله عنه وحمايتُه له،قال تعالى:(وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ)[13]؛فلم ينفِ عنهم المكرَ مع كونِ النّبيِّ صلّى الله ‏عليه وسلّم يعرِفُ لغتَهم.ولكن يمكنُ أن يأمنَ بعضَ مَكْرِهِم مِمّا يظهرُ لمعرفتِه بكلامِهم،وأمّا إذا كانَ التّآمُرُ سِرّا وخَفاءً فهذا لايقدرُ على ردِّه أحدٌ إلاّ مَن بصّرَه اللهُ به فعصمَه سبحانه مِن غائِلَتِه ‏وشرِّه.‏
نعم،مِن حسناتِ معرفةِ لغةِ الأعاجم أنّ مَن تَعلَّمَها مِن الدّعاةِ إلى اللّه وشريعتِه أمكنَه ذلك مِن الدّخولِ في حياتهم،ومُخالَط تهم؛فعرّفَهم بالله تعالى،ودَعاهم إلى عقيدةِ التّوحيد، فعسى أن يهديَ الله على يديهِ ‏‏أقواماً منهم، وأنقذَهم به مِن النّار،وأقامَ الحُجّةَ على آخَرين،وأعذرَ إلى الله بذلك.
حكمُ تعلُّمِ لغةِ (رَطانَة)[14]الأعاجمِ،والتَّ حدُّث بها15]]:
قد كَرِهَ أهلُ ‏العلم ‏تعلُّمَ لغة (رَطانَة) الأعاجم والتّخاطُبَ بها لِمَن يُحسِنُ اللِّسانَ العربيّ،ويُمكِن ُه الاكتفاءُ به، ولا يحتاجُ إليه لِتَفهيم أَعجَميّ.أمّا إذا دَعَتِ الحاجةُ والضّرورةُ إلى ذلك فقد أجازَ العلماءُ تَعلُّمها والتّخاطُبَ بها على أن يُراعَى في ذلك القَدْرُ المحتاجُ إليه منها فقط،مِن غيرِ تَوسُّعٍ،ولا انبساطٍ؛ذلك لأنّ الضّروراتِ في الإسلام تُبيحُ المحظوراتِ،لكنّ ها لا تُبيحُها على الإطلاق،ولهذا قَرَنَ العلماءُ هذه القاعدةَ بقاعدةٍ تاليةٍ لها،وهي: الضّرورةُ تُقدَّرُ بقَدَرْها.
‏‏ودليلُ النّهي حديثُ عمرَ بنِ الخطّاب رضي ‏‏الله عنه قال :‏(لا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأَعاجِمِ[16])[17]،وفي رواية: (إيّاكُمْ ومُراطَنَةَ الأعاجِمِ)[18].‏وعنه أيضا:(مَا تَعَلَّمَ [تَكَلَّمَ] رَجُلٌ الْفَارِسِيَّةَ إِلَّا خَبَّ[19] [خَبُثَ]،وَلَا خَبَّ [خَبُثَ] إِلَّا نَقَصَتْ [ذَهَبَتْ] مُرُوءَتُهُ)[20].
ولقد عَمَّتِ البَلْوى في هذا ‏العصرِ بالرَّطانَة الأَعجَمِيّة؛حت ّى أصبحَ تعلُّمُ ‏بعضِ اللّغات الأجنبيّة ضرورةً مُلِحَّةً في كثيرٍ مِن ‏المهَنِ والأعمالِ،وهذا جائزٌ لأهلِ الحاجاتِ ‏والمصالحِ فلا مانِعَ مِن تَعلُّمِها،ولا سيما مصالحَ المسلمين العامّة،أو ما تعلَّقَ بالدّعوةِ إلى اللّه تعالى.والإسلامُ لا يَنهى المسلمَ أن يتعلَّمَ لغةَ أمّةٍ أُخرى،وبخاصّةٍ إذا كانت عدوّةً ‏للأمّةِ ‏المسلمةِ،أو كانت متقدِّمةً حَضاريّاً،وقد يأمرُ بذلك ويفرِضُه على ‏الأمّةِ فرضاً ‏كِفائيًّا إذا قامَ به بعضٌ سقطَ وجوبُه عن الباقين.
يشهدُ لذلك ‏أمرُ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لزيدِ بنِ ثابتٍ[21]رضي الله عنه أن ‏يتعلَّمَ اللّغةَ السُّرْيانيّةَ[22]،وفي رواية: العِبْرانِيَّةَ لغةَ اليهود.
ولْنُورِدِ الحديثَ بمجموع رواياتِه،فقد ضَمَمتُ بعضَها إلى بعضٍ،مُلَفِّقاً بينها؛لِتَكتمِل َ وتَتَّضِحَ صورتُه:
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ (عن أبيه) زَيْدًا رضي اللّه عنه أخبرَه (قال) أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ (رسولُ الله) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ،قَ الَ زَيْدٌ:ذُهِبَ (أُتِيَ) بِي إِلَى(يهِ) النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛فَأُع ْجِبَ بِي،فَقَالُوا[23]:يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ،مَع َهُ (قد قرأَ) مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ (سِتَّ عَشْرَةَ) سُورَةً،فاسْتَق ْراني فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ،فَأَعْ جَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ (لي رسولُ الله):" يَا زَيْدُ،(ف)إنّه(ا) تَأتِيني (تَأتِينا) (يَأتِينا) كُتُبٌ مِن أُناسٍ لا أُحِبُّ أنْ يَقرأَها كلُّ أحَدٍ[24]،فهل تَستطيعُ أن تَعلَّمَ كتابَ العِبْرانِيَّة ؟.فقلتُ:نعم.(أَفَ تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّ ةَ ؟. قَالَ:فقُلْتُ: لَا؟)،(ف)قال لِي (فأَمَرني) (فأَمَرَهُ) رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أن) تَعَلَّمْ لِي (أَتَعلَّمَ [يَتعَلَّمَ] له) (فَتَعَلَّمْهَا) كِتَابَ (ال)يَهُود (السُّريانيّةَ)، (فَ)قَالَ (رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَإِنِّي وَاللهِ لا (ما) (لم) آمَن (آمَنُهُم) يَهُودَ عَلَى كِتَابِي (كِتَابِنَا) (أنْ يُبَدِّلُوا).قَا ل:(كانَ زيدُ بنُ ثابت يَتعلَّمُ في مدارِسِ ماسِكَة،فعَلِمَ ).قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ (ـه) (ا) لَهُ كِتَابَهُمْ،فَم ا مَرَّ (فلم يَمُرَّ) (مَرَّتْ) بِي (إلاّ) نِصفُ شهرٍ حتّى تَعلَّمْتُه(ا) (حَذِقْتُه) له،(كَتبتُ لِلنّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم كُتُبَه) في خَمْس عَشْرَةَ (بضع عَشْرَة) (سَبْعَة عَشَر) (تِسْعَة عَشر) لَيْلَةً (يَوْمًا).ف(كانَ يعلَمُ ما حَرَّفُوا وبَدَّلُوا).قالَ :فلَمّا (تَعلَّمْتُـ[ـه] له كتابَ يهودَ،(فكُنتُ) كانَ إذا كتبَ إلى يهود كَتَبْتُ إِليهم ([و] أَكتُبُ له [وَأُجِيبُ عَنْهُ])،وإذا كَتَبُوا إِليهِ قَرَأتُ (وأَقرَأتُه [وأَقرَأُ له] كُتُبَهم) كِتابَهم إذا كُتِبَ إليه. اهـ
وقد دلَّ الحديثُ على ‏جوازِ تعلُّمِ اللّغةِ الأجنبيّةِ لِلحاجَة الماسّة،وهي أن يكونَ زيدٌ واسِطةً مَأمُونَةً مَوثوقَةً ‏‏بينه وبين اليهودِ في نقلِ كلامِه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم،وكلامِهم إليه.
وإنّما الاعتمادُ في عدمِ النّهيِ عن تَعلُّمِ اللّغاتِ الأجنبيّة على أمرينِ اثنينِ:‏
الأوّل:ما ثبتَ مِن القواعدِ الشّرعيّةِ أنّ كلَّ ما يَنفَعُ الأُمّةَ تَعلُّمُه فهو فرضُ ‏كِفايةٍ.‏
والآخَر:ما ثبتَ في السُّنّةِ مِن أنّ النّبيَّ صلىّ الله عليه وآله وسلّم أمرَ زيدَ بنَ ثابت أن ‏‏يتعلَّمَ له كتابَ يهود،أي اللّغةَ السُّريانيّةَ. قال صلّى اللّه عليه وسلّم:(إنّي واللهِ ما ‏آمَنُ يهودَ على كتابٍ)؛قال زيدٌ:فما مَرَّ بي نِصفُ شهرٍ ‏حتّى تَعلّمتُهُ له،فكانَ إذا ‏كتبَ إلى يهود كتبتُ إليهم،وإذا كتبُوا إليه قرأتُ له ‏كتابَهم؛فصارَ زيدٌ رضي اللّه عنه يقرأُ لِرسولِ اللّه صلّى الله عليه وسلّم ‏الكُتُبَ الّتي تَصِلُ إليه مِن ملوكِ زمانِه، ‏وغيرِهم، ويَكتبُ له جوابَها بلُغتِهم.
وفي ذلك حَثٌّ وتَرغيبٌ على تَعلُّمِ اللّغاتِ الأجنبيّة،ودليل ٌ على جوازِ تَعلُّمِها ومشروعيّتِه عند المصلحة والحاجة الماسَّة،‏لا يُنازِعُ في ذلك أهلُ ‏العلمِ.ومِن فِقْهِ البخاريّ في تَراجمِ أبوابِ جامعِه الصّحيح أنّه دلَّ على جوازِ ذلك بوَضعِ ترجمة:(بَابُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالفَارِسِيَّة ِ وَالرَّطَانَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَاخْت ِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ )[25].والمرادُ:جِنسُ الرَّطانَة،لا كلّ ‏صورةٍ،ومرادُ البخاريِّ ‏الرّدُّ على مَن قال بكَراهةِ التّكلُّمِ بالكلمةِ والكلمتين مِن كلامِ الفُرسِ.
فينبغي للمسلم العربيّ خاصّة أن لا يعتادَ التَّكلُّمَ بالرَّطانَة الأعجميّة حتّى يهجُرَ العربيّةَ في لِسانِه كما هو ‏حالُ كثيرٍ مِن أهلِ هذه الأعصار،حتّى إنّك ترى كثيرًا منهم يُخاطِبون مَن يعرفُ العربيّةَ مِن ‏العَجَم أو الرُّوم بلسانِه.
والطّريقُ الحسنُ اِعتيادُ التّكلُّمِ باللِّسانِ العربيّ ولو أَعجَميٌّ يُمكِنُه التّكلُّمُ به،بل ينبغي ‏للعَجَم والرُّوم من المسلمين أن يُعَوِّدُوا صِغارَهم اللّسانَ العربيَّ،ويُلقّ نُوهم العربيّةَ في الدُّورِ والمكاتِبِ، ‏فيظهرُ بذلك فيهم شعارُ الإسلامِ وأهلِه،ويكونُ أسهلَ لهم في فهمِ الكتاب والسّنّة،ومِن ثَمَّ ‏كانَ تَعلُّمُ اللّغةِ العربيّةِ مِن الدّينِ،ومعرفتُ ها مِن الواجباتِ.‏
وقد كَرِهَ الإمامُ الشّافعيُّ لِمن يَعرِفُ العربيّةَ أن يتكلّمَ بغيرها.فأمّا التّكلُّمُ بالعَجَميّةِ لِغرضِ تَفهيمِ المخاطَب بقدرِ الحاجة فلا بأسَ ‏به،كمَن تَعيّنَ عليه تعليمُ أَعجميٍّ حُكمًا شرعيًّا ،أو القضاءُ به له أو عليه،أو نصيحتُه، وهو يتكلَّمُ بالأعجميّة،ولم يكُنْ ثمَّ غيرُه يُترَجِمُ بينهما،ولا يُمكِنُه تَفهِيمُه بلِسانِ العرب،‏وجبَ عليه أن يتكلّمَ بلسانِه.‏
نعم،لِجوازِ تَعلُّمِها أو التَّحدُّثِ بها ضَوابطُ ذكرَ منها العلاّمة الألبانيّ[26]:
1- يجبُ ألاّ يكونَ تَعلُّمُ اللّغةِ الأجنبيّةِ على حسابِ [تَعلُّمِ] اللّغةِ ‏العربيّةِ؛ فتَعلُّمُها مباحٌ شرطَ أن ‏يكونَ عارفًا بلُغتِه العربيّة.
2- ألاّ يكونَ تَعلُّمُ اللّغةِ الأجنبيّةِ وسيلةً‏ لِخسارةِ التّربيّةِ الإسلاميّة؛ولذل ك فالّذين يُدخِلون ‏‏أَولادَهم في هذه المَدارسِ الأجنبيّة[27] كلِّها سواء ما كانَ منها إنجليزيّةً أو فرنسيّةً، هؤلاءِ ‏مَثَلُهم ‏كما قيلَ قديماً:مَثَلُ مَن يَبني قَصْراً ويَهدِمُ مِصْراً.‏
الهوامش :

[1] - «سلسلة الهدى والنّور» الإصدار الرّابع (4/ 6)،موقع عبد الرّحمن بن ناصر البراك‏/فتاوى الشّيخ/فتاوى الدّروس/تاريخ الإلقاء 21 ‏ذو الحجّة 1431‏ رقم:5542، ‏فتاوى الشّبكة الإسلاميّة (3/ 1329 رقم 3777)‏،التّاج الجامع للأصول في أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم (5/ 253 كتاب ‏الأدب)‏، العِتاب لمن تكلّم بغير لغة الكتاب (ص 39 - 43)‏.‏
[2] - أسئلة وأجوبة مهمّة لعموم الأمّة لعبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله‏ (8 س4).‏
[3] - ‏الصّحيحة (1/ 1/ 364 - 366 ‏رقم187)‏،بيان المعاني (6/ 206 سورة المجادلة).
[4] - ‎فتاوى ورسائل سماحة الشّيخ محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّطيف آل الشيخ (13/ 105/ 4450)،اللّقاء الشّهريّ (3/ 13)‏،ولقاء الباب المفتوح (194/ 10)،المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح (ص16، 184)،فتاوى اللّجنة الدّائمة (المجموعة الأولى 2/ 213 - 214 الفتوى رقم ‏‏585)،شرح سنن أبي داود للعبّاد (1/ 1516 - 1517) و (3/ 2494 - ‏‏2495)‏،شرح الموطّأ لعبد الكريم لخضير (كتاب الاستسقاء2/أسئلة حول الدّرس)،‏بيان العلم الأصيل (ص154 رطانة الأعاجم)،فتح الرّحيم الرّحمن في تفسير نصف القرآن (ص319 سورة النّمل)، ‏‏الأحاديث المعلولة عند العدويّ (رقم 98)‏،الفوائد الحديثيّة وبيان صحّة بعض الأحاديث (9/ 1)،فتاوى جُدّة للشّيخ الألبانيّ/الإصدار الثالث (1/ 14)‏،إرواء الظّمآن بتعليلات العلوان2(رقم 133)،فتاوى متنوّعة لفضيلة الشّيخ سليمان ‏بن ناصر العلوان (8/ ‏‏69) و ‏‏(ص30 - 31)‏،ألف فتوى وفتوى للشّيخ المحدّث عبد الله بن عبد الرّحمن السّعد (ص24 ‏رقم 133)‏،مكتبة الشّيخ عبد الرّحمن السّحيم (38/ 463 رقم 318)‏،الحديقة اليانعة من العلوم النّافعة (2/ 652 - 656)‏،رسالة في الردّ على شُبَهٍ تجري على ألسنة الكثير من النّاس (ص14 - ‏‏16)‏،‏الموقع الرّسميّ لسماحة الشّيخ الإمام ابن باز:[مقطع صوتي]،العِتاب لمن تكلّم بغير لغة الكتاب (ص 39 - 43)،فتاوى الشّبكة الإسلاميّة (3/ 2075 رقم 60573 تَارِيخُ الفَتْوَى 24 ‏من صفر 1426هـ)‏،موقع معرفة السّنن والآثار/ السـّاحة الإســلاميّـــة/منـبر السنّة النّبويّة والآثار ‏السّلفيّة/26:دمعة حزن ‏المحدّثين على ما انتشر هذا الزّمان من أحاديث ‏لاتصحّ عن سيِّد المرسلين.
[5] - خُطَط الشّام (1/ 48 لغات الشّام/الشّاميّون أُمّة واحدة لسانهم العربيّة فقط).‏
[6] - حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشكِّكين (ص342).
[7] - في ‏المفاهيم المُلتَبِسَة بين الطَّرح العلمانيّ والفكر الإسلاميّ (ص142) للشّيخ مولاي المصطفى البرجاويّ. ‏
[8] - ‏كتاب:تسابيح السجّادة الخضراء/مَن تعلّم لغة قوم أمِن شرّهم‏ لمها المحمّديّ،نشر: سيبويه لطّباعة والنّشر الرّقميّ.
[9] - موقع الجزيرة/ثقافة/العالم العربي/هل اللّغة العربيّة تُحتَضَر ؟.بتاريخ:17/ 2‏‏/ 2019م،وموقع السّاحة العمانيّة/الفكاهة والتّسلية. بتاريح:18 ديسمبر ‏2002م.‏
[10] - فَتاوى اللّجنة الدّائِمَة/المجموعة الأولى (2/ 213 - 214 الفتوى رقم 585). ‏
[11] - قاله الشّيخُ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - بواسطة الموقع الرّسميّ لسماحة الشّيخ الإمام ابن باز " مقطع صوتي " -.
[12] - ‏فتاوى الشّيخ محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّطيف آل الشّيخ (13/ 105 رقم 4452)،‏اللّقاء الشّهريّ (3/ 13)‏،لقاء الباب المفتوح (194/ 10)،فتاوى اللّجنة الدّائمة/المجموعة الأولى (2/ 213 - 214 الفتوى رقم 585)،‏شرح سنن أبي داود للعبّاد ‏(3/ 2494 - 2495)‏،أسئلة وأجوبة مهمّة لعموم الأمّة (8)،رمضانيّات (1/ 43)،الوعيد على أهل الغلوّ ‏والتّشديد (ص 21- 22).
[13] - الأنفال/٣٠.
[14] - وهي كلُّ لسانٍ سِوى العربيّة أو هي التَكلمُ بغير اللِّسان العربيّ تشبُّهًا بالأعاجم.
[15] - فتاوى الشّيخ سليمان بن ناصر العلوان (ص30 - 31)،فتاوى الشّيخ محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّطيف آل الشّيخ (13/ 105 رقم 4450)،جامع تراث الألبانيّ (8/ 108 - 109)‏،فتاوى اللّجنة الدّائمة/المجموعة الأولى (2/ 213 - 214 الفتوى رقم 585)،الفوائد الحديثيّة وبيان صحّة بعض الأحاديث (9/ 1)،ألفُ فتوى وفتوى للشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن السّعد (ص24 رقم ‏‏‏‏133)،مكتبة الشّيخ عبد الرّحمن السّحيم (38/ 463 رقم 318)‏،الحديقة اليانعة من العلوم النّافعة (2/ 652 - 656 نصيحة وبيان لشبه تجري على ‏ألسنة كثير من النّاس ‏لسعد بن عبد الرّحمن بن قاسم)،‏العِتاب لِمَن تكلّم بغير لغة الكتاب (ص 39 - 43)،وأحال إلى‏ السّلسبيل في معرفة الدّليل (3/ 883).‏
[16] - تتمَّتُه:(وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ [في رواية:بيعهم] يَوْمَ ‏عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ).‏
[17] - ‏كتاب الأدب لابن أبي شيبة (ص153‏ رقم 52)،مصنّف ابن أبي شيبة (8/ 548 رقم 26685 في الكلام بالفارسيّة مََن ‏كرهه/ مكتبة الرّشد)و(9/ 11 رقم 6332 كتاب الأدب/1041 في الكلام ‏بالفارسيّة مَن كرهه/الدّار لسّلفيّة)‏و(14/ 410 الهامش2/تح:الشثريّ)، مصنّف عبد الرزّاق (2/ 122 رقم 1669/ 33 باب الصّلاة في البيعة)و‏‏(1/ 411 رقم 1609 الأعظميّ)، السّنن الكبرى للبيهقيّ (9/ 392 رقم 18861/ 56)،‏الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللّغة العربيّة ‏(ص251 - 253):(ضعيف الإسناد).‏
[18] - فوائد أبي القاسم الحُرْفيّ رواية الثقفيّ (ص165 رقم 24).
[19] - الخِبُّ بالفتح والكسر:الخِداع (المعجم الوسيط 2/ 2).
[20] - أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الأدب (ص153‏ رقم 51 باب مَن كره الكلام بالفارسيّة)،وفي المُصَنَّف (8/ 548 رقم 26684)، المروءة لابن المرزبان (ص68 رقم83)،مستدرك الحاكم (4/ 184 رقم 7081)،الكامل لابن عديّ (5/ 175)،مسائل حرب بن إسماعيل الكِرمانيّ "الطّهارة والصّلاة" (ص510 رقم 1093)،الدّلائل في غريب الحديث (1/ 247 رقم 127).وفي المدوَّنَة (1/ 161 كتاب الصّلاة الأوّل/الْإِحْرَام لِلصَّلَاةِ): (قَالَ:وَأَخْبَر َنِي مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ، وَقَالَ:إنَّهَا خَبٌّ).وأثر عمر هذا رُوِيَ مرفوعا في الكامل لابن عديّ (5/ 175)،ومستدرك الحاكم (4/ 184 رقم 7081) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّ ةِ زَادَتْ فِي خُبْثِهِ[خِبِّهِ]وَنَقَصَتْ مِنْ مُرُوءَتِهِ).قال ابنُ عديّ: (قال الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ بَهَذَا الإِسْنَادِ باطلٌ)،وقال الذّهبيُّ في تلخيص المستدرك (ص2476 رقم 847):(ليس بصحيحٍ،وإسنادُه واهٍ بمَرَّة).وعلّق عليه ابنُ الجوزيّ في الموضوعات (3/ 256 - 257 رقم 1487)،بقوله: (وَأمّا حَدِيث أنسٍ،فَقَالَ الدَّارقطنيُّ: تفرّد بِهِ طَلْحَة،وَلَمْ يَروِه عَنْهُ غَيْر مُحَمَّد بن يَزِيد .قَالَ الْبُخَارِيّ: طَلْحَة مُنكَر الْحَدِيث،وقال النَّسائيُّ: متروكُ الحديث،وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ:لَا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ).
وأوردَه في:أساس البلاغة (ص102 ع1 خ ب ب)،وتاج العروس (2/ 328 خبب)،والبصائر والذّخائر (9/ 87 رقم 256)،وربيع الأبرار (2/ 148 رقم 18)،وإعراب القرآن وبيانه (3/ 407 سورة هود 23 - 24)،وتنبيه الرّجل العاقِل (1/ 258).وحكمَ عليه في الأحاديث والآثار الواردة في فضلِ اللّغة العربيّة ‏(ص243 - 248، 253 - 255):(ضعيف جدّا).‏
[21] - رواه البخاريّ في صحيحه معلَّقاً بصيغة الجَزم (15/ 94 رقم 7195 كتاب الأحكام/40 - باب ‏ترجمة الحُكّام،وهل يجوز تُرجُمان واحدٌ ؟/فتح ‏الباري)‏،‏قال ابنُ حجر (‏15/ 95‏):(وقد وصلَه مُطَوَّلاً في" كتاب التّاريخ ")،وفي التّاريخ الكبير له (3/ 380 رقم 1287)‏، مسند أحمد (35/ 463، 490 رقم 21587، 21618)، سنن التّرمذيّ (5/ 64 رقم 2715 باب22:ما جاء في تعليم السُّريانيّة/شاكر)، قال أبو عيسى:(هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وقد رُوِي من غير هذا الوجه عن زيد بن ثابت، رواه الأعمش،عن ثابت بن عُبَيْد ‏الأنصاريّ عن زيد بن ثابت)،سنن أبي داود (5/ 10/ 56 رقم 3640 عون المعبود)،مستدرك الحاكم (3/ 518 رقم 5851):(صَحِيحٌ، إِنْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ عُبَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)، صحيح ابن حبّان (16/ 84 - 85 رقم 7136)،‏طبقات ابن سعد (5/ 308)، الطّبراني في الكبير (5/ 133 - 134 رقم 4856، ‏4857‏)،فوائد أبي محمّد الفاكهيّ (ص237 - 239 رقم 78)،الفاكهيّ في حديثه (ص260 - 261 رقم 78)‏،أبو القاسم بن بشران في الأمالي (1/ 121 - 122 رقم 257)،المصاحف لابن أبي داود (ص143 الأرقام 2 و 3 و 4)‏،المعرفة والتّاريخ (1/ 483 - 484)،جزء هلال بن محمّد الحفّار (رقم 170 زوائد رواية أبي الفوارس الزّينبيّ على رواية ‏الرّئيس القاسم بن الفضل الثقفيّ)‏،الصّح يحة (1/ 1/ 364 - 366 ‏‏رقم187).
[22] - قال في تحفة الأحوذيّ بشرح جامع التّرمذيّ (7/ 497):([السُّرْيَانِيَّ ةِ] بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ،وَهِيَ لُغَةُ الْإِنْجِيلِ. وَالْعِبْرَانِي َّةُ لُغَةُ التَّوْرَاةِ).
[23] - في رواية:(فقيل له).
[24] - في المستدرك (3/ 518)،وصحيح ابن حبّان (16/ 84 - 85 رقم 7136):(قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَتْ تَأْتِيَهُ كُتُبٌ لَا يَشْتَهِي أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ يَثِقُ بِهِ).
[25] - الآية 22 من سورة الرّوم:(ومِن آياته خلقُ السّمواتِ والأرضِ واختلاف ألسنتِكم وألوانِكم إنّ في ذلكَ لَآياتٍ لِلعالمين).
[26] - ‏جامع تراث الألبانيّ (8/ 108 - 109)،ألف فتوى وفتوى للشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن السّعد (ص24 رقم ‏‏‏‏133).
[27]- للوقوف على مدى خطر المدارس الأجنبيّة في بلاد المسلمين،يُنظر ما دبّجته يراعَةُ الشّيخ العلاّمة بكر بن عبد اللّه أبو زيد رحمه اللّه تعالى في كتابه الماتع:(المدارس العالميّة: الأجنبيّة - الاستعماريّة،تا ريخها ومخاطرها).