باختصار - لماذا نفشل في علاقتنا مع الآخرين؟

وائل رمضان




خلق الله -تعالى- الإنسان اجتماعيًا بطبعه؛ ففطره على الميل للاندماج والتواصل مع من حوله، ولأن الله -عز وجل- خالق النفوس، وخبير بما تنصلح به في معاشها ومعادها، وعالم -سبحانه- بمدى حاجتها للتواصل والتفاعل مع مجتمعها المحيط؛ فإنه -عز وجل- وضع لها من الضوابط والمحددات ما يجعل هذا التواصل فعالاً وإيجابيًا، والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا يفشل بعض الناس في التعامل مع الآخرين بطريقة جيدة؟

العيش في دائرة الأنا

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، لذلك فإن أول أسباب الفشل في التعامل الجيد مع الآخرين هو العيش في دائرة الأنا، التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه ولا يهتم إلا بشخصه، ولا يخدم إلا أهدافه فقط، تفكيره محصور في ذاته، وقليلاً بل نادرًا ما يفكر في غيره.

إن الألفة والمحبة لا يتحققان إلا إذا حرص كل فرد على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية، ومن ثمرات ذلك أن ينعم الجميع بأواصر الألفة والود والمحبة، فإذا أردنا أن تكون علاقاتنا ناجحة مع من حولنا، فلنخرج من ذواتنا ولنفكر انطلاقًا من معادلة الربح المشترك (أنا أربح وأنت تربح).

التدخل في شؤون الآخرين

التدخل في شؤون الآخرين من العادات غير المقبولة اجتماعيًا والمرفوضة دينيًا، فحينما يعطي بعض الناس لأنفسهم حق التدخل في شؤون غيرهم، تنعدم الاستقلالية، وتستباح الأمور الشخصية، ومن شأن ذلك أن يجعلك شخصًا مزعجًا غير مرغوب فيه سواء مع العائلة أم مع الأصدقاء أو المعارف أو الزملاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، فمن حسن إسلامنا وكمال أخلاقنا وتوازن علاقاتنا، أن نترك ما لا يعنينا مما لا فائدة منه، وألا نقحم أنفسنا في شؤون الآخرين دون إذن مسبق منهم.

عدم الفهم والإدراك

النفس البشرية منظومة معقّدة من المشاعر والأحاسيس والأفكار، وعندما نفهم احتياجات تلك النفس ونتعامل معها بالطريقة التي تناسبها، تُحل كثير من الإشكالات، فأغلب المشكلات بين الأفراد تنشأ من عدم فهم احتياجاتهم وإدراك دوافعهم، وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مثال رائع على ذلك: قال -[- لها: «إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ -يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ»، فهل لنا في هذا الخلق الرائع نصيب؟!

التوقعات الزائدة

من صفة العاقل أنه لا ينتظر من الخَلق وفاءً، ولا يرجو منهم ثناءً، لأنه يدرك أن الإنسان محل الإساءة والإحسان، وأنه ظلوم جهول، فمن عرف حقيقة معادنهم لم يستبعد ما يرى من طبائعهم، لذلك نحتاج في تعاملاتنا مع الآخرين إلى الموضوعية وعدم الحكم على الأمور بلمسات عاطفية، إنما ينبغي التعامل بعقلانية، وأن نخفض سقف توقعاتنا في ردود أفعال الآخرين، وألا ننتظر منهم أفعالا راقية وبطولية، فكلما زاد سقف التوقعات كان الخذلان أكبر، ومن ثم تفشل الكثير من العلاقات.

اللوم والنقد الدائم

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَه»، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغه عن أحد ما يكرهُه لم يقُلْ: ما بالُ فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: ما بالُ أقوام يصنعون، أو يقولون كذا! ينهى عنه، ولا يسمّي فاعلَه.

إلقاء اللوم على الآخرين وانتقادهم من أشد الآفات خطورة على حياتنا وعلاقاتنا، وإذا انشغل الإنسان بنفسه ارتاحت له النفوس، وكان محبوبًا من الجميع؛ والنقد يختلف عن النصح، فالنصح والنصيحة من أهم المبادئ الإسلامية، لكنها نصيحة منضبطة بغاية، وهي إصلاح المنصوح لا إسقاطه أو إهانته!

كن صاحب مبدأ

خلاصة القول.. التعامل الجيد مع الناس يعني قدرتنا على إدارة مشاعرنا، وضبط انفعالاتنا السلبية والإيجابية معهم، في جميع الأحوال، ومع جميع الأشخاص، الكبير والصغير، القريب والبعيد، فالمواقف التي نمر بها يوميًا لا يمكن حصرها، والأشخاص الذين نتعامل معهم كذلك، لذا لابد أن نكون أصحاب مبادئ ننطلق من خلالها في التعامل مع الآخرين، حتى لا تصبح حياتنا هلاميّة نتشكل وفق ما يريدونه، أو تكون تصرفاتنا مجرد ردود أفعال لا غير، فنخسر أنفسنا ونخسر من حولنا.