قاعدة أصولية: الحفاظ على الموجود خير من طلب المفقود

الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ




هذه قاعدة كتبت بلسان أهل الأصول بلفظ (الحفاظ على الموجود خير من طلب المفقود)، وكتبت بلسان أهل السياسة الشرعية بلفظ (الحفاظ على رأس المال مقدم على تحقيق الأرباح)، وحقيقة هذه القاعدة الكبيرة العظيمة، تدور على (حفظ الموجود حتى لا يصير رأس مال الشيء من المفقود).

وهذا الحفظ لا يتأتى إلا من فقه بواجب الوقت، وإيثار للمصالح الشرعية، والعلم بالأسباب المؤدية إلى صلاح الخلق؛ فيفرق الفقيه بين ما هو من قبيل حفظ المصالح الضرورية التي هي رأس مال الدين وبين ما هو من قبيل السعي في طلب الأمور الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها، ويفرق -أيضا- بين الموجود من كل شيء وبين المفقود، فيحفظ الموجود أولا ثم يسترجع المفقود بحسب الإمكان، ويقدم المصلحة المتحققة على المصلحة المتوهمة.

الحفاظ على ثوابت الشريعة

ورأس مال الدين في النازلة يكمن في الحفاظ على ثوابت الشريعة ومقاصد الدين و محاسن الإسلام، من أن تكون غرضا من أغراض الفتنة؛ والحرص على نصح أهل الدين الصحيح وهدايتهم، والسعي لجمع كلمتهم بغية حراسة السنة وقمع دابر البدعة ودفع أسباب الفتنة، وكذلك الحفاظ على النخبة الواعية من أهل الفهم المستقيم والقصد السليم من أن تتلوث بغبار الفتنة أو تنجرف بأوحالها؛ إذ بعد زوال الفتنة يكون عبء التصحيح والإصلاح قائما على رجالات هذه النخبة المختارة.


وقد كان الحفاظ على رأس المال -في الفتنة التي أحاطت بالمؤمنين في العهد الملكي- ظاهرة؛ من حيث الاعتناء بثوابت الدين وأصول الإيمان، والحفاظ على النخبة المؤمنة المستضعفة، وعدم المساومة على وجودها؛ لأنها رأس مال الدين في ذلك الوقت؛ فقد اقترح المشركون بمكة على النبي أن يطرد ضعفاء الصحابة من مجلسه شرطا لدخولهم في الإسلام ؛ فقطع النبي أطماعهم في الإفساد، وفوت عليهم لذة الانتصار، ومنعهم من تحقيق الأغراض؛ لأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين هم رأس مال الدين في ذلك الوقت، ومصلحة إيمانهم مقطوع بها فلا يعدل عنها الشرع إلى مصالح موهومة ومنافع مظنونة، كما قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}.

معالم حفظ رأس المال في النوازل الكبيرة

وحفظ رأس المال في النوازل الكبيرة والأحداث العظيمة وفي الدول الكبيرة كتلك التي دخلت تغيرات جديدة وتنقلات سريعة تكمن في الأمور التالية:

1- الحفاظ على أمن البلاد وإيمان العباد.

2- الحفاظ على ضرورات الحياة.

3- الحفاظ على بيضة الإسلام من الانتقاص والزوال.

4- الحفاظ على مصلحة وحدة البلاد.

5- الحفاظ على أسباب إطفاء الفتنة والاقتتال.

6- الحفاظ على الباقي من الخير والصلاح.

7- الحفاظ على منطق الحكمة في رسم السياسات وصناعة القرارات.

8- الحفاظ على النظام الاجتماعي من الانحلال بالسماحة والاعتدال.

9- الحفاظ على الأواصر النسبية والعلاقات العشائرية من التعصب والانحراف.

10- الحفاظ على القدر المشترك في التعايش بين الناس، والحفاظ على الولاء للدين والوفاء للأوطان.

فهذة عشرة كاملة وأسباب جامعة، ومصالح كلية عامة تحتاجها الدول للخروج من أزماتها، ولتكون قاعدة لاسترجاع المفقود وإعادة الحق المغصوب وتنمية الربح الموجود.