حكم التسمي بأسماء الله عز وجل



أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


السؤال:
الملخص:
سائل يسأل عن حكم التسمي باسم الرشيد إن كان من أسماء الله تعالى.
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله: لدي سؤال فقط.
هل الرشيد من أسماء الله الحسنى؟
فإن كان من أسماء الله، فهل يجوز تسميته من دون تعبيد؟
أفتونا مأجورين.


الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: ليس من أسماء الله تعالى (الرشيد)، على الراجح؛ لأنه لم يَرِدْ في القرآن ولا في السنة الصحيحة، وكما هو معلوم أن أسماء الله توقيفية، فلا يجوز أن يُسمَّى الله إلا بما سمى به نفسه أو سمَّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم، واسم الرشيد لم يُذكر إلا في رواية الترمذي في عدِّ الأسماء، وهي رواية ضعَّفها علماء الحديث قديمًا وحديثًا، وحكموا عليها أنها مدرجة من قول الوليد بن مسلم أحد رواة الحديث، وممن حكم بضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية.
وجاء في فتح الباري بعد ذكره للأسماء التي وردت في القرآن ولم تَرِدْ في حديث الترمذي قال: (والأسماء التي تقابل هذه مما وقع في رواية الترمذي مما لم تقع في القرآن بصيغة الاسم، وهي سبعة وعشرون اسمًا: القابض الباسط، الخافض الرافع، المعز المذل، العَدْل الجليل، الباعث المحصي، المبدئ المعيد، المميت الواجد الماجد، المقدم المؤخر، الوالي ذو الجلال والإكرام، المقسط المغني، المانع الضار، النافع الباقي، الرشيد الصبور، فإذا اقتصر من رواية الترمذي على ما عدا هذه الأسماء، وأبدلت بالسبعة والعشرين التي ذكرتها خرج من ذلك تسعة وتسعون اسمًا، وكلها في القرآن واردة بصيغة الاسم)؛ [فتح الباري: (11/ 218)].
وقد اعتبر السعدي (الرشيد) من الأسماء على طريقته في جواز الاشتقاق؛ فقال: (38 - الرشيد:وهو الرشيد الذي أقواله رشد، وأفعاله رشد، وهو مرشد الحائرين في الطريق الحسي، والضالين في الطريق المعنوي، فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة رسله من الهداية الكاملة، ويرشد عبده المؤمن، إذا خضع له وأخلص عمله أرشده إلى جميع مصالحه، ويسَّره لليسرى وجنَّبه العسرى، والرشد الدال عليه اسم الرشيد وصفه تعالى والإرشاد لعباده، فأقواله القدرية التي يُوجِد بها الأشياء، ويدبر بها الأمور كلها حقٌّ لاشتمالها على الحكمة، والحسن، والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية؛ وهي: أقواله التي تكلم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الأخبار، والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدقَ من الله قِيلًا، ولا أحسن منه حديثًا ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115] في الأمر والنهي)؛ [تفسير أسماء الله الحسنى: (ص، 205)، للسعدي].
ثالثًا: حكم التسمي بـ(الرشيد)، الأولى المنع احتياطًا؛ اعتبارًا بمن عدَّه من أسماء الله، وله أن يسمي (رشيد) غير المحلى بـ(أل)، وقد توقف الشيخ الفوزان في حكم التسمي بـ(عبدالرشيد)؛ ينظر:
https://www.youtube.com/watch?v=m4H0Jvbl6ac
قال ابن عثيمين: (التسمي بأسماء الله عز وجل يكون على وجهين:
الوجه الأول: وهو على قسمين:
القسم الأول: أن يُحلَّى بـ"أل"، ففي هذه الحالة لا يُسمَّى به غير الله عز وجل، كما لو سميت أحدًا بالعزيز والسيد والحكيم، وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يُسمَّى به غير الله؛ لأن "أل" هذه تدل على لمح الأصل، وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم.
القسم الثاني: إذا قُصد بالاسم معنى الصفة، وليس محلًى بـ"أل"، فإنه لا يسمى به، ولهذا غَيَّر النبي صلى الله عليه وسلم كُنْيَةَ أبي الحَكَم التي تَكَنَّى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ اللهَ الحَكَمُ، وإليه الحُكْم))، ثم كنَّاه بأكبر أولاده شُريح؛ فدلَّ ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظًا بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم، فإنه يُمنع؛ لأن التسمية تكون مطابقة تمامًا لأسماء الله سبحانه وتعالى، فإن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف؛ لدلالتها على المعنى الذي تضمنه الاسم.
الوجه الثاني: أن يتسمى بالاسم غير محلى بـ"أل" وليس المقصود معنى الصفة، فهذا لا بأس به؛ مثل: "حكيم"، ومن أسماء بعض الصحابة: "حَكِيم بن حِزَام"؛ الذي قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا تَبِعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ))، وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به.
لكن في مثل "جبار" لا ينبغي أن يتسمى به، وإن كان لم يلاحظ الصفة؛ وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المُسمَّى، فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق، فمثل هذه الأشياء التي قد تؤثر على صحابها ينبغي للإنسان أن يتجنبها، والله أعلم)؛ [فتاوى العقيدة: (ص: 37)].
رابعًا: آداب تسمية المولود في الإسلام:
فلا بد من معرفة اشتقاق الاسم من لغة أصله، ونعلم مَن تسمى به من العرب أو المسلمين قديمًا أو حديثًا، ونعلم معناه في لغته إذا كان منقولًا من لغات أخرى، وإن كان منقولًا من لغة أخرى، فلا ينبغي للمسلم أن يسميَ به إلا إذا عرف معناه، فلعله يتضمن معنًى أو شعارًا يتنافى مع الدين والأخلاق، ولا يُؤمَن ذلك في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم واختلت فيه الموازين، والأولَى للمسلم أن يسميَ أبناءه وبناته بالأسماء الحسنة الأصلية؛ كأسماء الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين، وإن سمَّى بغير ذلك مما ليس فيه محذور شرعي، فلا مانع من ذلك، والمحاذير الشرعية في الأسماء تتلخص في الآتي:
1- أن يكون فيها تعبيدٌ لغير الله كعبدالرسول.
2- أن تكون مما هو مختص بالله تعالى من الأسماء، أو مُعرف بـ"أل" من الصفات كالرحمن والعليم.
3- أن تكون ذات معنى مذموم كشهاب، وحرب، وحزن.
4- أن تكون من الأسماء التي لا معنى لها أو تدل على الميوعة.
5- أن تكون فيها تزكية للنفس كبرَّة.
فإذا سلمت الأسماء من هذه المذكورات فلا مانع من التسمية بها شرعًا.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.