تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: جحا بين الحقيقة والوهم:

  1. #1

    افتراضي جحا بين الحقيقة والوهم:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    جحا بين الحقيقة والوهم:

    كثيرة هي القصص والحكايات الساخرة التي تحكى عن جحا.
    فهل كل هذه القصص والحكايات كانت من أرض الواقع أم من نسج الخيال؟
    وهل جحا شخصية واقعية أم مجرد أسطورة؟

    1- من هو جحا؟
    الأمر الذي قد لا يعلمه الكثيرون أن جحا تابعي عاش في قرن من خير القرون.
    اسمه الحقيقي: دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري، أبو الغصن، الكوفي الفزاري.
    عاش في القرن الثاني من الهجرة، وقد ذكر الزركلي في الأعلام أنه توفي حوالي سنة 130 هـــ الموافق ل 747 م([1]).
    وقيل أنه ولد عام 60 من الهجرة وتوفي عام 160 هـــ.
    وقد عاش معظم حياته في الكوفة، وذكر بعض أهل العلم والسير كالحافظ ابن عساكر أنه عاش أكثر من مائة سنة.
    قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى:" رأى دجين أنسا، وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئا يسيرا.
    وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن عبد الملك، والاصعمي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي."([2])اهــــــ.

    وجحا إسم لا ينصرف لأنه معدول من جاح مثل عمر من عامر يقال جحا يجحو جحواً إذا رمى.([3]).
    وقد اختلف في دجين بن ثابت فذهب جمع من الأئمة إلى أن دجين بن ثابت هو جحا، منهم أحمد الشيرازي في " الألقاب "، وروي ذلك عن يحيى بن معين، وذكره الحافظ الذهبي في السير بقوله:" جحا أبو الغصن، صاحب النوادر، دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري"([4]).
    وممن خالف الحافظ ابن حجر حيث قال في الميزان وتعجيل المنفعة كلاهما له:" هو الذي يتوهم أحداث أصحابنا انه جحا وليس كذلك"([5])، وكذلك ابن الصلاح فقد جاء في تاج العروس:"قالَ ابنُ الصَّلاح : قيلَ : إنَّه جُحا المَعْروفُ ، والأَصحّ أنَّه غيرُهُ ؛ قالَ : وعلى الأَوّل مَشَى الشِّيرازِيُّ في الأَلْقابِ ورَواهُ عن ابنِ معينٍ."([6]) اهــــ.
    ونقل المرتضى الزبيدي ما ورد في كتابِ المنهج المطهر للقلْب والفُؤادِ للقطبِ الشَّعْراني وهذا نَصَّه :" جُحا هو تابِعيٌّ كما رأَيْتُه بخطِّ الجلالِ السّيوطيّ ، قالَ : وكانتْ أُمُّه خادِمَةً لأُمِّ أَنَس بنِ مالِكٍ ، وكانَ الغالِبُ عليه السَّماحَة وصَفَاء السَّرِيرَةِ ، فلا يَنْبغِي لأَحدٍ أَنْ يَسْخَر به إذا سَمِع ما يُضافُ إليه مِن الحِكَاياتِ المُضْحِكَة ، بل يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعه ببَرَكاتِه .
    قالَ الجلالُ : وغالِبُ ما يُذْكَر عنه مِن الحِكَاياتِ المُضْحِكَة لا أَصْل له . "([7])اهـــــــ.
    وقد روى الشيرازي في الألقاب عن مكي بن إبراهيم قال:" رأيت جحا الذي الذي يقال فيه: مكذوب عليه، وكان فتى ظريفا، وكان له جيران مخنثون يماز حونه، ويزيدون عليه."([8]).
    وفي رواية أخرى:" رأيت جحى وكان لبيبا فاضلا عاقلا وليس مما يقول الناس شيئا."([9]).
    وروي عن قبيصة بن عقبة قال : اجتزت بجحى وهو جالس على الطريق يأكل خبزا فقلت له : يا أبا الغصن تجالس جعفر بن محمد وتأكل على الطريق ؟ فقال : حدثني جعفر بن محمد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مطل الغني ظلم فطالبتني نفسي بالمأكول وخبزي في كمي فلم أحب أن أمنعها فأمطلها فألقى الله ظالما ."([10]).
    وعن عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه.
    قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى معلقا: " لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدثون."([11]).
    وفي مخطوطة حديثة سميت (قطعة من تراجم أعيان الدنيا الحسان) في المكتبة الشرقية اليسوعية ببيروت: كان أبو الغصن جحا البغدادي صاحب مداعبة ومزاح ونوادر([12]).
    جاء في أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي:"ومنهم جحا ويكنى أبا الغصن وقد روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء إلا أن الغالب عليه التغفيل وقد قيل إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات والله اعلم. عن مكي بن ابراهيم انه يقول رأيت جحا رجلا كيسا ظريفا وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه وكان له جيران مخنثون يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه. وعن أبي بكر الكلبي انه قال خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة إذا أنا بشيخ جالس فى الشمس فقلت يا شيخ أين منزل الحكم فقال لي وراءك فرجعت إلى خلفي فقال يا سبحان الله أقول لك وراءك وترجل إلى خلفك، أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قال بين أيديهم. فقلت أبو من؟ قال أبو الغصن فقلت الاسم قال جحا... قال المصنف وجمهور ما يروى عن حجا تغفيل."([13]).
    وقد ذكر بعضهم أن الجاحظ كان أول مؤلف عربي ذكر جحا في مؤلفاته، ذكره في رسالة عن علي والحكمين، وذكره في كتاب البغال([14]).

    2- خطورة الكلام في المسلم بما ليس فيه:
    بعد تتبعي لترجمة دجين بن ثابت في كتب التراجم يظهر أن هناك خلاف في صحة نسبة هذا الاسم لجحا.
    ومهما يكن فهناك احتمال قوي أن تكون شخصية جحا التي تؤلف حولها الحكايات الساخرة وتنقل عنها القصص والنكت المضحكة أن تكون هي شخصية ذلك التابعي الجليل دجين بن ثابت الذي لقي أنسا رضي الله عنه.
    ولا يخفى ما للمسلم عموما من حرمة فكيف إذا كان هذا المسلم من القرون التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية وأخبر عنها بالأفضلية.
    يقول صلى الله عليه وسلم:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"-رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني-.
    وفي راية:"خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجيء قوم لا خير فيهم"-رواه الطبراني وصححه الألباني-.
    وفي رواية:" خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
    فهذا ثناء على القرون الثلاثة المباركة: قرن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين.
    ولا شك أن ما ينقل عن جحا (دجين بن ثابت) هو من البهتان في حقه لأن تلك الحكايات تنسب إليه على أنه صاحبها أو قائلها مع أنه بريء من كل ذلك.
    وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال:" ذكرك أخاك بما يكره"، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:" إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته."-صحيح سنن أبي داود-.
    والبهتان من أعظم الظلم في حق من بهت لأنه كذب وافتراء عليه.
    ثم إن في تلك السخرية بشخص جحا ازدراء له وتحقير له.
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)-مسلم-، أي يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم وإن لم يضف إليه شر آخر ليس فيه، فكيف إذا نسب إليه أشياء وأشياء ليست فيه؟
    وهنا لا بأس أن أذكر قصة تبين عظم حرمة المسلم ففيها عبرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) –صحيح سنن أبي داود-.
    إن كانت مجرد كلمة قالتها الصديقة بنت الصديق في حق صفية رضي الله عنها، يخبر الصادق المصدوق أنها لو مزجت بماء البحر لمزجته، فكيف بالحكايات الساخرة والنكت المضحكة التي تحكى وتنسج حول التابعي الجليل دجين بن ثابت الملقب بجحا، والتي لا يعلم عددها –من كثرتها- إلا الله سبحانه؟
    ثم إن وعيدا شديدا قد يلحق كل من تناقل تلك الحكايات الساخرة بغية إضحاك الناس، إذا كان عالما بعدم صحة نسبتها لجحا وأنها كذب عليه.
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له"-صحيح سنن أبي داود-.
    يقول العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى:" هذا فيه التحذير من الكذب... وذلك بالتعبير بالويل: [ (ويل له ويل له!) ] وتكرار ذلك، فهو يكذب ويتعمد الكذب لأجل أن يضحك الناس بالكذب الذي يخبر به وهو غير صادق، بل هو كاذب، وهذا كذب سواء كان للإضحاك أو كان لغير الإضحاك؛ لأن الكذب محرم مطلقاً كما مر في الحديث السابق: (إياكم والكذب). فعلى الإنسان أن يتجنب الكذب ويحذر الكذب. ثم أيضاً هذا يدل على تحريم التمثيل الذي ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمان؛ لأن التمثيل مبني على الكذب، وعلى أخبار غير واقعة. إذا حدث الرجل بقصة أو بطرفة وهي لا حقيقة لها وليس لها أساس، فالمحظور قائم؛ لأنه إخبار بشيء لا حقيقة له، ويكون قد صرح لهم بأنه كذاب. وقد كرر فيه ذكر الويل ثلاث مرات."([15]).

    3- كيف نسبت كل تلك الحكايات الساخرة والنوادر المضحكة لجحا؟
    سؤال مهم يطرح نفسه بقوة:
    إذا كان دجين بن ثابت الملقب بجحا رجلا صالحا عاقلا لبيبا فطنا، فكيف نسبت له كل تلك الحكايات الساخرة والنوادر المضحكة؟
    هناك أمور يمكن أن تكون أسباب لهذه النسبة:
    أ- قيل أن جحا كان له جيران يمازحهم ويمازحونه، ويزيدون عليه وينسبون له ما هو منه بريء من الحكايات والنوادر.
    ب- وقيل أن جحا كان له أعداء-وقل من يسلم من الأعداء-، فأرادوا النيل منه فوضعوا له حكايات مكذوبة هو منها براء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
    ت- وقيل أنه رغم عقله الراجح وفطنته إلا أنه كان عنده شيء من المرح والمزاح والدعابة زمن الشباب، لكنه ترك كل ذلك عند كبر سنه وأقبل على الجد في شأنه كله وترك الهزل والمزاح بالكلية، لكن ذلك لم يشفع له عند البعض ممن سجل عليه ما كان منه زمن شبابه، وروج تلك الحكايات والنوادر التي كان قد تبرأ منها.
    ح- ومن الأسباب كذلك ما ذكره الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه (إرشاد من نحا إلى نوادر جحا)، فقد وصفه بأنه كان يتمتع بصفاء النفس والسماحة وأكد على أن معظم القصص التي تروى عنه ليست حقيقية وإنما هي من تأليف أشخاص آخرين عاشوا بعد عصر جحا، فألفوا هذه الحكايات ونسبوها إليه كي يضمنوا لها الانتشار، وخصوصا تلك التي تظهر جحا في صورة إنسان مستهتر أو شخص يتصف بالحمق والغباء.
    وهؤلاء الأشخاص مجهولون، كما ذكر ابن النديم في فهرسته:" أسماء قوم.. ألف في نوادرهم الكتب لا يعلم من ألفها(منها) نوادر جحا"([16]).
    ج- وقد ظهر لي سبب أخر لا أستبعده، وهو الخلط الذي ربما وقع في نسبة تلك النوادر والحكايات، فدجين بن ثابت كان عربيا بلا شك فهو جحا العربي، لكن هناك جحا رومي يلقب بخوجة نصر الدين (التركي)، فلعل الكثير من تلك الحكايات والنوادر إنما هي متعلقة بهذا الأخير فنسبها بعض الكتاب بقصد أو بغير قصد لدجين بن ثابت(جحا العربي).
    وقد تكون خاصة بشخصيات أخرى تحمل نفس اللقب (جحا) فنسبت لدجين بن ثابت التابعي، فالأمر الذي يجب اعتقاده هو أنه ليست هناك شخصية واحدة تحمل اسم جحا بل أكثر من شخصية واحدة، وهذا ما أشار إليه الدكتور عباس العقاد رحمه الله تعالى حيث يقول:" يستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخص واحد لأن بعضها يتحدث عن أناس في صدر الإسلام وبعضها يتحدث عن أناس في عصر المنصور العباسي أو عصر تيمورلنك..."([17]).
    وقد أشار ابن النديم في كتابه الفهرست أن من الكتب المصنفة في أخبار المغفلين (نوادر حجا)) وعلق الزركلي صاحب الأعلام بقوله:"هذا حتما غير كتاب (نوادر جحا) المطبوع بمصر وبيروت المترجم عن التركية، المنسوبة أخباره إلى جحا الرومي المعروف بخوجه نصر الدين."([18]).

    4- تحذير وتذكير:
    ألا فليتق الله تعالى مروجو هذه الحكايات وناقليها، وليوقنوا أنهم سيقفون بين يدي الله تعالى وأن جحا سيكون خصمهم بين يديه سبحانه، حيث القصاص من الظالم للمظلوم.
    وأخيرا أقول هب أن تلك الحكايات تصح نسبتها إلى جحا.
    أليس هو قد مات وأفضى إلى ما قدم؟
    ألسنا مأمورين بذكر موتانا بخير؟
    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه"- صحيح سنن أبي داود-.
    وروي عنه صلى الله عليه وسلم:" اذكروا محاسن موتاكم و كفوا عن مساويهم" لكنه ضعيف ويغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"-رواه النسائي وغيره وصححه الألباني-.
    قد يقول قائل: وأين السب في مثل هذه الحكايات التي تروى عن جحا؟
    فالجواب أن جعل شخصية جحا محورا لهذه الحكايات الساخرة والقصص المضحكة التي تمثله كالأبله أو الأحمق هو كالسب بل ربما أعظم من السب والشتم.
    وأخيرا أذكر نفسي وإخواني بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"-صحيح الترمذي-.
    فأسأل الله تعالى أن تكون كلماتي تلك ردا عن عرض التابعي الجليل دجين بن ثابت الفزاري، ألقى بها ربي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

    والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.






    ([1] ) الأعلام للزركلي:2/112.

    ([2] ) سير أعلام النبلاء:8/172.

    ([3] ) حياة الحيوان الكبرى 1/330.

    ([4] ) نفسه.

    ([5] ) تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة:1/508.

    ([6] ) تاج العروس:37/325.

    ([7] ) نفسه.

    ([8] ) سير أعلام النبلاء:8/173.

    ([9] ) توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم:3/138.

    ([10] ) نفسه.

    ([11] ) سير أعلام النبلاء:8/173.

    ([12] ) الأعلام للزركلي:2/113.

    ([13] ) أخبار الحمقى والمغفلين:44-45.

    ([14] ) الأعلام للزركلي:2/112.

    ([15] ) شرح سنن أبي داود.

    ([16] ) الفهرست: 435.

    ([17] ) جحا الضاحك المضحك:91/92.

    ([18] ) الأعلام للزركلي:2/112.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جحا بين الحقيقة والوهم:

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر عبد الغفور مشاهدة المشاركة
    أن تكون كلماتي تلك ردا عن عرض التابعي الجليل دجين بن ثابت الفزاري،
    اختلف أهل العلم في حقيقة " جحا "
    الشخصية الهزلية التي تحكى عنها النوادر والظرائف :
    القول الأول : جعله بعضهم " ثابت بن قيس "، كنيته " أبو الغصن "، توفي سنة (168هـ):
    وهذا خطأ ظاهر ؛ فإن ترجمة ثابت بن قيس تدل على شخصية عالمة فاضلة لا تعرف بالسذاجة أو الظرافة المشهورة عن " جحا " في التراث العربي .
    ولذلك قال الإمام الذهبي رحمه الله :
    " وَهِمَ مَن قال : إن أبا الغصن - ثابت بن قيس المدني - هو جحا " انتهى.
    " سير أعلام النبلاء " (8/173)
    ومما جاء في ترجمة أبي الغصن ثابت بن قيس رحمه الله :
    " هو الشيخ ، العالم ، الصادق ، المعمر ، بقية المشيخة ، أبو الغصن ثابت بن قيس الغفاري مولاهم ، المدني . عداده في صغار التابعين .
    يروي عن : أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، ونافع بن جبير ، وخارجة بن زيد الفقيه ، وأبي سعيد كيسان المقبري ، والقدماء . ورأى : جابر بن عبد الله - فيما اعترف به أبو حاتم-.
    حدث عنه : معن بن عيسى ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وبشر بن عمر الزهراني ، والقعنبي ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وجماعة .
    وأخطأ من زعم أنه جحا صاحب تيك النوادر .
    وقال يحيى بن معين ، والنسائي : ليس به بأس . وقال ابن معين أيضا في رواية عباس : هو صالح ، ليس حديثه بذاك . وروى : أحمد بن أبي خيثمة ، عن يحيى : ضعيف .
    قال ابن حبان : هو من موالي عثمان بن عفان . وكان قليل الحديث ، كثير الوهم فيما يروي ، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه . وقال ابن عدي : يكتب حديثه " انتهى .
    " سير أعلام النبلاء " (7/25-26)
    القول الثاني : قال آخرون من أهل العلم : إن " جحا " صاحب النوادر هو " دجين بن ثابت ":
    وهو مروي عن يحيى بن معين ، وقرره الشيرازي في " الألقاب ".
    ولكن استنكر المحققون من العلماء هذا القول أيضا :
    يقول ابن حبان رحمه الله :
    " وهو الذي يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحا ، وليس كذلك " انتهى.
    " المجروحين " (1/294)
    ويقول ابن عدي رحمه الله :
    " الحكاية التي حكيت عن يحيى – يعني ابن معين - : أن الدجين هذا هو جحا : أخطأ عليه من حكاه عنه ؛ لأن يحيى أعلم بالرجال من أن يقول هذا .
    والدجين بن ثابت - إذا روى عنه ابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الصمد ، ومسلم بن إبراهيم ، وغيرهم - هؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا " انتهى.
    " الكامل في الضفعاء " (3/106)
    ويقول ابن الصلاح رحمه الله :
    " الدجين بن ثابت ، بالجيم مصغرا ، أبو الغصن ، قيل : إنه جحا المعروف ، والأصح أنه غيره " انتهى.
    " المقدمة " (ص/195) وتابعه عليه أصحاب جميع الكتب المبنية على كتاب ابن الصلاح .
    ويقول الإمام الذهبي رحمه الله :
    " جحا ، أبو الغصن ، واسمه دجين بن ثابت اليربوعي البصري ، وما أظنه صاحب المجون ، فإن ذاك متأخر عن هذا ، ولحقه عثمان بن أبي شيبة " انتهى.
    " تاريخ الإسلام " (9/378)
    ومما جاء في ترجمة الدجين بن ثابت :
    يقول الإمام الذهبي رحمه الله :
    " جحا : أبو الغصن ، صاحب النوادر ، دجين بن ثابت ، اليربوعي ، البصري . وقيل : هذا آخر .
    رأى دجين أنسا ، وروى عن أسلم ، وهشام بن عروة شيئا يسيرا .
    وعنه : ابن المبارك ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو جابر محمد بن عبد الملك ، والأصعمي ، وبشر بن محمد السكري ، وأبو عمر الحوضي .
    قال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن عدي : ما يرويه ليس بمحفوظ . وروي عن ابن معين قال : دجين بن ثابت هو جحا .
    وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى وقال : لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا ، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الصمد ، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا.
    وأما أحمد الشيرازي ، فذكر في " الألقاب " أنه جحا ، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال : رأيت جحا ، الذي يقال فيه مكذوب عليه ، وكان فتى ظريفا ، وكان له جيران مخنثون يمازحونه ، ويزيدون عليه .
    قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه . قال كاتبه : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المحدثون .
    وقد قيل : إن جحا المتماجن أصغر من دجين ؛ لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا " انتهى.
    " سير أعلام النبلاء " (8/173)
    القول الثالث : أن اسم جحا هو " نوح ":
    وهذا القول ينسب إلى الجاحظ ، ويقال : إن الجاحظ أقدم من ذكر شخصية " جحا " في كتبه ، وذلك في رسالته : " القول في البغال " (ص/37)
    يقول العراقي رحمه الله :
    " ذكر الجاحظ أن اسم جحا نوح والله أعلم " انتهى.
    " التقييد والإيضاح " (361)
    ولم نقف على ترجمة " جحا " الذي هو : " نوح " في أي من كتب الرجال والتاريخ .
    القول الرابع : أن اسم " جحا " هو : " إسحاق ":
    يقول ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله :
    " وذكر بعضهم أن الأشبه في اسمه إسحاق " انتهى.
    " توضيح المشتبه " (3/80)
    ولم نقف على ترجمة لإسحاق هذا . ثانيا :
    الصواب في أمر " جحا " صاحب النوادر والحكايات أنه شخصية مبهمة ، لا يعرف لها ترجمة خاصة ، بل ولا يدرى إن كانت حقيقية أم وهمية ، وهذه الشخصية هي التي ينسب الناس إليها الحكايات الطريفة ، والقصص الظريفة ، وتتناقلها كتب الأدب ، بل هي شخصية عالمية ، لها في كثير من ثقافات العالم أسماء مختلفة ، وتنسب إليها مثل هذه الحكايات .
    جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
    " جحا انفصل عن واقعه التاريخي ، وتحول إلى رمز فني استقطب معظم ما قيل من نوادر التراث العربي الذائعة " انتهى.
    ويقول عباس العقاد رحمه الله :
    " شيء واحد ثابت كل الثبوت في أمر جحا .
    ذلك الشيء الثابت – قطعا – أنه لم يكن جحا واحدا ، ولا يمكن أن يكونه ؛ لأن النوادر التي تنسب إلى جحا لا تصدر من شخص واحد ، ولا تزال دواعي اليقين باستحالة هذه النسبة واضحة في كل قرينة ، وكل رواية يجوز الاعتماد عليها في تحري الوقائع ومن تنسب إليه .
    يستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخص واحد ؛ لأن بعضها يتحدث عن أناس في صدر الإسلام ، وبعضها يتحدث عن أناس في عصر المنصور العباسي ، أو عصر تيمورلنك ، أو ما بعده من العصور بأجيال .
    ويستحيل أن تصدر عن شخص واحد لاختلاف الشخصيات التي تصورها في مجموعها ، فمنها ما يكون التغفيل فيه من جحا ، ومنه ما يكون فيه جحا صاحب الذكاء النادر والطبع الساخر الذي يكشف عن الغفلة ويتندر على البلاهة ، ومن هذه الشخصيات من تتمثل فيه الحماقة بغير مراء ، ومنها من يتحامق ويبدو في كلامه وتمثيله أنه يتكلف ما يعمل وما يقول استهزاء منه بمن يدعون الحكمة والذكاء .
    ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تروى عنها ، سواء في الأمكنة أو العادات والأخلاق ، وقد يروى بعضها عن فارس ، ويروى بعضها عن بغداد أو الحجاز أو آسيا الصغرى أو غيرها من البلدان الشرقية .
    بل ربما قيل عن جحا إنه نصر الدين التركي ، وقيل عنه إنه أبو الغصن العربي الفزاري ، وقيل عنه إنه من النوكى الهالكين ، كما يقال عنه إنه من أصحاب الحالات والكرامات من المتسترين بالولاية ، وهم يجهرون بالهذر والبلاهة .
    ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن جحا وحده كائنا ما كان ؛ لأنها تنسب بعينها إلى المجانين من أمثال " هبنقة "، و " بهلول " أو إلى الأذكياء من أمثال " أبي نواس "، و " أبي العيناء ".
    ويزاد على هذه الحالات جميعا أن طبيعة الفكاهة تختلف بين تحصيل الحاصل ، والقياس مع الفارق ، والمحاولة والمحال ، مما يجوز أن يتفق عرضا في نادرة أو قليل من النوادر ، ولكنه لا يتفق في العشرات والمئات .
    ونحن قد نقرأ عن جحا في كتاب واحد ، فنفهم أنه شخص موجود ، أو قابل للوجود ؛ لأنه متناسق الأخبار ، مطبوع في تفكيره وتعبيره على غرار واحد .
    ثم نقرأ عنه في كتاب آخر فنرى صاحب الكتاب مضطرا إلى تسويغ نوادره المتناقضة بإسنادها إلى المختلقين والمنتحلين ، أو بافتراء المفترين على جحا للنكاية والتشهير " انتهى باختصار.
    " جحا الضاحك المضحك " (ص/91-92) .
    والحاصل أن نسبة نوادر الظرافة إلى شخصية " جحا "، سواء كانت ظرافة غفلة أو ذكاء أو غير ذلك : لا بأس فيه ولا حرج ، وليست من الغيبة المحرمة ، فالغيبة ذكر المسلم المعيَّن المعروف بما يكره ، وسبق أن شخصية " جحا " أصبحت شخصية رمزية ، وإن كان أصلها شخصية حقيقية ، إلا أنها غير معروفة ولا محددة ، وانتقلت إلى الرمزية الوهمية .
    والله أعلم .
    الاسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •