ضاع إيماني، فهل لي من توبة؟





السؤال:

الملخص:
فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها، ترى أنها ضيَّعت إيمانها، بسبب إعراضها عن ذكر الله، ومِن ثَمَّ فقد تسرَّب إليها أنها مطرودة من رحمة الله، وتسأل: هل مِن توبةٍ لي؟
التفاصيل:
أنا في الثامنة والعشرين من عمري، منذ بلوغي ضيَّعتُ إيماني تمامًا؛ بسبب إعراضي عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وعدم شكره على نِعَمِهِ، وعدم صبري على الفتن، واتباعي أهواء النفس دون اتباع الحق، لا أعتقد أنني من الذين يمتلكون في قلوبهم ذرة من إيمان أو تقوى، ولا أقدر على الرجوع إلى الله بالتوبة؛ بسبب إعراضي عن ربي، واتباع هواي، وكفري، لم أتُبْ مما اقترفته يداي من معاصٍ، حتى خُتم على قلبي عقوبة لي، أنا مطرودة من رحمة الله وأخاف عقابه، أعرف أنني أستحقه، ولكن لا أريد أن أخلد في النار، تحكمت فيَّ نفسي الأمارة بالسوء، ولا أملك إلا أفكارًا قذرة، لا أقدر على التفكير الصحيح ولا على فعل الخير، بل لا أشعر بالخير عقوبة لي، فقط أسأل الله سبحانه أن يتوب عليَّ حتى أتوب إليه، وأن يمنحني فرصة أخيرة في هذه الدنيا حتى يدخل النور إلى قلبي بإذنه لأتوب وأصلح ما أفسدت، فهل لي من رجعة؟ هل يهدي الله سبحانه من أعرض عن ذكره وتمادى في ذلك ولم يتُبْ عن إعراضه؟ ليس لي نصير ولا هادٍ إلا الله سبحانه، أقول: أنا لست من الذين في ضلال؛ لأنهم قد تحصل لهم الهداية، بل أنا من الذين في ضلال بعيد؛ بسبب أنني قد طُبع على قلبي جراء إعراضي، نعم، أعلم أن الله يغفر الذنوب جميعًا إلا أن يشرك به، ولكني اتبعت أهوائي مدة طويلة دون توبة، وهذا كفر وشرك أكبر، وأشعر أنني لا أقدر على التخلص من خصالي القبيحة ومن الغفلة، مات قلبي! أنا بعيدة عن الإيمان وعن الفطرة السليمة، الآن استيقظت من غفلتي وأرى بوضوح ماذا كسبت يداي، وأشعر أني تأخرت كثيرًا، فبغير الإيمان لا أقدر على فعل شيء ولا أقدر على الإخلاص في العبادة، أريد أن أكون مع المؤمنين لأنني أرى فيهم الخير، سؤالي: هل لي من عودة وتوبة إلى الله؟ وهل يهدي الله من أعرض عن ذكره؟ وكيف أتخلص من شر نفسي؟


الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: ومن يحول بينكِ وبين التوبة؟ فباب التوبة مفتوح ما لم يُغَرْغِرِ العبد – أي: تخرج روحه - أو تقوم الساعة، فلا تبتأسي ولا تقنطي من رحمة الله، ومهما عظم ذنبكِ فهو شيء ورحمة الله وسعت كل شيء، بشرط صدق التوبة، وسلامة القلب، والعزم والإصرار على صلاح النفس؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 160].
أبْشِري؛ فالله يفرح بتوبة عبده؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فَلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيِسَ منها، فأتى شجرةً، فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))؛ [البخاري: (6308)، ومسلم: (2747) واللفظ له].
أبشري؛ فالله يحب التوابين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ ﴾ [البقرة: 222].
أبشري؛ فالله يبدل سيئات التائب حسناتٍ؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
أبشري؛ فالله الرحمن الرحيم، التواب الرؤوف الودود سبحانه، يقبل التوب، ويغفر الذنب، ويعفو عن السيئات؛ قال تعالى: ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ﴾ [غافر: 3]؛ أي: يغفر ما سلف من الذنب، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه.
ثالثًا: وجدت في رسالتكِ مغالطات وجب التنبيه عليها:
من قال لكِ أنكِ مطرودة من رحمة الله؟!
ومن قال لكِ أنكِ خُتم على قلبكِ؟!
هذه الأمور لا يطَّلع عليها أحد من البشر، ولا أحد يدري بماذا يُختم له.أما قولكِ ليس في قلبي ذرة إيمان فهي مغالطة ثالثة، لو كان ذلك، فمن أين هذا الخوف من الله ومن سوء الخاتمة والعزم على التوب؟
يا أمَةَ الله، عليكِ بالتوبة النصوح بالندم، وهذا ما استشعرته في طوايا رسالتكِ، والعزم على العدم العودة، وكثرة الأعمال الصالحة، ورد المظالم إلى أهلها إذا تعلق ذنبكِ بآدمي، وكنت أحبِّذُ لو ذكرتِ نوعية الذنب حتى يحسن التوجيه لكيفية التوبة منه.
يا أمة الله؛ تأملي قوله الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
فالله يغفر كل الذنوب بشرط التوبة الصادقة، ولا يخفى عليكِ ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم قبل إسلامهم، فالتوبة تجُبُّ وتهدم ما قبلها.
رابعًا: أنصحكِ:
1- اتخذي صحبة مؤمنة، والابتعاد عن قرناء السوء.
2- علِّقي بقلبكِ بالطاعة، ولا سيما القرآن، بعد إحسان الفرائض.
3- إياكِ وسماع الأغاني والأفلام والمسلسلات.
4- أكثري من سماع سير السلف وقصصهم؛ لعلوِّ الهمة.
5- تعلمي عقيدتكِ وعبادتكِ جيدًا.
6- طالعي هذه الاستشارات:
هل التفكير في الماضي يؤثر في التوبة؟
وساوس تتعلق بالتوبة
التشتت في طريق الاستقامة
الطاعة طريق الاستقرار النفسي
وقعت في ذنب عظيم
التوبة مع تكرار الذنب
أفتقد لذة الإيمان
وأخيرًا: عليكِ بالتوبة والإخلاص والإصلاح والاعتصام بالله؛ امتثالًا لقول الله عز وجل: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.