تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة









سعيد السواح


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أيها الحبيب: الإنسان في حالة الرخاء، قد ينسى خالقه، ولكن تراه عند الشدائد والكرب الشديد، ليس له ملجأ إلا إلى ربه، والعبد دومًا لا يؤخذ إلا من جانب الدنيا، ينشغل لها عن ذكر ربه تعالى، ويغتر بما أعطاه الله من زهرة الحياة الدنيا.

وهذا حال كثير من الناس.

كما وصف الله تعالى لنا ذلك مبينًا لنا طغيان الإنسان (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ*
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس:22-23)


إن القاعدة العامة في أحوال الناس، إن أذاقهم الله برحمة منه بعد الضراء، فإنهم يسارعون إلى ما كانوا عليه من الإفساد في الأرض والتكبر والغفلة والنسيان، وهذا من البغي الذي ركب في الإنسان.

فلإنسان مظهر لضعفه وعجزه، وخاصةً إلى ربه سبحانه وتعالى عند الشدائد والكرب العظيم، وكان مخلصًا في دعائه لربه حال الشدة، ثم يأخذ على نفسه العهود والمواثيق، إن أنجاه الله من هذه الكربة، وكشف الله عنه الغمة، لقام في مقام الشكر لربه غير المنقطع عن عبادة ربه.

أفتراه أيها الحبيب

أتراه يثبت على مقال؟ أتراه يوفي بما عزم عليه حال الشدة والكرب؟ فوالله ما إن ينجيه الله تعالى إلا وكان أسرع نسيانًا لهذه الشدة وذلك الدعاء وما ألزم به نفسه، ولهذا قال الله تعالى عن حالهم (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)

أما تعلم أيها الحبيب أن هذا البغي والطغيان لا يضر به الله سبحانه وتعالى فإنهم والله لن يضروا الله شيئًا ولكن كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ثم ماذا في النهاية (ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

فاجعل أيها الحبيب لك عند الله مخزون مدخر، ولذا شرعت الآيات التالية في وصف الدنيا التي يأخذ من جانبها الإنسان، وما نكص على عقبيه إلا من أجل الدنيا، وكيف أنه حاله إذا كان مطمئنًا بالدنيا كالقابض على الهواء أو الممسك للماء (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)

أما لك بعد ذلك أيها الحبيب في الاستجابة لدعوة ربك، فالله تعالى يدعونا لما ينفعنا، فهو يدعونا على دار الكرامة إلى جنات الخلد فهل من مشمر (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس:25).