جمهور الأصوليين والبيانيين على أن الأمر إن كان من أعلى إلى أدنى فهو أمر.
وإن كان من المساوي فهو التماس [وأحيانا قليلة يقال اصطلاح آخر غير (الالتماس) كالرجاء وغيره].
وإن كان من الأدني إلى الأعلى فهو دعاء غالبا وأحيانا يقال اصطلاح آخر كالرجاء وأحيانا سؤال وأحيانا طلب وهناك من يفرق بين الطلب من المخلوق إل الخالق وبين الطلب من المخلوق إلى المخلوق كالمعلمي وغيره فيقال للخالق دعاء ولغيره سؤال أو غير ذلك.
لكن في حقيقة الأمر هذا تقسيم اصطلاحي غير لازم إلا من جهة الأدب مع الله تعالى وانظر الاختلاف في المسألة في كتب أصول الفقه عموما خصوصا الكتب المطولة.
وانظر كتاب (أيها النحاة إنها مصطلحات ولكن) ففيه كثير من ذلك.


وفيما يلي نصوص شرعية كثيرة فيها طلب من الأدنى إلى الأعلى أو من المساو إلى المساو ويسمى أمرا:
1 - حديث الشيطان الذي أسلم: (فلا يأمرني إلا بخير).


2 - قول فرعون لمستشاريه: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 34 - 36].


3 - قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ}.


4 - قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. فالمؤمنون يأمرون بالمعروف أي مخلوق ولو كان الخليفة.


5 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (مري ابا بكر فليصل بالناس).


6 - مسند أحمد ط الرسالة (34/ 253)
عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: اسْتُعْمِلَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عَلَى خُرَاسَانَ، فَتَمَنَّاهُ عِمْرَانُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلَا نَدْعُوهُ لَكَ؟ فَقَالَ لَهُ (2): لَا، ثُمَّ قَامَ عِمْرَانُ فَلَقِيَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّكَ قَدْ وُلِّيتَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمًا، ثُمَّ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَوَعَظَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَذْكُرُ يَوْمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ قَالَ الْحَكَمُ: نَعَمْ، قَالَ عِمْرَانُ: اللهُ أَكْبَرُ.
فعمران أمر ونهى الأمير أي وعظه.


7 - حديث (ك) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ , فَقَتَلَهُ "


8 - (حم) , وَعَنْ أَبِي أَسْمَاءَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ (1) وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ مُسْغِبَةٌ (2) لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَجَاسِدِ (3) وَلَا الْخَلُوقِ (4) فَقَالَ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَا تَأمُرُنِي بِهِ هَذِهِ السُّوَيْدَاءُ؟ , تَأمُرُنِي أَنْ آتِيَ الْعِرَاقَ , فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ , " وَإِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ دُونَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيقًا ذَا دَحْضٍ (5) وَمَزَلَّةٍ (6) وَإِنَّا أَنْ نَأتِي عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ (7) أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ عَنْ أَنْ نَأتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيرُ (8). (9)


9 - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (1/ 41)
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (مري فاطمة بنت أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل وتحتشي وتستثفر وتنظف ثم تطهر عند كل صلاة وتصلي). . . الحديث أخرجه حم (6/ 464) وقط (80) ومس (175) وقال: (حديث صحيح)


10 - - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ - أَوْ ثَنَايَاهُ -، فَاسْتَعْدَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَأْمُرُنِي؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا، ثُمَّ انْتَزِعْهَا؟ " , (م) 21 - (1673)


11 - قال تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69].
لكن قد يرد المخالف ويقول: في هذا الموقف كان الخضر هو المعلم فهو الأعلى وإن كان موسى في الجملة أفضل منه وأعلى منه.


12 - عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: «لاَ، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ المُوصِلاَتُ» , (خ) 5205


13 - الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (35/ 231)
(هق) , عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَأَنَا سَكْرَانُ، فَكَانَ رَأيُ عُمَرَ مَعَنَا , أَنْ يَجْلِدَهُ وَأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَحَدَّثَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ , أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَيْسَ لِلْمَجْنُونِ وَلاَ لِلسَّكْرَانِ طَلاَقٌ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تَأمُرُونِي وَهَذَا يُحَدِّثُنِي عَنْ عُثْمَانَ؟، فَجَلَدَهُ وَرَدَّ إِلَيْهِ امْرَأَتَهُ (1). (2)


14 - - نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنَا عَبَّادٌ يَعْنِي ابْنَ عَبَّادٍ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثنا جَرِيرٌ جَمِيعًا عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُؤَذِّنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَذَلِكَ يَوْمٌ مَطِيرٌ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "نَادِ النَّاسَ فَلْيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ"، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: "قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، أَفَتَأْمُرُونِ ي أَنْ أُخْرِجَ النَّاسَ أَوْ أَنْ يَأْتُوا يَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِهِمْ؟ " هَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، وَقَالَ يُوسُفُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ - رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ نَسِيبٍ لِابْنِ سِيرِينَ - وَقَالَ: "أَنْ أُخْرِجَ النَّاسَ، وَنُكَلِّفَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا الْخَبَثَ مِنْ طُرُقِهِمْ إِلَى مَسْجِدِكُمْ؟ " , (خز) 1864 قال الألباني: إسناده صحيح


15 - المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة (20/ 494)
- أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: "كَيْفَ تَأْمُرُونِّي أَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَعْدَ مَا قَرَأْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَإِنَّ زَيْدًا مَعَ الْغِلْمَانِ لَهُ ذُؤَابَتَانِ" , (س) 5064 [قال الألباني]: صحيح


16 - (م) , عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرَعَةِ (1) فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ , فَقُلْتُ: لَيُهْرَاقَنَّ الْيَوْمَ هَاهُنَا دِمَاءٌ , فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللهِ , فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ , فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ , فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ , فَقَالَ: كَلَّا وَاللهِ , إِنَّهُ لَحَدِيثٌ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ لَهُ: بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ , تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلَا تَنْهَانِي؟ , ثُمَّ قُلْتُ: مَالِي وَلِلْغَضَبِ؟ , فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ أَسْأَلُهُ فَإِذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ. (2)


17 - غالبا جبريل عليه السلام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكن أحيانا النبي قد يأمر ملكا كما في حديث:
فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ , فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ - عز وجل - قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ , وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ , ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ , إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ
قلت: لكن قد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح في مقام الأعلى بأمر الله تعالى للملك أن يطيعه.


18 - قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء}.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
قلت: وليس الشيطان أعلى من البشر إلا لو اعتبرنا الاستعلاء بالوسوسة وسلطانه على من يطيعه لكننا نقول هو يأمر البشر كلهم حتى الصالحين بالفحشاء فيطلق عليه أنه (يأمرهم).


وفي التحصيل من المحصول (1/ 268)
قال أصحابنا (4) لا يعتبر في الأمر علو رتبة الآمر (5) خلافًا للمعتزلةِ (6) لقوله تعالى حكايةً عن فرعون (1): إذ قال لقومه {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (2) وقال عمرو (3) بن العاص لمعاوية (4): أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني ... وكان من التوفيقِ قتل ابن هاشمِ (5)
وقال دريد (6) بن الصِّمة لنظرائه ولمن هو فوقه:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلَّا ضُحى الغدِ (7)
وقال الحصين بن المنذر (8) ليزيد (1) بن المهلب أمير خراسان والعراق:
أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني ... فأصبحت مسلوبَ الِإمارةِ نادما


وفي نفائس الأصول في شرح المحصول (3/ 1141)
وقال أصحابنا: لا يعتبر العلو، ولا الاستعلاء لنا: قوله تعالى: حكاية عن فرعون: أنه قال لقومه: (ماذا تأمرون) [الشعراء:35] مع أنه كان أعلى رتبة منهم. وقال عمرو بن العاص لمعاوية [الطويل]:
(أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم)
وقال دريد بن الصمة لنظرائه، ولمن هو فوقه [الطويل]:
أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وقال حباب بن المنذر يخاطب يزيد بن المهلب أمير خراسان والعراق [آلطويل]: أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فهذه الوجوه دالة على أن العلو غير معتبر. وأما أن الاستعلاء غير معتبر، فلأنهم يقولون: فلان أمر فلانا على وجه الرفق واللين، نعم، إذا بالغ في التواضع، يمتنع إطلاق الاسم عرفا، وإن ثبت ذلك لغة.
واحتج المخالف علي أن العلو معتبر، بأنه يستقبح في العرف أن يقول القائل: أمرت الأمير أو نهيته، ولا يستقبحون أن يقال: سألته أو طلبت منه، ولولا أن الرتبة معتبرة وإلا لما كان كذلك. وأما أبو الحسين، فقال: اعتبارالاستعلاء أولى من اعتبار العلو، لأن من قال لغيره: (افعل) على سبيل التضرع إليه لا يقال: إنه أمره، وإن كان أعلى رتبة من المقول إليه.
ومن قال لغيره: (افعل) على سبيل الاستعلاء، لا على سبيل التذلل يقال: إنه أمره، وإن كان المقول له أعلى رتبة منه، ولهذا يصفون من هذا سبيله، بالجهل والحمق، من حيث أمر من هو أعلى رتبة منه. واعلم: أن مدار هذا الكلام على صحة الاستعلاء، وأصحابنا يمنعون منه، والله أعلم.


وفي الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 6)
وقد رد المصنف على المذهبين أعني مذهب المعتزلة وأبى الحسين بأنه يفسرهما قوله تعالي حكاية عن قول فرعون لقومه: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} 1 فأطلق الأمر على ما يقولونه في مجلس المشاورة ومن المعلوم انتفاء العلو إذا كان فرعون في تلك الحالة أعلى رتبة منهم وقد جعلهم آمرين له وانتفاء الاستعلاء إذ لم يكونوا مستعلين عليه والأصل في الإطلاق الحقيقة فدل ذلك على عدم اعتبار كل واحد من العلو والاستعلاء ومما يدل على ذلك قول عمرو بن العاص لمعاوية رضي الله عنهما:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
وابن هاشم هذا رجل من بني هاشم خرج من العراق على معاوية رضي الله عنه فامسكه فأشار عليه عمرو بقتله فخالفه معاوية لشدة حلمه وكثرة عفوه فأطلقه فخرج عليه مرة أخرى فأنشده عمرو البيت في ذلك لا في علي رضي الله عنه وإنما نبهنا على ذلك مخافة أن يتوهمه متوهم.
وقال دريد بن الصمة2 لنظرائه ولمن هو فوقه:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... وهل يستبان الرشد إلا ضحى الغد
وقال الآخر مخاطبا يزيد بن المهلب أمير خراسان والعراق:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
وقد قيل في إبطال مذهب أبي الحسين على الخصوص في الكتاب العزيز في غاية التلطف ونهاية الاستجلاب بتذكير النعم والوعيد بالنقم كما في قوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 3 وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 4 إلى غير ذلك من الآيات
المنافية لاشتراط الاستعلاء وإلا يلزم أبا الحسين أن يخرجها عن كونها أوامر بل يلزمه أن
يخرج كل صيغة لا يدل معها دليل على وجود الاستعلاء الذي هو هيئة قائمة بالأمر وأكثر الأوامر لا يوجد فيها ذلك.
قال: وليس حقيقة في غيره دفعا للإشتراك وقال بعض الفقهاء إنه مشترك بينه وبين الفعل أيضا لأنه يطلق عليه مثل وما أمرنا وما أمر فرعون


قلت: زنسأل من يلزمون بهذه الاصطلاحات:
1 - لماذا لا يكون الطلب من المساوي إلى مساو أمرا أو نهيا أو سؤالا أو رجاء أو طلبا.
2 - لماذا لا يكون الطلب من الأدنى إلى الأعلى أو الأعلى إلى الأدنى التماسا.
3 - ألا يكون الطلب من الأدنى إلى الأعلى لو كان من المخلوق إلى الخالق سبحانه وتعالى ألا يكون رجاء أيضا.
كما في قوله تعالى: (وترجون من الله ما لا يرجون) وقوله تعالى: (يرجو الله واليوم الآخر) وقوله تعالى: (يرجون رحمته) ........ إلخ
مع أنهم مختلفون فمنهم من يجعل الطلب من المساوي رجاء أيضا فمثلا في:
شرح الآجرومية لمحمد خالد الفاضل (ص: 156): أو إذا كان من المتساويين صار دالاً على الالتماس كما إذا قلت لصاحبك أو زميلك أو أخيك: لتركبْ معي يا أخي، لتركب معي يا أخي. هنا يعني ليس دعاء ولا أمرًا، وإنما هو التماس ورجاء.


قلت: فالأمر بجملته مسألة اصطلاحية ولا تلزم أحدا إلا إذا كان في الأمر تأدبا مع الله تعالى فلابد أن يراعى الأدب في اللفظ.