يقول الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كشف الشبهات :
وهذا التوحيد" هذا التوحيد يعني الذي دعت إليه الرسل وهو الذي عَرَّفَه في مطلع هذا الكتاب وهو إفراد الله بالعبادة
وليس هو التوحيد الذي يقرِّره مشركو زماننا
وهو الذي أقر به المشركون الذين أرسل إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-
وقاتلهم مع اعترافهم به وإقرارهم به وهو توحيد الربوبية
يقول "هذا التوحيد" يعني توحيد العبادة "هو معنى قولك لا إله إلا الله"
لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله لا معبود ولا مألوه ولا يستحق أحد من خصائص الالوهية سواه
المشركين المنفي يثبتونه فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور
وهذا منفي عن غير الله جل وعلا في كلمة التوحيد التي أُمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقاتل الناس حتى يقولوها ولا يكفي مجرد القول والتلفظ موجود عند مشركي زماننا
وإن أباه ورفض والتلفظ به من هو أذكى منهم وأفهم وأعرف وأفهم لهذه الكلمة من مشركي قريش
كأبي جهل وأضرابه كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله تعالى فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرةً أو قبرًا أو جنيًا هذا هو الذي يقصدونه سواء كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث ممن بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وقاتلهم
أو من مشركي زماننا هذا هو الإله عندهم
وهو الذي يطلقون عليه في فيما جاء بعد ذلك من الأعصار السيِّد يطلقون على من يرجونه ويخافونه ويدعونه ويلتجئون إليه في الشدائد يطلقون عليه السيد كالسيد البدوي مثلاً وغيرهم ممن يُتخَذ إله من دون الل
ه "لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبِّر"
كفار قريش لا يقولون أن الإله هو الخالق الرازق المدبِّر لأنهم يقرون به
ولو كانوا يعنون بالإله الخالق الرازق المدبر ما امتنعوا من قول لا إله إلا الله لأنهم يقرون به
"فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما تقدم
وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد
" يعني يتفق المشركون المتأخرون مع المشركين المتقدمين المشركون المتقدمون
يقرون ويعترفون بأن الله هو الخالق الرازق المدبِّر وهؤلاء يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبِّر
وكل من الفريقين يشرك معه في توحيد الألوهية
ولذا لم ينفعهم الإقرار بتوحيد الربوبية ولم يدخلوا في الإسلام حينما أقروا به واعترفوا به كما سلف في الآيات السابقة
"فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده
وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد
فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله
والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها"
ولو كان المراد مجرد اللفظ لما تأخر المشركون من الإذعان والإتيان به لأنه لا يناقض ما هم عليه من الشرك
إذا كان مجرد اللفظ وليس المراد المعنى لا يعجز أحد عن أن يقول لا إله إلا الله
لكنهم يعرفون المعنى ويعرفون أن المراد والمطلوب هو المعنى لا مجرد اللفظ
ولذلك صاروا أعرف وأفهم من المشركين المتأخرين الذين يطوفون بالقبور ويذبحون لغير الله وينذرون لغيره
وهم يقولون لا إله إلا الله
فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله
والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها
والكفار الجهال وهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون لكنهم عرب أقحاح يعرفون معاني الكَلِم وما تدل عليه
"والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالعبادة.. إفراد الله تعالى بالتعلق والكفر والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه"
هذا مقتضى لا إله إلا الله نفي الألوهية عن جميع ما يعبد من دون الله وإثباتها لله وحده
"والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه
فإنه لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله" قالوا {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص:5] رفضوا أن يقولوا لا إله إلا الله "
" يقول الشيخ رحمه الله "فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك" يعرفون المعنى ويفهمون لأنهم عرب يعرفون مدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني
يعرفون ذلك كله وهم المرجع في هذا في هذا الباب في اللغة العربية
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك
"فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جُهَّال الكفار"
لأنهم لو عرفوا معناها ما وقعوا فيما وقعوا فيه من الشرك المناقض
يقول الشيخ"وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها"
شخص توفي من عشرة أو أكثر من السنين
إمام في فَنِّه في أصول الفقه في وقته هو مرجع أهل الأرض كلهم إمام
ومع الأسف هو في بلده سادن قبر جاءنا ودرس عندنا وبُهِر الناس به وأفادوا من علمه
ومع ذلك سادن ورث السدانة عن أبيه وجده كابرًا عن كابر
ماذا يستفيد من هذا العلم؟
وسيأتي في كلام الإمام رحمه الله تعالى أن هؤلاء عندهم قد يكون عندهم علوم كثيرة ومعلومات واسعة لكن ما تنفعهم هذه العلوم إذا لم يحققوا كلمة التوحيد كلمة الإخلاص مفتاح لا إله إلا الله مفتاح الجنة لا إله إلا الله لا تفيدهم علومهم "بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني"
بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني
والحاذق منهم يعني مع الأسف الشديد انصراف الناس عن تعلُّم هذا العلم وكانت هذه العلوم بدهية عند الناس إلى وقت قريب مثل ما ذكرت بالأمس إذا سلَّم الإمام من صلاة الفجر سأل عن الأصول الثلاثة وسأل عن بعض ما يضطر إليه من من معاني لا إله إلا الله وشروط لا إله إلا الله وما تتضمنه وما تقتضيه وما يناقضها
أما الآن لا عين ولا أثر
كانت موجودة يعني ومازالت يعني موجودة في مقررات الصفوف الأولى
لكنها أخذوا يخففون منها ويتخففون من كثير مما يتعيَّن على المسلم معرفته
"والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله"
يظنون هذا معناها المتكلمون في كتبهم وموسوعاتهم على كثرتها وتنوعها يقررون هذا المعنى يعني لو تقرأ كتب الكلام المواقف والمقاصد وغيرها من كتب الكلام مع شروحها التي لا تعد ولا تحصى التي منها ما يبلغ عشرة مجلدات وأكثر وأقل
لا يحومون حول المعنى الصحيح للا إله إلا الله
لا يحومون حوله وإنما يقررون أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله
من نتيجة ذلك ومن أثره أن انتشرت الشركيات في بلدانهم ولا ينكرونها لأنهم لا يدرون أنها تناقض لا إله إلا الله
لأن الإنسان قد يعجب كيف انتشر الشرك في الأمة بهذه الطريقة وفيها العلماء وهي خير أمة أخرجت للناس
العلم الذي لا يبنى على أساس صحيح من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-
لا ينتفع به صاحبه ولا ينفع به غيره
وشواهد الأحوال ظاهرة كثير من الناس أو من ممن يسافر من هذه البلاد إلى أقرب البلدان يضيق ذرعًا بالصلاة في المسجد يقول لا نجد مسجد ما فيه قبر ولذلك نضطر نصلي أفراد في أماكن سكننا هذه مشكلة
إذا كان رأس المال التوحيد الذي لا يصح بدونه أي عمل ولا يقبل من دونه أي تقرب إلى الله جل وعلا لا ينفع إذا كان احوال الناس بهذه الصفة فلا بد من الدعوة الجادّة إلى هذا التوحيد
والحمد لله يعني الذين تعلموا في هذه البلاد وانتشروا في الأقطار نفع الله بهم نفعًا عظيمًا
وطلاب الدين الذين وفدوا إلينا والدعاة الذين ذهبوا إلى البلدان والأمصار نفع الله بهم ومع ذلك يبقى أن هذه الأمور والمظاهر الشركية موجودة في كثير من أقطار المسلمين مع الأسف الشديد
يقول الشيخ "فلا خير في رجل جُهَّال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله"
أبو جهل فرعون هذه الأمة يعرف معنى لا إلى إلا الله
وكبار المتكلمين وحذاقهم يخفى عليهم المعنى الصحيح للا إله إلا الله ولذا وقعوا ما وقعوا فيه من تقرير الربوبية والجهل بتوحيد الالوهية
وأفنوا أعمارهم فيما لا ينفعهم بل فيما يضرهم وفي النهاية عند حضور الأجل تمنى كبارهم أن يموتوا على عقائد عجائز نيسابور يعني بعد هذا كله يتمنى الذي أفنى العمر كامل ثمانين سنةفى علم الكلام يتمنى أن يموت على عقيدة عجائز نيسابور
يقول الشيخ رحمه الله يقول
"إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب" معرفة قلب وتحقيق ما هو معرفة لسان
تقول الكلام بلسانك ولا يدخل إلى سويداء
قلبك لا بد أن يكون مخزون في القلب
أما بمجرد اللسان فأي شبهة تزيله إذا لم يتحقق ويتقرر في القلب
"إذا عرفت ما قلتُ لك معرفة قلب وعرفتَ الشرك بالله وعرفتَ الشرك بالله
الذي قال الله فيه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}" [سورة النساء:48
] يقول "وعرفتَ الشرك" الذي يضادّ التوحيد ويناقضه "وعرفتَ الشرك بالله الذي قال الله فيه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}" [سورة النساء:48] الشرك ليس بقابل الغفران الشرك ليس بقابل للغفران وأما ما دونه وما عداه فإنه يدخل تحت المشيئة بما في ذلك كبائر الذنوب هذا قول أهل السنة والجماعة
يقول الشيخ "وعرفتَ دين الله الذي بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه عرفتَ الشرك وعرفتَ دين الله الذي بعث الله الذي بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد دِيْنًا سواه وعرفت ما أصبح غالب الناس عليه من الجهل بهذا" إذا كنت على بصيرة وبيِّنَة من هذا كلِّه
عرفت التوحيد الحقيقي المطلوب المحقِّق لمعنى لا إله إلا الله وعرفت ما يضادّه من الشرك
يقول الشيخ
"أفادك فائدتين الأولى الفرح بفضل الله ورحمته" لأن هذا رأس المال لأن هذا إذا فُقِد فَقَدْ خسر الإنسان كل شيء افترض أنه يعرف من العلوم ما يعرف ماذا تفيده هذه العلوم؟ لا شيء إذا لم توصله إلى الجنة فلا خير فيها أفاد من أمور الدنيا ومُتَعِها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث كل شيء لكنه خسر هذا الخسران المبين في عدم تحقيق التوحيد
يقول "الفرح بفضل الله ورحمته كما قال جل وعلا {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}" [سورة يونس:58] الفرح في الأصل ممدوح والا مذموم؟ {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [سورة القصص:76] لكن هذا إذا كان في أمور الدنيا التي لا يستفاد ولا ينتفع بها ولا تنفعه في أخراه لا يحب الفرحين كما حصل لقارون ومن على شاكلته وكم بين المسلمين من قارون؟ نسأل الله العافية ممن لا ينتفع بماله بل هي وبال ووقود عليه نسأل الله السلامة والعافية إذا كانت هذه النعمة التي أعطاه الله إياها مما يفيده في دينه ودنياه يفرح بها نعمة البصر إذا كان يستفيد منها فيما يقربه إلى الله جل وعلا وقل مثل هذا في بقية النعم كالسمع والعقل بعض الناس هذه النعم وبال عليه يستعملها فيما حرم الله عليه هذه ليست بنعم هذه تنقلب نقم يحاسَب عليها يوم القيامة "{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
[شرح الشيخ عبد الكريم الخضير لكشف الشبهات بتصرف واختصار]