يستدل الذين يحلون الغناء بحديث غناء القينة (أي المغنية) لحمزة رضي الله عنه بعد غزوة بدر.
ففي البخاري رقم 2375: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنَّهُ قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: «وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا أُخْرَى»، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ البَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاء فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا ، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا.. .فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ، وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الخَمْر

وفي رواية للبخاري: قَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ، فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ، فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا





ورد الشيخ عبد المحسن العباد في شرح أبي داود (351/ 3 بترقيم الشاملة آليا): (ولعل هذا أيضاً قبل تحريم الغناء).


قلت: الراجح أنه بعد تحريم الغناء وأن فعل القينة محرم وقد تكون جارية مشركة أو يهودية في أول عهد المدينة ولم تكن الخمر قد حرمت بعد.


ولو قلنا إن هذا قبل التحريم لأبطلنا ما استدل به أهل العلم من آيات في تحريم الغناء لأنها آيات مكية ومنها:
1 - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [لقمان: 6].
2 - قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64].
3 - {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 59 - 61].
4 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
5 - {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْه} [القصص: 55].


قلت: فالواقع أنها واقعة عين لا عموم لها وذلك لما يلي:
1 - فلعل القينة (المغنية) كانت جارية لأحد الأنصار الذي كان حمزة رضي الله عنه معهم فجاءت بعد أن سكروا بالخمر وكانت الخمر حلال قبل غزوة أحد ولم تكن قد حرمت.
2 - وقد يكون فعلا محرما وآحاد الصحابة -رضي الله عنهم- غير معصومين من الخطأ والنبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على حمزة ما فعله من جب أسنمة الإبل وبقر خواصرها. فلما وجده ثملا -رضي الله عنه- تركه لعدم جدوى الإنكار حينئذ فلعله كان سينكر عليه أيضا غناء القينة.
3 - ولعله قبل تحريم الغناء لكنه احتمال ضعيف لوجود أدلة استدل بها الصحابة والأئمة على تحريم الغناء وكثير منها آيات مكية.
4 - وعلى كل حال لابد أن يرد المتشابه في هذا الحديث إلى المحكم من تحريم الغناء.