مسألة تقديم الوالدين على الصبيان الذين يتضاغون جوعا في قصة أصحاب الغار:
اختلف العلماء لماذا سيقت مساق المدح مع أنه كان يمكن أن يسقي أولاده الجوعي الذين يبكون جوعا ثم يعطي نصيب الأبوين لما يستيقظون:
1 - قيل لأنه اجتهد فأخطأ وهذا هو القول الصواب: وهو قول العلامة ابن عثيمين في الباب المفتوح والشبكة الإسلامية وأنور الكشميري في (فيض الباري شرح صحيح البخاري) ونسبه البعض إلى بعض الشراح.
قال الشيخ ابن عثيمين: لكن هذا اجتهادٌ منه، والله سبحانه يثيب الإنسان على قدر اجتهاده.
وقال الكشميري ووافقته الشبكة الإسلامية: فإن صلاح النية مع فساد العمل إنما يعتد من جاهل.
2 - وقيل شرع من قبلنا أن نفقة الأصل تقدم. نقله الحافظ ابن حجر في الفتح.
قلت: لكن هذا في حالة التشاح وهنا كل من الوالدين والأولاد لهم نصيبهم. لكن هو فقط رفض أن يقدم الأولاد على أبويه.
3 - وقيل لم يبكوا من الجوع وقد حكاه ابن حجر في الفتح وغلطه.
قلت: فهم كانوا يتضاغون جوعا أي يصرخون ويبكون من الجوع.
4 - وقيل هي زيادة على ما زاد على سد الرمق ومال إليه الحافظ فقال: وهو أولى.
قلت: ويرد عليه أنه كان يمكن أن يعطيهم من نصيبهم ولا يؤثر على الوالدين فيعطيهما نصيبهما.
5 - قال الشيخ عبد الكريم الخضير في أكثر من موضع: مدح لأن محبة الوالدين محبة الشرعية مقدمة على محبة الأولاد وهي محبة غريزية فإذا قدم والديه فقد قدم دينه على هواه فيحمد من هذه الحيثية.


وفيما يلي نقول عما سبق:
لقاء الباب المفتوح (201/ 6، بترقيم الشاملة آليا)
حكم تقديم الأولاد على الوالدين في الإطعام


السؤال
بالنسبة لحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الرجل الذي قال: نأى بي طلب الشجر يوماً.
والصبية يتضاغون جوعاً عند قدمه.
هل يشرع الآن لمن حصل له حاجة يعني: أمر لا يمكن أن يتهيأ إلا هذا الشيء، وعنده أولاد وعنده والداه هل يقدم الوالدين مع أنهما يمكن أن يحصلا عليه فيما بعد ولكن الآن الحاجة للصبي، فبناء على أن الله عز وجل استجاب دعوته هل يشرع للإنسان أن يفعل هكذا في هذه الأيام؟


الجواب
لا، هذا ليس كذلك؛ لأنا نقول: هذا الرجل كما تعرف يرعى غنماً ودائماً الإنسان يقول: الآن ارجع الآن ارجع الآن نصل إلى المرعى حتى ينفرط الوقت، وإلا فإن المحافظة على الأولاد والآباء والأمهات أولى من المحافظة على المال، لكن هذا شيءٌ معروف الإنسان دائماً يتمادى في الشيء فلا يدري إلا وقد فات الوقت، حتى أن الإنسان يكتب أحياناً ويشتغل بالكتابة قلبه وإذا به قد انفرط الوقت.
السائل: أنا أقصد: هل يقدم الوالدين في هذا الأمر مع أنه يمكن أن يحصل على هذا الشيء فيما بعد، فيترك الأولاد.
الشيخ: هذا اجتهادٌ منه، وإذا وقع مثل هذا وكان الوالدان نائمين والصبية يتضاغون من الجوع فنقدم الصبية.
السائل: وكيف استجاب الله دعاءه؟ الشيخ: لكن هذا اجتهادٌ منه، والله سبحانه يثيب الإنسان على قدر اجتهاده.


فتح الباري لابن حجر (6/ 510)
توفيه فضل الإخلاص في العمل وفضل بر الوالدين وخدمتهما وإيثارهما على الولد والأهل وتحمل المشقة لأجلهما وقد استشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم وقيل يحتمل أن بكاءهم ليس عن الجوع وقد تقدم ما يرده وقيل لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى


فيض الباري على صحيح البخاري (3/ 485)
قوله: (والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عند رِجْلَيَّ) ... إلخ. وهذا عملٌ غيرُ صالح في الظاهر، كيف وأنه ظَلَمَ على الصبيان الصغار المَعْصُومِين، فلم يُسْقِهِمْ لبنًا، وهو ساغبون. نعم نيتُه كانت صالحةً، فأُجِرَ عليها، ولا بُعْدَ أنه لو كان من أهل علمٍ لأُخِذَ عليه، وعُوقِبَ به، فإن صلاحَ النية مع فساد العمل إنما يعتدُّ من جاهلٍ، وقد نبَّهناك غير مرةٍ على أن هذا أيضًا باب في الشرع غَفَلَ عنه الناسُ، أي القَبُولِيَّةُ بحُسْنِ النية، مع الخطأ في العمل


شرح المحرر في الحديث - عبد الكريم الخضير (12/ 20، بترقيم الشاملة آليا)
مثال يوضح هذا: تقديم مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبق عليهم، وعجزوا عن الخروج، فتوسلوا بأعمالهم الصالحة، فكان منهم الرجل البار الذي يأتي باللبن إلى أبيه وقد نام فينتظره حتى يستيقظ، والصبية يتضاغون من الجوع، الآن سقت مساق مدح وإلا ذم؟ مدح، لو نظرنا إليها بالمنظار الشرعي، وقلنا: ما ذنب هؤلاء الصبية ينتظرون هذا الشيخ الكبير حتى يستيقظ؟ لو سكب لهم في إناء وأعطوا نصيبهم، وانتُظر الشيخ الكبير حتى يستيقظ، هل في هذا مخالفة؟ ما فيه مخالفة إجراء طبيعي، بل أهل العلم في باب النفقات يقدمون الأولاد على الوالدين في الحكم، لكن لماذا سيقت هذه القصة مساق المدح؟ لأن فيها تقديم مراد الله ومرد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس، النفس لا شك أنها تميل إلى الأولاد أكثر من ميلها إلى الآباء والأمهات، هذا معروف والنفس مجبولة على هذا، ولذلك لما حصل الحريق الذي قبل عشر سنوات في منى، سأل شخص أنه حصل الحريق ومعه أبوه ومعه أطفال صغار، أبوه مقعد، فحمل الأطفال الصغار وهرب بهم، واحترق الأب في الخيمة، ولا بد أن يحترق هذا وإلا هذا، المسئول عن هذه المسألة بكى بكاء شديداً كيف تقدم صبية صغار على أبيك الذي حقه عليك أعظم الحقوق بعد حق الله -جل وعلا-؟! لا شك أن في مثل هذه المواطن يتبين ما في القلوب، فتفدية النبي -عليه الصلاة والسلام- باللسان أو قراءة المدائح أو حتى الشمائل أو الصلوات البدعية التي تذكر في كثير من أقطار العالم الإسلامي، وقفنا على بعض هذه الكتب مطبوع بالذهب، وهي لا يشهد لها لا عقل ولا نقل، مملوءة بالموضوعات، ومع ذلك يدعون محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران] المعول على الاتباع، إن اتبعت فأنت حاب ومحبوب، وليس العبرة وليس الشأن في أن تحب الشأن والله كل الشأن أن تُحَب، سهل على الإنسان أن يقول: والله أنا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ثم إذا جاء موقف محك خرجت النتيجة صفر، كم من إنسان يدعي اليقين ويدعي الثبات، وإذا تكلم أثر في الناس،


شرح مقدمة سنن ابن ماجه لعبد الكريم الخضير (10/ 12، بترقيم الشاملة آليا)
الإنسان قد يدعي دعوى، قد يدعي أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه، لكن ما البرهان على ذلك؟ هل نقول: إن عمر استجاب بلسانه، يعني هذه الأمور أمور قلبية، المحبة مقرها القلب، مجرد الدعوى باللسان ما يفيد، يعني كل إنسان يفدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، وكل إنسان يدعي أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل من نفسه، لكن المحك إذا جاء أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعارض الرغبة والشهوة ما الذي يقدم؟ لا بد أن يقدم أمره -عليه الصلاة والسلام-، وإلا أنت ما أحببته أكثر من نفسك، وإذا كانت النصوص النبوية تأمر بما يخالف رغبة الوالد والولد، فإن قدمت رغبتهم فأنت ما حققت هذه المحبة، وإن قدمت النص على رغبتهم فقد حققتها؛ لأن المراد بالمحبة المحبة الشرعية وليس المراد الجبلية؛ لأن الإنسان قد تتعارض عنده المحاب الجبلية مع الشرعية؛ لأن محبة الوالد كما يقرر أهل العلم شرعية، ومحبة الولد جبلية، محبة الوالد شرعية ومحبة الولد جبلية، فإذا حصل ضيق بحيث لا يتسع الأمر إما للوالد وإما للولد، يعني كما لو حصل حريق، وعندك والد مقعد وطفل رضيع ما يمشي، ولا تستطيع حمل الاثنين معاً، تحمل الأب أو الابن؟ نعم هذه محبة شرعية هذا قدمت مراد الله على مرادك، الفقهاء ينصون في باب النفقات أن الولد في النفقة أهم من الأب، وحديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار منهم واحد ويش وضعه مع والديه؟ نعم يأتي باللبن فيجد الأب قد نام، فينتظره إلى الصباح، والأولاد يتضاغون من الجوع، ما يعطيهم حتى يشرب الأب، وسيقت القصة مساق المدح، فدل على أن هذا شرعي في تقديم الوالد على الولد، لكن قد يقال: إنه شرع من قبلنا، وما المانع من أن يقسم اللبن قسمين، فيعطى الأولاد باعتبار حاجتهم، والوالد ينتظر بنصيبه، لكن النظر دقيق في مثل هذه المسائل، لما قدم المحبة الشرعية على الجبلية استحق مثل هذه الكرامة، يستحق مثل هذه الكرامة، فالإنسان إذا قدم مراد الله على مراده يستحق مثل هذه وهذا برهان ساطع، ودليل صادق على صدقه في دعواه، أما بعض الناس يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن في أحواله كلها أو في جلها مخالفة لأوامره -عليه الصلاة


شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير (59/ 27، بترقيم الشاملة آليا)
قال -رحمه الله- وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر، قال: ((أنت أبصر به)) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.
لكن عندك الجملة ((تصدق به على زوجك))؟
الطالب: إيه نعم في الحاشية يقول: ما بين المعكوفتين زيد من مصادر التخريج.
إيه لا يوجد في الأصل، لا توجد هذه الجملة في البلوغ، وهي موجودة في سنن أبي داود وغيره، على كل حال الحديث حسن يصلح للاحتجاج.
يقول: وعنه، يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) حث على الصدقة، وخص النساء بالحث على الصدقة بعد صلاة العيد ((تصدقن ولو من حليكن)) تصدقوا، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) إذا كان ما تملك إلا دينار فأنت أولى به، عندي آخر: تصدق به على زوجك لأنها أولى الناس بذلك، ونفقتها واجبة عليك، عندي ثالث: تصدق به على ولدك؛ لأنه في ذمتك، عندي آخر قال: تصدق به على خادمك، الآن الأسرة انتهت، أراد أن يتصدق بغيره، عنده فائض، وأراد أن يتصدق بها قال: ((أنت به أبصر)) اجتهد في وضعه في الأنسب.
وهذا الحديث مخرج عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وهو في الجملة لا بأس به، ولم يذكر الوالدين، في ذكر للوالدين؟ ومع الحاجة فنفقتهما واجبة، والحديث لم يستوعب كل من تجب نفقته؛ لكن هل المقدم في النفقة الزوجة والأولاد أو الوالدين؟
طالب:. . . . . . . . .
الوالدين، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
الزوجة، عند الجمهور الزوجة؛ لأنه يجب عليه الإنفاق عليها، وأخذها على هذا الأساس، ولها أن تطلب الفراق إذا لم يستطع، أو بخل عنها، فهي أقرب الناس إليه بعد زواجه بها، ومن أهل العلم من يرجح أن الوالدين أولى، وأحق، وحقهما أعظم، لا يختلف أحد في أن حقهما أعظم، وحديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج، وتوسلوا بأعمالهم الصالحة فكان من عمل أحدهم أنه كان بار بوالديه، يترك الأولاد ينامون جوعاً وينتظر حتى يشرب الوالد اللبن، أو نقول: أن هذا قدر زائد على الواجب؟ هذا من تمام البر، وقدر زائد على الواجب، نعم يعني هل الأفضل أن ينتظر الأب ويترك الصبية يتضاغون جوعاً وعطشاً إلى أن ينتبه الوالد من نومه؟ أو يقسم اللبن، ويعطي الأولاد، ويسد جوعهم، وينتظر آباه بالباقي، لو كان الدين بالرأي نقول: إيش المانع؟ لو مثلاً جاء الوالد من عمله وصلى الظهر ونام، وجاءوا الطلاب الأولاد من مدارسهم جوعى، وقالوا: يا الله نبي غداء، قال: لا إلى أن يقوم الوالد، ألا يمكن أن يطعم الأولاد من بعضه والوالد من بعضه؟ هذا ممكن، لكن صنيعه من تمام البر، على أن هذا في شرع من قبلنا، لكن يبقى أن إذا لم يلحق بالزوج أو الأولاد ضرر أن ملاحظة الوالدين هو الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
حتى الوالدين تجب إذا لم يوجد غيرهم، حتى الوالدين تجب، يعني حصل قصة في الحريق الذي حصل بمنى شخص حاج بأمه المقعدة وبأولاده حصل الحريق، فحمل الأطفال وفي نيته الرجوع إلى والدته، وأخرجهم عن مكان الحريق رجع إلى الوالدة إذا هي محترقة، يعني هل نقول: تترك الأطفال وتشيل الأم تنقذها أو تنقذ الأولاد قبل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .


عاجزة هي مقعدة، يعني هل يأتي في مثل هذا المفاضلة أن الوالدة مثلاً بلغت سبعين ثمانين أكلت العمر وهؤلاء مساكين ما بعد، ما تأتي مفاضلة هنا، المدح في مثل هذه التصرفات كون الإنسان غلب هواه وتصرف على مقتضى النظر الشرعي والمحبة الشرعية، لا شك أن الذي يترك أولاده يبكون من الجوع وينتظر أباه هذا تغلب على هواه، وتصرف على مقتضى النظر الشرعي المحبة الشرعية، فالذي أنقذ أولاده وترك أمه، عرضت المسألة على أحد المشايخ الكبار فبكى، كيف تترك أمك هذا شيء ما يخطر على البال؟! يعني هذا الشخص تصرف على مقتضى المحبة الغريزية، يعني عموم الناس في الجملة أنهم يجدون بأولادهم أكثر مما يجدون لوالديهم، ولذلك كثير من الناس ما يحس بفضل والديه حتى يولد له أولاد، وتجد كثير من الناس يمرض الوالد والوالدة وصحيح أنه يحز في النفس، لكن يبقى أنه إذا مرض الولد ما نام، هذا موجود هذه جبلة وفطرة في النفوس؛ لكن يبقى أن المكافأة على سبب الوجود الوالدين، الوالدان هما سبب الوجود فحقهما عظيم، وحقهما مقرون بحق الله -جل وعلا-، فالمدح حينما مدح الذي توسل بالبر إنما هو لمخالفة هوى نفسه، يمكن الذي في نفسه من الحرقة على هؤلاء الأولاد الجوعى أكثر مما في أنفسهم، ومع ذلك قدم الوالد، فهذا مناط المدح.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جاء النص بأن هذا أولى يأثم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جاء النص على أن هذا أولى من هذا، نعم لكن جاء النص بالنسبة للنفقة هنا حتى الفقهاء، ترون يقدمون الخادم على الوالدين؛ لأنه ليست له حيلة، مربوط لخدمته، والوالدان بإمكانهما أن يتصدق عليهم، لهم أولاد غيرك، المقصود أن الحلول قد تكون موجودة؛ لكن الزوجة أين تروح؟ الولد أين يذهب؟ الخادم أين يذهب؟ لكن بالنسبة للوالدين هذه مقتضى نظر الفقهاء، ويستدلون بمثل هذا الحديث "عندي دينار، ((تصدق به على نفسك)) عندي آخر، ((تصدق به على زوجتك)) عندي ثالث، ((تصدق به على ولدك)) عندي آخر، ((تصدق به على خادمك)) عندي آخر، ((أنت به أبصر)) وعلى كل حال إذا قدم ما يتطلبه الشرع مقدماً إياه على هوى النفس لا شك أنه أولى.
طالب:. . . . . . . . .


شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
والثاني: نويت الحج هذا العام أنا وزوجتي، وحاولت والدتي الذهاب معنا، ولكني رفضت لأني لا أقدر على مساعدة أمي وزوجتي معاً، هل أنا آثم لرفض طلب أمي فأيهما أولى أن أقدم علماً أنني إن قدمت زوجتي غضبت والدتي، وكذا زوجتي فمن الأولى؟
من الأولى؟
طالب:. . . . . . . . .
الأم ما حجت مثل الزوجة، كلهم ما حجوا.
طالب:. . . . . . . . .
تحج الزوجة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني النفقات، يعني هل في ذلك تفاوت بين الحكم والأدب؟ في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، واحد منهم يأتي باللبن ويجد أباه نائماً فينتظر حتى يصبح والصبية يتضاغون جوعاً، يعني لا يسقيهم قبل والده، مع أنه بالإمكان أن يفرغ في إناء لوالده ويسقي الصبية ولا يتضرر أحد، وعمله سيق مساق المدح، وأفرج عنهم بسبب ذلك، فلا شك أن تقديم الوالدين على غيرهما هو الأصل، وإن كان في بعض أبواب الفقه تقديم الزوجة على الوالدين في بعض النفقات؛ لكن يبقى أنه إذا قدم والدته فقد قدم دينه على هواه، فيحمد من هذه الحيثية، ولا يجب عليه أن يحج بزوجته، لا يلزمه حتى لو طلب الأجرة منها ليكون محرماً لها لا يُمنع، وعلى هذا عليه أن يبدأ بأمه، أو يحج بهما جميعاً، أو يتركهما جميعاً.
ما الذي يبين أو يثبت أن هذا الشيء خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟
أولاً: الأصل في أفعاله وأقواله -عليه الصلاة والسلام- أنها له ولغيره؛ لأنه هو القدوة وهو الأسوة -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن إذا دل الدليل على أن هذا العمل خاص به، أو أنه فعله ونهى عنه دل على خصوصيته به، ولا بد من أن تقوم قرينة، ويقوم دليل يدل على الخصوصية.


فتاوى الشبكة الإسلامية (8/ 1565، بترقيم الشاملة آليا)
وقد قال بعض شراح صحيح البخاري وهو الشيخ الكشميري في كتابه فيض الباري شرح البخاري كلاما سديدا يحسن إيراده هاهنا من باب الفائدة، قال: قوله: والصبية يتضاغون عند رجلي .. إلخ وهذا عمل غير صالح في الظاهر كيف وأنه ظلم على الصبيان الصغار المعصومين، فلم يسقهم لبنا وهم ساغبون، نعم نيته كانت صالحة فأجر عليها، ولا بعد أنه لو كان من أهل علم لأخذ عليه، وعوقب به فإن صلاح النية مع فساد العمل إنما يعتد من جاهل، وقد نبهناك غير مرة على أن هذا أيضا باب في الشرع غفل عنه الناس أي القبولية بحسن النية مع الخطأ في العمل وأسميه صالحا سفيها، فإن السفاهة قد تدعو إلى مثل هذا الغلو والمبالغة التي لم تكتب عليه.


والله أعلم.


[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1428