أصول فقهية هامة للفرد والمجتمع
خالد سعد النجار

السير إلى الله -تعالى- في رحلة الحياة الدنيا لابد، وأن يقترن بالفقه في الدين، حتى يكون المؤمن على بصيرة تامة بما يرضى الله -عز وجل- فيأتيه، وما يسخطه فيجتنبه ويجافيه، وتلك موجبات النجاة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، ولذلك قال: ((من يرد الله به خيرا يفقه في الدين))[البخاري]، ومن منطلق مبدأ التيسير، رأيت أن أجمع بعض الأصول العامة للأحكام الفقهية مسترشدا بأقوال علمائنا الأجلاء، راجيا المولى - تعالى - أن ينفع بها كل مسلم غيور على دينه، وأن تكون مفتاحا للعديد من الأسئلة التي تراود الكثير:
الأمور التعبدية لا مدخل للقياس فيها: لأن العبادات لا تدرك علتها على وجه التفصيل، والأصل فيها الامتثال لأمر الله - تعالى - دون الالتفات للعلل، فالعبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج لا يصح أن يجري فيها القياس، حتى لا نشرع للناس من الدين ما لم يأذن به الله تكليفا أو إسقاطا، وبناء على ذلك فالأصل في العبادات بالنسبة للمكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل المعاملات الالتفات للمعاني واعتبار المقاصد والمصالح، لأن أحكام الشريعة إنما شرعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد [فقه الزكاة للقرضاوي 1/25].
• هل تقصد التعب في العبادة أفضل أم الراحة: الراحة أفضل، لكن لو كانت العبادة لا تأتي إلا بالتعب كانت المشقة والتعب أفضل، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يرفع به الدرجات ويكفر به الخطايا (إسباغ الوضوء على المكاره) [رواه مسلم] ولكن لا نقول للإنسان: إذا كان يمكنك أن تسخن الماء فالأفضل أن تذهب إلى الماء البارد وتتوضأ، لا نقول هذا ما دام الله يسر عليك فيسر على نفسك [الشرح الممتع لابن عثيمين 3/ 111].
• من دخل في فرض موسع حرم قطعه: مثال ذلك لما أذن لصلاة الظهر قام يصلي الظهر، ثم أراد أن يقطع الصلاة، ويصلي فيما بعد، فإنه لا يحل له ذلك، مع أن الوقت موسع إلى العصر، لأنه واجب شرع فيه وشروعه فيه يشبه النذر فيلزمه أن يتم ومن دخل في فرض مضيق حرم قطعه من باب أولى، فلو دخل في الصلاة ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعات الصلاة حرم عليه القطع من باب أولى، لكن يستثنى ما إذا كان لضرورة، مثل: أن يشرع الإنسان في الصلاة ثم يضطر إلى قطعها لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحالة له أن يقطع الصلاة ويجوز أن يقطع الفرض ليأتي بما هو أكمل، مثل: أن يشرع في صلاة الفريضة ثم يحس بجماعة دخلوا ليصلوا جماعة، فله قطع الصلاة والدخول معهم في صلاة هذا الفرض جماعة، ويستدل لذلك بقصة الرجل الذي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة وقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس، قال: ((صل هاهنا)) فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فقال: (شأنك) [صححه الألباني في إرواء الغليل 972] فأذن له بالصلاة في مكة لأنها أفضل [الشرح الممتع 3/110].
• لا يلزم الإتمام في النفل: ودليل ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دخل على أهله ذات يوم، فقال: ((هل عندكم شيء؟)) قالوا: نعم عندنا حيس، قال: ((أرينه ـ يقول لعائشة ـ فلقد أصبحت صائما)) فأرته إياه فأكل [رواه مسلم]. وهذا الصوم نفل، فقطعه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأكل، فدل هذا على أن النفل أمره واسع للإنسان أن يقطعه ولكن العلماء يقولون: لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح، واستدلوا بعموم قوله - تعالى -: (ولا تبطلوا أعمالكم) [محمد33]، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بن عمرو: ((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل))[متفق عليه]. وهل من الغرض الصحيح إذا دخل في الصلاة فنادته أمه أن يرد عليها، فيقطع الصلاة؟ الجواب فيه تفصيل: - إذا كانت الأم إذا علمت أنه في صلاة لا ترضى أن يقطعها، وتحب ألا يقطعها، وأن يمضي في صلاته ولا يؤثر عليها، ولا يكون في قلبها شيء عليه، فهنا لا يقطعها - إما إذا كانت ممن لا يتعذر في مثل هذه الحال، لأن بعض النساء وبعض الآباء لا يعذرون في مثل هذه الحال، ففي هذه الحال نقول: اقطعها [الشرح الممتع 3/112].
• ما ترتب على المأذون فليس بمضمون: فإذا تمضمض الصائم وهو يتوضأ، فنزل الماء إلى بطنه عن غير قصد، فإنه لا يفطر، لأنه لم يفعل إلا شيئا مشروعا (المضمضة) وهذا ترتب على شيء مشروع فلا يضر والزيادة على الثلاث في الوضوء إما محرمة وإما مكروهة كراهة شديدة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم))[النسائي] فأدنى أحوالها أنها مكروهة، فإذا زاد عليها ووصل الماء إلى بطنه فإنه لا يفطر لعدم القصد، لأنك لو سألت هذا الذي تمضمض أكثر من ثلاث، أتريد أن يصل الماء إلى بطنك؟ لقال: لا [الشرح الممتع 3/63].
• وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون: الزكاة عبادة مالية تجري فيها النيابة، والولي نائب الصبي والمجنون فيها، فيقوم مقامه في إقامة هذا الواجب، بخلاف العبادات البدنية كالصلاة والصيام، فإنها عبادات شخصية لا يجوز التوكيل والإنابة فيها، ولابد أن يباشرها الإنسان بنفسه، إذ التعبد فيها واضح باحتمال المشقة البدنية امتثالا لأمر الله وأما سقوط الصلاة عنهما فليس هناك تلازم بين الفريضتين بحيث تثبتان معا وتزولان معا. فإن الله لم يفرض الفرائض كلها على وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض.
وما أعدل ما قاله أبو عبيدة في هذا المقام: "إن شرائع الإسلام لا يقاس بعضها ببعض لأنها أمهات تمضي كل واحدة على فرضها وسننها" [الأموال لأبي عبيدة ص 454، وفقه الزكاة للقرضاوي1/28]. • من بنى قوله على سبب تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله: مثل ما يقع لبعض الناس في الطلاق، يقول لزوجته مثلا: " إن دخلت دار فلان فأنت طالق " بناء على أنه عنده آلات لهو محرمة ثم تبين أنه ليس عنده شيء من هذا، فهنا لا يقع الطلاق لأنه مبني على سبب تبين زواله [الشرح الممتع 3/61].