تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر

  1. #1

    Post نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
    فهذا بحث متواضع كنت قد قمت به قبل ثلاث سنوات من الآن يتعلق بالجمع بين الصلاتين في الحضر.
    وقد صدرته بمقدمة نافعة في بيان أن الأصل تأدية كل صلاة في وقتها ، وذكرت تعريفا مختصرا للجمع لغة واصطلاحا.
    ثم أردفت المقدمة بذكر أنواع من الجمع : كالجمع بعرفة ومزدلفة والجمع بعذر السفر والجمع بعذر المرض والجمع بعذر المطر والثلج والجمع بعذر الطين والظلمة والجمع بعذر الريح الشديدة الباردة مدعما ذلك كله بنقل أقوال العلماء مع ذكر الترجيح إن لزم ذلك.
    وقد ختمت هذا البحث بذكر بعض شروط الجمع بين الصلاتين في الحضر وبعض المسائل المهمة.
    وقد أسميت هذا البحث على بركة الله : نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر.
    بيان السبب الذي دفعني للقيام بهذا البحث :
    أما عن السبب الذي حملني على القيام بهذا البحث فهو أني جمعت للناس في يوم مطير بين المغرب والعشاء بحكمي إماما في المسجد ، فاعترض معترض علي وادعى أن مثل هذا الجمع لا يجوز !!
    فآليت على نفسي أن أقوم بهذا البحث لأقنعه وامثاله بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر لعذر المطر وغيره ، ثم قمت بإلقائه على جمهور المصلين في درس عام بين المغرب والعشاء وكان الحضور كبيرا ولله الحمد والمنة.
    وتعمدت أن أنقل عن أئمة المالكية أقوالهم في جواز مثل هذا الجمع لأن المذهب السائد في بلادنا هو المذهب المالكي.
    وهكذا تم بفضل الله عز وجل اقتناع الجميع بجواز هذا الجمع ورجع المعترض إلي وأظهر اقتناعه بما ذكرت، ولله الحمد أولا وآخرا.
    وحتى لا أثقل عليكم سأقسم هذا البحث إلى أجزاء وأنقل لكم في كل يوم جزءا سائلا المولى تبارك وتعالى أن يجعل ما قلناه وما كتبناه زادا لحسن المصير إليه وعتادا ليمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    مقدمة : في بيان أن الأصل تأدية كل صلاة في وقتها
    الأصل أداء كل صلاة في وقتها، لقوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
    قال العلامة الألوسي في تفسيره : كتابا : أي كتابا مفروضا، وموقوتا : أي محدد الأوقات، لا يجوز إخراجها عن وقتها في شيء من الأحوال.اهـ
    قال العلامة صديق حسن خان : أي فرضا محدودا معينا، والكتاب هنا بمعنى المكتوب، يعني مؤقتة في أوقات محدودة، فلا يجوز إخراجها عن وقتها على أي حال كان من خوف أو أمن.اهـ
    وقال تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا.
    الدلوك : هو زوال الشمس، والغسق : هو الظلمة.
    قال الامام السعدي : ففي هذه الآية ذكر الأوقات الخمسة للصلوات المكتوبات...وفيه أن الوقت شرط لصحة الصلاة وأنه سبب لوجوبها؛ لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات.
    وفيها أن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك للعذر؛ لأن الله جمع وقتهما جميعا.اهـ
    وأما من السنة ففيها حديثان : حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو.
    1. روى البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل، فقال :قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال : قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب، فقال : قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال : قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، فقال : قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر أو قال : سطع الفجر، ثم جاء من الغد للظهر، فقال : قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال : ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاءه حين اسفر جدا، فقال له : قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال : ما بين هذين وقت.
    2. وروى الامام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقت الظهر إذا زالت الشمس و كان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
    تعريف الجمع لغة واصطلاحا.
    لغة : الجمع خلاف التفريق، تقول : جمعت الشيء أجمعه جمعا إذا ضممت بعضه إلى بعض.
    اصطلاحا : هو ان يجمع المصلي بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر، بأن يصلي العصر مع الظهر قبل حلول وقت العصر أو يجمع بينهما تأخيرا، بأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقته ويصليه مع العصر في وقت العصر، ومثل الظهر والعصر : المغرب والعشاء، فيجمع بينهما تقديما وتأخيرا.
    ومن هذا التعريف يتبين لنا أن الجمع نوعان : جمع تقديم وجمع تأخير.
    نكتفي اليوم بهذا القدر على أن يكون لنا لقاء غدا بحول الله تبارك وتعالى لتتمة هذا البحث وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  2. #2

    افتراضي رد: نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الدرس الثاني

    المبحث الثاني : متى يشرع الجمع بين الصلاتين ؟
    أولا : الجمع بعرفة ومزدلفة : أجمع العلماء على مشروعية الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم ، وبين المغرب والعشاء ليلة النحر بمزدلفة جمع تأخير.
    وحكى هذا الإجماع غير واحد من العلماء مثل : ابن المنذر وابن قدامة والنووي وابن رشد والقاضي عياض والبغوي والقرطبي وابن عبد البر وابن حزم وابن تيمية وغيرهم.
    ثانيا : الجمع بعذر السفر : ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية الجمع في السفر ولم يخالف في ذلك إلا الأحناف.
    ثم اختلف الجمهور بعد ذلك في شروط السفر المبيحة للجمع ، أو بعبارة أخرى متى يشرع للمسافر الجمع بين الصلاتين ؟
    - القول الأول : ذهب المالكية إلى أن المسافر لا يجمع إلا إذا جَدَّ به السير ، أي إذا كان سائرا ، أما إذا كان نازلا فلا يجمع.
    وهذا القول هو المشهور عن الإمام مالك ، جاء في المدونة (1/144) : ( قال مالك : لا يجمع الرجل بين الصلاتين في السفر إلا أن يَجِدَّ به السير ، فإذا جَدَّ به السير جمع بين الظهر والعصر ).
    واختار هذا القول ابن القيم ، فقال في " زاد المعاد " : ( ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من الناس ، ولا الجمع حال نزوله ، وإنما كان يجمع إذا جَدَّ به السفر ).
    لكن يبدو من أقوال الأئمة المالكيين المتأخرين أن الجمع يجوز مطلقا ، ففي " حاشية الدسوقي " : ( جواز الجمع مطلقا سواء جَدَّ في السير أم لا ).
    - القول الثاني : وذهب جمهور العلماء إلى أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلا أو سائرا ، وهي رواية عن الإمام مالك ذكرها الزرقاني في " شرح الموطأ " ، وقال بهذا القول كذلك ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية.
    واستدلوا بما يلي :
    1- روى أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غزوة تبوك ) وكان نازلا.
    2- جاء في الصحيحين عن أبي جحيفة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلا في الأبطح في حجة الوداع وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ).
    3- أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها إما للعناء أو قلة الماء أو غير ذلك.
    الترجيح : الصحيح قول الجمهور : أنه يجوز للمسافر الجمع سواء كان نازلا أو سائرا لقوة الأدلة التس استدلوا بها ، وإن ترك النازل الجمع فهو أفضل خروجا من الخلاف.
    ثالثا : الجمع بعذر المرض : للعلماء في هذه المسألة قولان :
    - القول الأول : ذهب الإمام مالك وأحمد إلى أنه يجوز للمريض الجمع بين الصلاتين ، كما جاء في المدونة (1/143).
    - القول الثاني : وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن المريض لا يجمع.
    الترجيح : والصحيح ما ذهب إليه الامام مالك من مشروعية الجمع للمريض ، لحديث ابن عباس الآتي قريبا.
    قال الامام الخطابي في " معالم السنن " (1/230) : (وتأول بعضهم حديث ابن عباس على أن يكون ذلك في حال المرض ، وذلك لما فيه من إرفاق المريض ودفع المشقة عنه ، فحمله على ذلك أولى من صرفه إلى من لا عذر له ولا مشقة عليه من الصحيح البدن المنقطع العذر ).
    وقال ابن عثيمين في " الشرح الممتع (4/554) " : ( فإذا انتفى الخوف والمطر وهو في المدينة انتفى السفر أيضا ، ولم يبق إلا المرض ، وقد يكون هناك عذر غير المرض ، ولكن ابن عباس سئل : لماذا صنع ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته ؛ أي : أن لا يلحقها حرج في عدم الجمع ، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع ).
    وقال في موضع آخر : ( فحاصل القاعدة فيه : أنه كلما لحق افنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضرا وسفرا ).
    رابعا : الجمع بعذر المطر والثلج : ذهب جمهور العلماء إلى جواز الجمع في الحضر بعذر المطر ، ولم يخالف في ذلك إلا الأحناف.
    واستدل الجمهور بحديث ابن عباس أنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ) رواه مسلم.
    وفي بعض الروايات : ( من غير خوف ولا مطر ).
    قال مالك : أرى ذلك كان في مطر.
    قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ فقال : ( أراد أن لا يُحرِج أمتَه ) وفي رواية : ( أراد أن لا تُحرَج أمتُه ).
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في شرح الحديث في " مجموع الفتاوى " (24/46) : ( فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى ، وهذا من باب التنبيه بالفعل ، فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر ، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع ، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها ).
    بل إن ابن تيمية ذكر عن ابن عباس أنه جمع بالناس المغرب والعشاء بالبصرة لأجل انه كان يخطبهم في أمر مهم من أمور المسلمين ، ولم يُرد أن يقطع كلامه لئلا تفوت مصلحته ، فرأى رضي الله عنه أن ذلك من الأسباب التي يجوز فيها الجمع.
    وقد وردت آثار كثيرة عن الصحابة في جواز الجمع بين الصلاتين بعذر المطر وهي كالبيان للحديث ، انظُرها في فتح المالك (3/111) وفقه الجمع بين الصلاتين في الحضر (137).

    نكتفي اليوم بهذا القدر على أن نكمل البحث في يوم الغد ان شاء الله تعالى ، إلى ذلكم الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  3. #3

    افتراضي رد: نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الدرس الثالث
    خامسا : الجمع بعذر الطين والظلمة : عند المالكية يُجمَع بين المغرب والعشاء إذا لم يكن مطر وكان هناك طين وظلمة ، ولا يُجمَع للظلمة وحدها ولا للطين وحده.
    قال مالك في "المدونة" (1/143) : ( يُجمَع بين المغرب والعشاء في الحضر وإن لم يكن مطر إذا كان طين وظلمة ).
    وقال ابن عبد البر كما في "فتح المالك" (1/111) : ( هذا هو المشهور من مذهب مالك في مساجد الجماعات في الحضر وما يُنتاب منها من المواضع البعيدة التي في سلوكها مشقة ).
    سادسا : الجمع بعذر الريح الشديدة الباردة : المراد بالريح الشديدة ما خرج عن العادة ، أما الريح المعتادة فإنها لا تبيح الجمع ، والمراد بالبرودة ما تشق على الناس.
    وعليه فإذا اشتد البرد دون الريح فلا يباح الجمع ؛ لأن البرد يمكن أن يتوقاه الإنسان بكثرة الثياب.
    وإذا كانت هناك ريح شديدة بدون برد فلا يباح الجمع كذلك ؛ لأنه ليس فيها مشقة ، إلا إذا كانت هذه الرياح الشديدة تحمل ترابا يتأثر به الإنسان ويشق عليه ، فحينئذ يباح الجمع لأجل المشقة. انظر "الشرح الممتع" (4/557).
    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/21) : ( يجوز الجمع بين العشاءين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما ).
    المبحث الثالث : شروط الجمع بين الصلاتين في الحضر
    1- أن لا يكون الجمع بين الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب بإجماع العلماء.
    2- نية الجمع : يشترط الشافعية أن تكون النية قبل الإحرام بالأولى أو في أثنائها قبل السلام منها ، ولا تجوز النية بعد السلام من الأولى.
    فلو نوى الجمع قبل الإحرام بالأولى ، ثم نوى تركه قبل السلام ، ثم نواه بعد السلام ، فلا يصح الجمع عندهم.
    وأما عند المالكية فلا يشترطون نية الجمع قبل الإحرام بالأولى ، فيجوز عندهم أن ينوي الجمع بعد السلام من الأولى ، وهذا هو مذهب مالك وظاهر المدونة.
    جاء في "المدونة" (1/143) : ( قلت : فإن وجدهم قد صلوا المغرب ولم يصلوا العشاء الآخرة فأراد أن يصلي معهم العشاء ، وقد كان صلى المغرب في بيته لنفسه ، قال : لا أرى باسا أن يصلي معهم ).
    وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/566) : ( والصحيح أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى ، والذي يشترط هو وجود سبب الجمع عند الجمع ، أي ضم الثانية للأولى لا عند إحرام الأولى.
    فالصحيح أن له أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى ، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجودا ).
    وقد رجح هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
    3- الترتيب : أي أن تكون المغرب قبل العشاء عند الجمع ، فلا يصح تقديم العشاء على المغرب ، وهو مذهب الحنابلة سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية.
    وعند الشافعية : يشترط الترتيب للجمع في وقت الأولى ولا يشترط في وقت الثانية.
    مسألة : لو أن رجلا دخل المسجد ووجدهم قد صلوا المغرب ودخلوا في العشاء ، وهو لم يصل المغرب ، ماذا يفعل ؟
    على القول بوجوب الترتيب لا يصح منه أن يدخل معهم بنية العشاء ثم يصلي بعدها المغرب ، فهذا جمع غير صحيح.
    إذن ماذا يفعل ؟
    يدخل مع الإمام بنية المغرب حتى إذا قام الإمام إلى الرابعة جلس المسبوق ويتشهد ويسلم ، ثم يقوم يدرك مع الإمام ركعة من العشاء ويتم صلاته بعد سلام الإمام ، وهكذا يكون قد راعى الترتيب بين المغرب والعشاء.
    ولكن ينبغي أن يُعلم بأن هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى وهي : هل يجوز اختلاف نية الإمام مع المأموم ؟
    وهي مسألة خلافية مشهورة : فالشافعية يجيزون ذلك بخلاف المالكية.
    4- الموالاة : أي أن العشاء لا بد أن تقع بعد المغرب مباشرة دون فصل طويل بينهما ، فلو فصل بينهما بصلاة سواء كانت راتبة أو فريضة فائتة فلا يصح الجمع.
    ولا يؤثر في الموالاة الفصل بينهما بإقامة للثانية أو وضوء خفيف.
    وهذا مذهب المالكية سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية.
    وأما الشافعية فيشترطون الموالاة عند جمع التقديم فقط.
    وذهب شيخ الاسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/54) إلى أنه لا تشترط الموالاة بحال ، لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية ، وعلَّل ذلك بأنه ليس لذلك حدٌّ في الشرع ، ولأن مراعاة ذلك يُسقط مقصود الرخصة.
    مسألة : متى تُصلى سُنَّة المغرب وسُنَّة العشاء البعدية والوتر ؟
    - أما سُنَّة المغرب والعشاء البعدية فتصلى عند الفراغ من صلاة العشاء ، وهو مذهب الجمهور.
    قال الامام النووي : ( وفي جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سُنَّة المغرب ثم سُنَّة العشاء ).
    والأفضل أن تُصلى هذه السُنَّة في البيت وليس في المسجد ، وهو المشهور عند المالكية.
    قال المازري في "شرح التلقين" : ( وأما التنفل بعدهما ، فقد قال الإمام مالك : لا يتنفل بعد العشاء في المسجد ، وقال أيضا : لا يوترون في المسجد ، ولكن في منازلهم بعد مغيب الشفق ، فأما التنفل بعد العشاء ، فيمكن أن يكون نهى عنه لأنه إنما أبيح الجمع لينصرف الناس إلى منازلهم قبل الظلمة الشديدة ، وفي التأخير للتنفل وقوع فيها ).
    وقال ابن جُزي في "القوانين الفقهية" : ( ولا يتنفل بين الصلاتين ليلة الجمع ولا بعدهما في المسجد ولا يوتر حتى يغيب الشفق ).
    - وأما صلاة الوتر : فعند المالكية : الأفضل أن تُصلى بعد مغيب الشفق ، أي : بعد دخول وقت العشاء ، وتُصلى في البيت.
    وعند الشافعية والحنابلة : أن الوتر يُصلى بعد الفراغ من صلاة العشاء ، وهو قول بعض المالكية كابن عبد الحكم وعبد الحق.
    5- أن يكون العذر المبيح للجمع موجودا عند الشروع في الصلاة الأولى ، وهو مذهب المالكية.
    نكتفي اليوم بهذا القدر على أن تكون لنا عودة لتتمة هذا البحث في يوم الغد ان شاء الله تعالى.

  4. #4

    افتراضي رد: نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الدرس الرابع والأخير

    المبحث الرابع : مسائل متفرقة :
    المسألة الأولى : هل يصح الجمع بين المغرب والعشاء إذا وُجد المطر بعد الشروع في صلاة المغرب أو بعد السلام منها ؟
    هذه المسألة مبنية على مسألة نية الجمع هل تُشترط قبل الإحرام بالأولى أم لا يُشترط ذلك ؟
    وقد تقدمت هذه المسألة، وبيَّنَّا أن المالكية لا يشترطون أن تكون نية الجمع قبل الإحرام بالأولى، فلو نوى - عندهم - الجمع أثناء صلاة المغرب أو بعد الفراغ منها، صحَّ الجمع ، وهو ظاهر مذهب المدونة.
    وأما عند الشافعية فإنهم يشترطون أن تكون نية الجمع قبل الإحرام بالأولى أو في أثنائها قبل الفراغ منها.
    والصحيح كما تقدم هو مذهب المالكية ، ورجحه الشيخ ابن عثيمين كما في "الشرح الممتع" (4/570) : (فلو لم ينزل المطر مثلا إلا في أثناء الصلاة فإنه يصح الجمع على الصحيح ، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى ، أي : كانت السماء مغيمة ولم ينزل المطر ، وبعد ان انتهت الصلاة الأولى نزل المطر فالصحيح أن الجمع جائز بناء على هذا القول الراجح ).انتهى
    المسألة الثانية : هل يصح الجمع بين المغرب والعشاء إا توقف المطر بعد صلاة المغرب وقبل الشروع في العشاء ؟
    - ذهب أبو محمد عبد الحق من المالكية إلى جواز الجمع في هذه الحالة ، وقال : لا يمنع من الجمع إذ لا يُؤمن من عودة المطر.
    - وذهب المازري من المالكية أيضا إلى التفصيل ، فقال : ( والأولى عندي مراعاة شاهد الحال ، فإن كفَّ المطر كفا ظهر معه من الصحو ما يُؤمن معه من عودة المطر فإنهم لا يجمعون ، وكثيرا ما يقلع المطر إقلاعا يغلب على الظن معه أنه لا يعود عن قرب ).
    المسألة الثالثة : هل يجوز الجمع لمن لم يتأذَّ بالمطر ، كأن يكون المسجد قريبا من داره ؟
    سئل الإمام مالك عن القوم يكون بعضهم قريب المنزل من المسجد ، إذا خرج منه دخل إلى المسجد من ساعته ، وإذا خرج من المسجد إلى منزله مثل ذلك ، يدخل منزله مكانه ، ومنهم البعيد المنزل من المسجد ، أترى أن يجمعوا بين الصلاتين كلهم في المطر ؟
    فقال : ( ما رأيت الناس إذا جمعوا إلا القريب والبعيد فهم سواء يجمعون. قيل : ماذا ؟ فقال : إذا جمعوا جمع القريب منهم والبعيد ).
    وقال محمد بن رشد : ( وهذا كما قال ، لأن الجمع إذا جاز من أجل المشقة التي على من بَعُد دخل معهم من قَرُب ، إذ لا يصح لهم أن ينفردوا دونهم ، فيُصلوا كل صلاة في وقتها جماعة ، لما في ذلك من تفريق الجماعة ، ولا أن يتركوا الصلاة في جماعة ).
    المسألة الرابعة : هل يجوز الجمع بعد جمع الإمام الراتب ؟
    قال الشيخ علي العدوي في "شرحه لمختصر خليل" : ( والحاصل أنه إذا وجدهم فرغوا فلا يجوز أن يجمع لنفسه ولا مع جماعة بإمام ، لأن فيه إعادة جماعة بعد الراتب ).
    المسألة الخامسة : رجل صلى في بيته المغرب أو في مسجد آخر ، ثم جاء إلى المسجد فوجدهم قد صلوا العشاء ، فهل يصلي العشاء جمعا مع المغرب أو لا ؟
    جاء في المدونة (1/143) : ( وقال مالك فيمن صلى في بيته المغرب في ليلة المطر فجاء المسجد فوجد القوم قد صلوا العشاء الآخرة ، فأراد أن يصلي العشاء ، قال : لا أرى أن يصلي العشاء ، وإنما جمع الناس للرفق بهم وهذا لم يُصل معهم ، فأرى أن يؤخر العشاء حتى يغيب الشفق ثم يصلي بعد مغيب الشفق ).
    المسألة السادسة : يُجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين ، ولا يُشرع أن يُؤذَّن في وقت الثانية.
    وبهذا نأتي على نهاية هذا البحث المتواضع فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله على ذلك.
    كما أشكر لكم حسن متابعتكم لهذه الدروس وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل ما قلناه وما كتبناه زادا لحسن المصير إليه وعتادا ليُمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  5. #5

    افتراضي

    تواتر في التراث الفقهي الإسلامي جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر لعلة الخوف والمطر والمرض،وصرح ابن قدامة المقدسي(ت620ه) في المغني[ج2،ص60]:"ولا يجوز الجمع لغير ما ذكرنا، وقال ابن شبرمة[وغيره] يجوز إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة واستدل بحديث ابن عباس أن النبي(صلى الله عليه وسلم) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر فقيل لابن عباس لم فعل ذلك؛ قال أراد أن لا يحرج أمته؛ولنا[الحنابلة] عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض، ويجوز أن يتناول من عليه مشقة كالمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن عليه مشقة في ترك الجمع، ويحتمل أن النبي(صلى الله عليه وسلم) صلى الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس:قال عمر وقلت لجابر أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذلك"
    ولقد استدل أصحاب هذا الرأي [أصحاب الجمع بين الصلاتين لعذر من غير خوف ولا سفر ولا مطر ولامرض] بما روي عن ابن عباس(رضي الله عنهما) أن النبي صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة؛ قال: عسى.[ أخرجه البخاري في صحيحه،باب:تأخير الظهر إلى العصر[ح518،ج1،ص286] وأخرجه مسلم في صحيحه،باب الجمع بين الصلاتين في الحضر[ح705،ج1،ص491]]
    الدليل الثاني: روي عن عبد الله بن شقيق أنه قال خطبنا ابن عباس(رضي الله عنهما) يوما بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني؛ الصلاة، الصلاة؛ فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة؟ !! لا أم لك، ثم قال ابن عباس رأيت رسول الله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء؛ فأتيت أبا هريرة ، فسألته؛ فصدق مقالته.[ أخرجه مسلم في صحيحه،باب الجمع بين الصلاتين في الحضر،[ح705،ج1،ص490]]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •